­

المنشور

مأساة قرية المعامير في كوبنهاجن


رغم مرارة التجربة التي تعيشها قرية المعامير نتيجة الهواء المسمم الذي يستنشقه أبناؤها يوميا إلا أن ردّ أهالي القرية يأتي حضاريا في كل مناسبة لعرض مأساتهم على الرأي العام.

هذه القرية الوادعة التي يسكنها ما يقارب من 7000 مواطن محاطة من جميع الجهات بأكثر من 130 مصنعا تنفث على مدار الساعة مختلف أنواع الغازات مما أدى إلى موت أكثر من 30 شخصا معظمهم من الشباب خلال السنوات الماضية نتيجة مرض السرطان والأمراض المتعلقة بالجهاز التنفسي بالإضافة إلى حالات عديدة من التشوهات الخلقية وحالات التخلف العقلي والتي يقدرها الأهالي بأكثر من 50 حالة ناهيك عن حالات الإجهاض بين نساء القرية والتي تفوق نسبتها أي حالات إجهاض في أي منطقة من مناطق البحرين.

وفي مقابل هذا الموت المجاني للأهالي ينعم أصحاب المصانع بالأرباح العالية دون تخصيص ولو جزء بسيط منها لعلاج أبناء القرية أو لتطوير القرية أو حتى مساعدة الأسر الفقيرة فيها.

وفي كل مرة يتفوق أهالي المعامير في طرح قضيتهم بشكل حضاري لا يلجأون فيه إلى الصدام مع هذه المصانع أو حتى تعطيل عملها وإنما يعمدون إلى ابتكار الأساليب الجديدة في كل مرة للتعبير عن احتجاجهم.

في اليوم العالمي للبيئة قام «بيئيو المعامير» وفي خطوة جميلة لم يعتد مجتمعنا البحريني عليها بعد، نظم «بيئيو المعامير» مهرجانا بيئيا ترفيهيا تحت عنوان «إلى متى؟» شارك فيه الأطفال و النساء والشيوخ.

الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية أنشأت مختبرا في القرية عبارة عن شاحنة مزودة بأجهزة لرصد الملوثات الغازية في الهواء المحيط بقرية المعامير ومن ثم إرسال المعلومات إلى المركز الرئيسي بإدارة التقويم والتخطيط البيئي بالهيئة التي تصدر بدورها تقريرا شهريا عن التجاوزات التي حدثت خلال كل شهر، وفي حين تثبت التقارير الصادرة من هذه الوحدة وجود تجاوزات متفاوتة في نسبة غاز ثاني أكسيد الكبريت وبعض المركبات الكيماوية بشكل مستمر وعلى مدار العام، إلا أن الجهات المسئولة سواء في الدولة أو في هذه المصانع لم تقم بأي شيء يذكر للحد من انبعاث هذه الغازات السامة ولذلك أطلق “بيئيو المعامير” شعارا لهذا الاحتفال هو «إلى متى» يتم تجاهل شكاوى المواطنين وتقارير المختبرات؟

بالأمس نشرت إحدى الصحف المحلية تقريرا حول مشاركة الناشط البيئي وعضو جمعية «بيئيو المعامير» محمد جواد لآلاف النشطاء البيئيين من مختلف أنحاء العالم في الاحتجاجات التي صاحبت « قمة المناخ» التي عقدت في العاصمة الدنمركية كوبنهاغن.
وكعادته بدا محمد جواد هادئا وهو يمسك بآلة العود يعزف «مأساة المعامير البيئية» أمام العالم مستذكرا أهالي قريته الذين قضوا نتيجة الغازات السامة.

عذرا أخي محمد فالبعض لا يمكنه تقبل سماع لحنك الحزين. 
 



الوسط  21 ديسمبر 2009م

اقرأ المزيد

الدولار‮ .. ‬هل آن الأوان؟

الرئيس أوباما‮ ‬يشد الرحال إلى الصين ودول أخرى في‮ ‬القارة الآسيوية ضمن جولة آسيوية استغرقت أسبوعاً،‮ ‬من أجل إقناع القادة الصينيين والدول الأخرى التي‮ ‬زارها بمساعدة بلاده على معالجة أزمة عجوزات ميزانها التجاري،‮ ‬الصين برفع قيمة عملتها الوطنية‮ ‬‭(‬Currency Appreciation‭)‬‮ ‬وكوريا الجنوبية واليابان وسنغافورة من أجل تعظيم حصة الاستهلاك المحلي‮ ‬في‮ ‬إجمالي‮ ‬نواتجهم المحلية على حساب قطاعاتهم التصديرية،‮ ‬إضافة طبعاً‮ ‬إلى الطلب من هذه الدول لا سيما الصين وسنغافورة بالموافقة على أخذ التزامات بالتخفيف من انبعاثات الغازات الدفيئة أسوة بالدول المتقدمة لتسهيل إبرام اتفاق جديد في‮ ‬مجال التغير المناخي‮ ‬في‮ ‬مؤتمر الأطراف الخامس عشر الذي‮ ‬سيُعقد الشهر المقبل في‮ ‬كوبنهاجن‮.‬ العملة الوطنية لأي‮ ‬بلد هي‮ ‬الوجه الآخر،‮ ‬المعادل افتراضاً‮ ‬من الناحية الاقتصادية،‮ ‬للسلع المنظورة والسلع‮ ‬غير المنظورة‮ ‬‭(‬Visible and invisible goods‭)‬‮ ‬المنتَجة محلياً،‮ ‬من هنا تأتي‮ ‬إحدى أهم وظائف النقد الخمس وهي‮ ‬وظيفته كمقياس للقيمة‮.‬ وبهذا المعنى فإن النقد‮ (‬أو العملة الوطنية‮) ‬هو عنوان الاقتصاد وهو المرآة العاكسة لأدائه ومتانته من عدمها‮.‬ واليوم فإننا لو أنزلنا هذه المعادلة على الحالة الأمريكية سوف نجد أن العملة الأمريكية‮ (‬الدولار‮) ‬تنزف بغزارة وتفقد جزءاً‮ ‬من رصيد قوتها كلما تقدم بها العمر جراء تقادم النموذج الاقتصادي‮ ‬الأمريكي‮ ‬وإصابته بأعطاب وأعطال بالغة الأثر‮. ‬ففي‮ ‬أقل من عام فقد الدولار‮ ‬5‭,‬11٪‮ ‬من قيمته وذلك بعد أن كان عاد إلى السطح بأعجوبة مقاوماً‮ ‬أمواج أعتى أزمة اقتصادية‮ ‬يتعرض إليها الاقتصاد الأمريكي‮ ‬منذ ثلاثينيات القرن الماضي‮.‬ وهو ما دفع كلاً‮ ‬من الصين وروسيا اللتين تملكان أرصدة دولارية ضخمة للحديث عن إمكانية الابتعاد عن الدولار،‮ ‬بينما سارعت الهند لتغيير سلة احتياطياتها بتقليص محتواها الدولاري‮ ‬وشراء‮ ‬200‮ ‬طن من الذهب من صندوق النقد الدولي‮.‬ يقول بعض أركان النظام الاقتصادي‮ ‬العالمي‮ ‬إن الدور المميز الذي‮ ‬تضطلع به الولايات المتحدة كمُصدِر وحيد لعملة الاحتياط العالمية‮ (‬الدولار‮) ‬يوفر لها ميزة‮ ‬غير عادلة،‮ ‬إذ‮ ‬يمنحها قدرة فريدة على الاقتراض من الدول الأجنبية بعملتها الوطنية،‮ ‬فهي‮ ‬تربح عندما تنخفض قيمة الدولار نتيجة لكون أصولها‮ ‬‭(‬Assets‭)‬‮ ‬في‮ ‬الغالب بالعملة الأجنبية فيما خصومها‮ ‬‭(‬Liabilities‭)‬‮ ‬بالدولار الأمريكي‮. ‬وفي‮ ‬التحليل النهائي‮ ‬فإن الولايات المتحدة تتمتع بصافي‮ ‬رأسمال قدره حوالي‮ ‬تريليون دولار من الانخفاض التدريبي‮ ‬للدولار على مدى السنوات ما قبل الأزمة المالية/الاقتصادية الأخيرة‮.‬ وبهذا المعنى فإن مصير العالم أصبح معلقاً‮ ‬على مدى قدرة الولايات المتحدة على المحافظة على قيمة الدولار‮. ‬ ولكن هذا كان الحال دائماً‮ ‬ومنذ أن وافق العالم على مركزية الدولار في‮ ‬النظام النقدي‮ ‬العالمي‮ ‬الذي‮ ‬أنشأته اتفاقية بريتون وودز لعام‮ ‬‭,‬1944‮ ‬وهو وضع تكرس للدولار عبر الزمن،‮ ‬منذ ذلك الوقت،‮ ‬قبولاً‮ ‬عالمياً‮ ‬لهذا الدولار حتى بعد الذي‮ ‬حصل للدولار بعد فك ارتباطه بالذهب مطلع سبعينيات القرن الماضي،‮ ‬وذلك بدليل أن العالم هو من أسهم في‮ ‬تكريس هذا الدور المتميز للدولار،‮ ‬فلقد اختارت الصين وكافة بلدان الاقتصادات الصاعدة مراكمة احتياطياتها بالدولار الأمريكي‮ ‬تحت إغراء الوضع المتميز للدولار كعملة دفع عالمية،‮ ‬إضافة إلى عمق أسواق المال الأمريكية وانفتاح سوق رأسمالها‮.‬ ولذلك فإن الحديث عن استبدال الدولار بعملة احتياطية أخرى من شأنه الإضرار بالدول المذكورة عاليه التي‮ ‬راكمت احتياطات ضخمة بالدولار وهو الأمر الذي‮ ‬يدفع لمواصلة الطلب على الأصول الأمريكية وبالتالي‮ ‬تأجيل الحديث عن إعادة التوازن المالي‮ ‬بين البلدان المعنية بتداول الدولار‮.‬ ولكن ما هي‮ ‬بدائل الدولار المطروحة حالياً‮ ‬في‮ ‬سوق المزايدات الدولية؟ هنالك ثلاثة خيارات تتمثل فيما‮ ‬يلي‮:‬ ‮(‬1‮) ‬إنشاء نظام نقدي‮ ‬متعدد العملات المتنافسة تشمل إلى جانب الدولار اليورو الأوروبي‮ ‬واليوان الصيني‮ (‬بعد جعله عملة قابلة للتحويل‮ ‬‭(‬Convertible‭).‬ ‮(‬2‮)‬اعتمـاد أوسـع نطـاقـاً‮ ‬لعملـــة حقـــوق السـحب الخاصـة‮ ‬‭(‬Special Drawing Rights‭ – ‬SDR‭)‬‮ ‬الصادرة منتصف سبعينيات القرن الماضي‮ (‬على إثر أزمة الدولار‮) ‬من صندوق النقد الدولي،‮ ‬باعتبار أن محتواها‮ ‬يستند إلى العملات العالمية الرئيسية‮: ‬الدولار،‮ ‬اليورو،‮ ‬الجنيه الإسترليني‮ ‬والين الياباني‮ ‬بما‮ ‬يجعلها تستفيد من كل مزايا هذه العملات‮.‬ ‮(‬3‮) ‬الخيار الراديكالي‮ ‬وهو إنشاء عملة عالمية جديدة‮ ‬يتم اعتمادها أداةً‮ ‬أساسية للمعاملات النقدية العالمية وتعويمها جنباً‮ ‬إلى جنب مع العملات الوطنية‮. ‬أما جهة إصدار مثل هذه العملة فيجب أن تكون مؤسسة نقدية عالمية جديدة‮ ‬غير مرتبطة بأية اقتصادات من تلك التي‮ ‬تعاني‮ ‬منها الدول،‮ ‬بحيث تقوم هذه العملة بدور الأصل العالمي‮ ‬الخالي‮ ‬من المخاطر‮ ‬‭(‬Risk-free global asset‭)‬،‮ ‬حسبما‮ ‬يرى صندوق النقد الدولي‮.‬ ولكن هنالك تحفظات على هذه الخيارات‮. ‬فيما‮ ‬يتعلق بالخيار الأول فإنه‮ ‬يتطلب تنسيقاً‮ ‬محكماً‮ ‬ودقيقاً‮ ‬بين الدول صاحبة عملات التداول العالمية المعتمدة‮. ‬وإذا كانت الولايات المتحدة تتمتع الآن بمفردها بميزة إصدار العملة الاحتياطية العالمية الرئيسية‮ (‬الدولار‮) ‬فإن هذه الميزة ستذهب إلى الدول المختارة لاعتماد عملاتها كعملات احتياط رئيسية‮.‬ وبالنسبة لعملة حقوق السحب الخاصة‮ ‬‭(‬SDR‭)‬‮ ‬فإن صندوق النقد نفسه الذي‮ ‬يشرف على عملية تداولها‮ (‬وإصدارها‮) ‬يشكك في‮ ‬إمكانية استخدامها على نطاق أوسع مما هي‮ ‬عليه اليوم ما لم‮ ‬يحدث انهيار تام في‮ ‬النظام النقدي‮ ‬العالمي‮ ‬الحالي‮.‬ وأما بالنسبة لخيار إنشاء عملة عالمية جديدة الذي‮ ‬يعيد إلى الأذهان اقتراح الاقتصادي‮ ‬البريطاني‮ ‬الشهير جون مينارد كينز بإنشاء بنك عالمي‮ ‬للمقاصة المالية‮ ‬‭(‬International Clearing Union‭)‬‮ ‬يقوم بإصدار عملة‮ (‬أسماها هو‮ ‬Bancor‮) ‬تُسدد بواسطتها كافة المعاملات المالية والتجارية،‮ ‬فإنه وبما أن مثل هذا البنك‮ ‬غير قائم في‮ ‬الوقت الحاضر فلا خيار أمام الجميع سوى التعامل مع النظام النقدي‮ ‬الحالي‮ ‬بما‮ ‬يشمل ذلك التعايش مع القلق السائد حالياً‮ ‬بشأن وضع العملة الأمريكية إلى أن تنضج فكرة أحد الخيارات المطروحة‮.‬ وإلى أن‮ ‬يحدث ذلك سوف‮ ‬يبقى الدولار متفوقاً‮ ‬على اليورو في‮ ‬الحصة من الاحتياطيات العالمية بمقدار ثلاثة أضعاف تقريباً‮ ‬وسيبقى أيضاً‮ ‬عملة التسعير الأولى للسلع والخدمات.
 
صحيفة الوطن
21 ديسمبر 2009

اقرأ المزيد

تسفيه التاريخ – 1

لم يذهب احمد الذوادي، القائد الوطني الراحل، إلى الجامعات والأكاديميات لينال الشهادات العليا، لكنه فعل شيئاً آخر أكثر أهمية: لقد أرسل هو وبقية رفاقه كيوسف العجاجي وعبدالله البنعلي وغيرهم من قادة جبهة التحرير الوطني المئات من البحرينيين والبحرينيات للدراسة في الجامعات والمعاهد في الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية الأخرى، لتلقي العلم يوم كان التعليم حكرا على أبناء الذوات، وعاد هؤلاء إلى البحرين، هم الذين خرجوا من الأحياء والقرى الفقيرة وقد أصبحوا أطباء ومهندسين ومحامين ومعلمين تمتلئ بهم البلاد اليوم. لم يفكر الذوادي في نفسه، فكر في أبناء وبنات شعبه، لأنه يدرك انه بالتعليم سيرتقي الوطن، وفي هذا أظهر ما هو عليه من نكران للذات وإيثار الآخرين على نفسه، ولقاء ذلك لم يكن يبتغي جزاء أو شكورا من أحد. وبالمثل لم يحبس أحمد الذوادي نفسه بين صومعات الكتب، هو الذي لا ينقصه الذكاء والنباهة، ليس لأن الكتب ترف، وإنما لأن مهامه في النضال كبيرة ومتعددة، وهو الذي اختار أن ينخرط في الحياة مناضلا ومنظما لأبناء شعبه في النضال الوطني والديمقراطي، وحوّل منافيه الاجبارية الى معترك نضالي حقيقي حاملا قضية شعبه الى المحافل الدولية عبر المنظمات الديمقراطية العالمية كمنظمة التضامن الأفرو – آسيوي ومجلس السلم العالمي ومنظمة القارات الثلاث وغيرها، وبجهوده الكبيرة وجهود رفاقه بات العالم يعرف قضية نضال الشعب البحريني ضد الاستعمار البريطاني ومن اجل الاستقلال الوطني والديمقراطية. لم يقدم الذوادي نفسه يوماً على انه مفكر أو عالم، لقد عرفناه مناضلاً ميدانيا جسوراً وصلباً صان أسرار تنظيمه ولم يتنكر لحظة لخياره الوطني، وهو نفسه الذي قال في لقاء صحافي اجري معه بعد عودته من المنفى في عام 2001: “لم اندم يوما على عملي السياسي ولم اشعر أنني أخطأت بالطريق الذي اخترته لنفسي ولو قدر لي وعادت السنوات بي إلى ذلك الزمن فسأختار الطريق نفسه”. مع ذلك فان احمد الذوادي اجتهد في اعداد أوراق وبحوث قدمها لمؤتمرات عالمية حول قضايا النضال الوطني والديمقراطي في البحرين والمنطقة، وحول الاستخدام الأمثل للثروة النفطية في خدمة مصالح شعوب المنطقة في زمن لم يكن لدى التنظيم إلا قلة من الكوادر المؤهلة والمتعلمة، ويعرف كل من عايشوه في السجن أو المنفى سلامة فطرته السياسية التي صقلتها التجربة حيث استطاع هو وبقية رفاقه من قادة جبهة التحرير، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، صون تنظيمهم من مخاطر التطرف اليساري والانتهازية اليمينية، وسعوا لأن يسلك السياسة الصحيحة في ظروف معقدة ووسط جو بوليسي وأمني خانق. مؤسف وموجع لنا أن هذا الرجل الكبير حقاً ناله في حياته وبعد مماته من الأذى الشيء الكثير، فحين عاد إلى البحرين بعد إصلاحات جلالة الملك، مع بقية المنفيين، مُنهكاً من قساوة المنفى وبرودته ومن سياط مرض السرطان الذي كان يتنقل من منطقة إلى أخرى في جسده، عرّض به البعض، ممن كانوا يعدون أنفسهم رفاقاً له فيما مضى، لأن الدولة منحته بيتاً في مدينة زايد ظلّ يدفع قسطه الشهري لوزارة الإسكان حتى لحظة رحيله عن الدنيا. للحديث تتمة غداً.
 
صحيفة الايام
21 ديسمبر 2009

اقرأ المزيد

شبح نموذج باكستان‮ ‬يحوم على العراق

ما هو الجامع والمشترك بين النموذج الباكستاني‮ ‬الذي‮ ‬اختارت نخبته السياسية والعسكرية الفاسدة تطبيقه بالانعطاف منذ النصف الثاني‮ ‬من عقد سبعينيات القرن الماضي‮ ‬صوب الانغلاق والارتداد الحضاري‮ ‬بتمكين جماعات التطرف الإسلامي‮ ‬من السيطرة على مصادر التطور والتراكم الحضاري‮ ‬في‮ ‬ذات الوقت الذي‮ ‬انعطفت فيه جارتاها الصين والهند نحو ارتياد آفاق التقدم الاقتصادي‮ ‬والعلمي‮ ‬والتقني‮ ‬‭-‬‮ ‬نقول ما هو الجامع والمشترك بين هذا‮ ‘‬النموذج التنموي‮’ ‬الباكستاني‮ ‬وبين النموذج العراقي‮ ‘‬الطازج‮’ ‬الذي‮ ‬يجري‮ ‬بناؤه منذ عام‮ ‬2003‮ ‬أي‮ ‬منذ العدوان الأمريكي‮ ‬البريطاني‮ ‬الغاشم على العراق واحتلاله؟
لعلها العقدة‮ (‬الرابطة‮) ‬المشؤومة إياها التي‮ ‬ذهبت عنواناً‮ ‬للكتاب الجديد للكاتب الباكستاني‮ ‬العميق والمبدع طارق علي‮ ‘‬الثنائي‮ .. ‬باكستان على الطريق الطائر للقوة الأمريكية‮’ ‬‭(‬The Duel‭ – ‬Pakistan on the Flight Path of American Power‭)‬‮ ‬الذي‮ ‬كنا تطرقنا إليه في‮ ‬مقالنا السابق‮.‬
‮’‬الثنائي‮’ ‬الذي‮ ‬جعله طارق علي‮ ‬موضوع كتابه المذكور عاليه هما المؤسسة العسكرية الباكستانية والولايات المتحدة الأمريكية اللتان‮ ‬يحمّلهما الكاتب مسؤولية الحالة الرثة التي‮ ‬انتهت إليها باكستان اليوم‮.‬
هذا النموذج التحالفي‮ ‬الباكستاني‮ – ‬الأمريكي‮ ‬الذي‮ ‬مارست حكومات الولايات المتحدة الأمريكية المتعاقبة تطبيقه عبر تاريخها الحديث في‮ ‬غير بقعة من العالم وخصوصاً‮ ‬في‮ ‬بلدان أمريكا الجنوبية التي‮ ‬تعتبرها بمثابة حديقتها الخلفية والتي‮ ‬أنشئت فيها مؤسسات عسكرية‮ (‬حرس وطني‮ ‬في‮ ‬الغالب الأعم‮) ‬أنتجت طغمة عسكرية استبدادية في‮ ‬كل بلد من تلك القارة لازالت شعوبها تدفع أثماناً‮ ‬باهضة لحقبتها السوداء‮ ‬‭-‬‮ ‬نقول هذا النموذج التحالفي‮ ‬الباكستاني‮ – ‬الأمريكي،‮ ‬اختارت واشنطن،‮ ‬على جري‮ ‬عادتها في‮ ‬بناء علاقاتها الدولية،‮ ‬أن تطبقه في‮ ‬العراق وذلك من خلال إنشاء تحالف مصالح مع القوى الطائفية المتعطشة للصعود إلى السلطة في‮ ‬العراق بأي‮ ‬ثمن لإرضاء‮ ‬غرورها الطائفي‮ ‬وتحقيق أجندتها الطائفية الضيقة،‮ ‬حيث أنشأت هذه القوى،‮ ‬بعد أن مكنتها واشنطن من تحقيق هدفها في‮ ‬انتزاع السلطة،‮ ‬أجهزة أمنية لا تختلف كثيراً‮ ‬عن المؤسسات العسكرية والأمنية الباكستانية المتحالفة تاريخياً‮ ‬مع واشنطن‮.‬
فما الذي‮ ‬جرّه هذا التحالف على العراق؟
بما أن هذا التحالف،‮ ‬شأنه شأن الحلف القائم بين المؤسسة الأمنية الباكستانية وواشنطن،‮ ‬أشادته عقليات بوليسية على أساس من الثأرية والكيدية المتمحورة حتماً‮ ‬حول مصالح‮ ‘‬الثنائي‮’ ‬إياه‮ .. ‬واشنطن لتأمين مصالحها الجيوبوليتيكية والنفطية،‮ ‬والقوى الطائفية والعشائرية لتحقيق مبتغاها في‮ ‬خطف الحكم وإشادة نموذجها التنموي‮ ‬الفوضوي‮ ‬العاج بنزعات الإقصاء والاستبداد والفساد‮ ‬‭-‬‮ ‬نقول بما أن هذا التحالف قائم بهذه الصفة فقد كان لابد أن‮ ‬ينتج التمظهرات التالية‮:‬
‮(‬1‮) ‬تحوُّل نزعات تقسيم العراق التي‮ ‬أثارها وأشاعها المحتل الأمريكي‮ ‬إلى مشاريع تطبيقية قطعت شوطاً‮ ‬بعيداً‮ ‬خصوصاً‮ ‬في‮ ‬المنطقة الكردية بشمال العراق‮. ‬وحتى في‮ ‬جنوب العراق ظل بعض المكونات السياسية العراقية إلى وقت قريب‮ ‬يتناغم مع الدعوات والتوجهات الأمريكية لتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم لولا أن هذه السياسة لا تتمتع بنفس الحظوظ التي‮ ‬تمتعت بها في‮ ‬شمال العراق لأسباب قومية وروباط عشائرية ووشائج أسرية وروابط اقتصادية‮ (‬بين المناطق الجنوبية والغربية‮)‬،‮ ‬هي‮ ‬في‮ ‬المحصلة عوامل طاردة للأفكار الانفصالية والانعزالية المغامرة‮.‬
‮(‬2‮) ‬إطلاق المارد الطائفي‮ ‬من قمقمه،‮ ‬حيث راحت القوى الطائفية والانعزالية تتخندق وتتمترس خلف حيزها الطائفي‮ ‬بالغ‮ ‬الضيق والديماغوجبا،‮ ‬وطفقت تمارس الطأفنة في‮ ‬كل شيء‮ .. ‬ابتداءً‮ ‬من التوظيف والتثقيف الجماهيري‮ ‬البروباغاندي‮ ‬إلى تقنين العلاقات مع الآخر‮.‬
‮(‬3‮) ‬والنتيجة أن أضحى العراق اليوم مقسماً‮ ‬على الأقل من الناحيتين النفسية والثقافية‮ (‬اعتباراً‮ ‬بسيادة ثقافة الطأفنة والإقصاء‮).‬
‮(‬4‮) ‬طبعاً‮ ‬أدى انسحاب قوات الاحتلال الأمريكية من المدن العراقية وتوجيه اهتمام الإدارة الأمريكية الجديدة وتركيزه على أفغانستان،‮ ‬إلى إرخاء القبضة الأمريكية في‮ ‬العراق قليلاً‮ ‬وبالتالي‮ ‬توفير مساحة أكبر للعراقيين لاستعادة وعيهم وإعادة الاعتبار للمكون العراقي‮ ‬الجمعي‮ ‬وللوطنية العراقية على حساب نزعات الطأفنة والانعزالية‮. ‬إنما لازالت القوى الطائفية والانعزالية التي‮ ‬توفر الأساس،‮ ‬حتى اللحظة،‮ ‬لصيغة‮ ‘‬الثنائي‮’ ‬المشؤومة إياها،‮ ‬تشكل عائقاً‮ ‬أمام إعادة الأمور إلى نصابها الوطني‮ ‬في‮ ‬العراق‮.‬
‮(‬5‮) ‬وكما في‮ ‬حالة‮ ‘‬الثنائي‮’ (‬الأمريكي‮/‬الباكستاني‮) ‬فإن العراق اليوم‮ ‬يقف في‮ ‬صدارة بلدان العالم الأكثر تلوثاً‮ ‬وتلويثاً‮ ‬بالفساد الذي‮ ‬يكاد‮ ‬يعم كافة مؤسسات الدولة العراقية،‮ ‬المدنية والعسكرية‮.‬
‮(‬6‮) ‬أخيراً‮ ‬وليس آخراً‮ ‬فإنه وعلى‮ ‬غرار النموذج‮ ‘‬التنموي‮’ ‬الباكستاني،‮ ‬تمسك قوى الإسلام السياسي‮ ‬المتشددة بأطيافها المذهبية المختلفة،‮ ‬بخناق العراق وتهدد في‮ ‬كل لحظة استقراره ولحمته الوطنية وتواصل بمعاولها هدم مصادر وفرص التحديث والتقدم التي‮ ‬تحاول القوى العراقية المدنية دفعها دفعاً‮ ‬متجاسراً‮ ‬لمزاحمة أجندات الارتداد الحضاري‮ ‬بالغة الشوكة وعالية الصوت‮.‬
ولعل ما حدث بين التيارات والقوى السياسية التي‮ ‬تتصارع اليوم على السلطة في‮ ‬العراق قبل أيام،‮ ‬من تجاذب خطير بين هذه القوى على خلفية محاولة إقرار قانون الانتخابات الجديد،‮ ‬يؤكد المنحى الطائفي‮ ‬الذي‮ ‬تم استدراج العراق‮ ‘‬الجديد‮'(!) ‬إليه بعناية فائقة والإيقاع به في‮ ‬شركه‮. ‬حيث نشبت الصراعات على أساس المحاصصة الطائفية وليس على أساس برامج إنقاذ وإعادة بناء وطنية.
 
صحيفة الوطن
19 ديسمبر 2009

اقرأ المزيد

في الذكرى العاشرة

بداية نتوجه لجلالة الملك بالتهاني والتبريكات بمناسبة العيد الوطني والذكرى العاشرة لتوليه مسؤولية الحكم في البلاد، وهو الحدث التاريخي الذي أسس لانطلاق عملية التغيير والإصلاح في البحرين، والتي وضعتها في مسار جديد. والأمور تعرف بأضدادها كما يقال، فلكي نقدر ما نحن عليه اليوم من تغييرات ومن فضاء للحريات والممارسة السياسية، يجب أن نتذكر المراحل السابقة لمشروع الملك، مما يعلي من مهمة صون ما تحقق من انجازات، وتوطيدها وتطويرها والانطلاق بها نحو آفاق جديدة، والتصدي لمعوقات ذلك، التي كلما جرى التأخر في حلها، تراكمت وتعقدت وأصبح تجاوزها أكثر صعوبة. وفي الكلمة التي وجهها جلالة الملك، وألقى فيها نظرة على برنامج العمل الوطني الذي يتطلع إليه في المرحلة الراهنة وفي الأفق المنظور أكد على ضرورة الحفاظ على الإجماع حول الإصلاح، كشرط لحماية المكتسبات التي تحققت وصيانتها، من خلال نشر ثقافة القانون، وهي ثقافة لن تكون فعالة إلا إذا ما طبق القانون على الجميع، والتزم به الجميع، وأصبح الكل متساوياً أمامه بصرف النظر عن المنصب أو العرق أو الجنس أو التحدر الديني أو المذهبي، فمثل هذه الثقافة هي التي ستضمن التطور الصحي للمجتمع، وترسخ الإصلاح وتعززه. وعلى صلة بهذا الأمر تبرز مسألة الحفاظ على حقوق الإنسان وكرامته، وتطوير ما أنجزته مملكة البحرين في هذا المجال، من خلال وضع التشريعات الضامنة لهذه الحقوق، وإزالة كل التدابير أو القوانين التي تتناقض مع هذا التوجه، وتعزيز استقلالية القضاء وتأكيد نزاهته ورقابته على أي تجاوز. ولا يقل أهمية عن ذلك ما أشار إليه جلالة الملك حول تفعيل الرقابة الإدارية، بحكم امتلاك البحرين لأعرق الإدارات، من أجل ضمان حكم القانون، وتعزيز الرقابة المستقلة على الأداء المالي والإداري لأجهزة السلطة التنفيذية، وكشف أوجه الفساد وخرق القانون، وصون المال العام، وضمان توجيهه نحو النهوض بأوضاع البلد وتلبية الحاجات الحيوية للمواطنين، والارتقاء بالخدمات لاجتماعية، خاصة الأكثر حيوية منها في مجالات الرعاية الصحية والاجتماعية والتعليمية والإسكانية، وتطوير البنية التحتية في البلاد لتلبي الحاجات العصرية وتتواءم مع نهضة البلد، ومع ما تمتلكه من ثروات ليست قليلة. إن الإصلاح عملية مستمرة، لا يصح أن تتوقف عند نقطة من النقاط التي بلغتها، وانجاز أي مهمة من مهامه يفتح الباب على مهام أخرى يجب انجازها، وجلالة الملك قال في كلمته انه لا يريد للعملية السياسية أن تجمد في موضعها، وبطبيعة الحال فان أجهزة الدولة المعنية مطالبة بترجمة هذه الروح من خلال الارتقاء إلى شروط ومتطلبات الإصلاح، التي تتطلب المثابرة والدأب والتمسك بالرغبة في هذا الإصلاح وإكسابه محتواه الحقيقي. وبطبيعة الحال فان العملية السياسية في البحرين طرحت تحديات ومهاماً لابد منها للتغلب على ارث الماضي، وإشاعة تفكير جديد يلائم المرحلة الجديدة، والتجربة الماثلة أمامنا تؤكد أن التغلب على التحديات التي جاءت مع التغيير الذي شهدته البلاد، يجب أن ينطلق من روح الإصلاح ذاتها، بتوسيع الممارسة الديمقراطية، ومعالجة مشاكل هذه الممارسة بالمزيد من الديمقراطية، وهذا ما يجب أن يترسخ في وعي المسؤولين والمواطنين.
 
صحيفة الايام
19 ديسمبر 2009

اقرأ المزيد

هكــــذا كانــــت مريـــم

كانت عاشقة للوطن والشمس والزهور الحمراء وطيور النورس .. كانت ابتسامتها الدافئة لم تفارق وجهها.. وعلى فراش المرض كانت تخشى ان يتوقف قلبها بشكل فجائي ولكنه توقف .. نعم توقف وهي في رحلتها العلاجية بعيدة عن الوطن في حين كانت احلامها الوردية مزروعة في اعماق تربته الخصبة وفي جذور نخيله وفي بحاره العميقة التي كلما تشمها تشعر بالالفة، نعم هكذا كانت مريم اسماعيل المفعمة بالحيوية والتفاؤل والطموح وحب الحياة. مريم المسكونة بقصائد الوطن واشعار المرأة، كم كانت فرحة عندما انفتحت ابواب الوطن نحو آفاق اصلاحية جديدة، وكم كانت احلامها المولعة بالوجوه المتعبة والمطر تكبر يومًا بعد يوم .. مريم التي رقصت لانصاف المرأة حتى تباشير الصباح لم تتردد يومًا في الدفاع عن قضايا المرأة البحرينية ونساء كل العالم، بالفعل كان قلب مريم الواسع سعة بحار الوطن مشدودة أوتاره نحو حقوق المرأة ولماذا لا تكن مشدودة وفؤوس وانصال ووصايا العصور الحجرية تهدد وتطارد المرأة والحياة المدنية وربما طاف ببعض الاذهان السؤال : من هي مريم؟ هي الانسانة الطيبة الخلوقة المحلقة كالفراشات الملونة على وجوه الاطفال الصادقة الناكرة لذاتها عندما كانت منخرطة في صفوف الحركة الوطنية .. هي المحبة لكل شيء جميل في هذا الوطن والاوطان الاخرى والمعجبة شديد الاعجاب بشخوص مكسيم جوركي وبغايرييل غارسيا ماركيز واشعار محمود درويش وواسيني الاعرج الذي قال في رواية “مصرع احلام مريم الوديعة” في خلوة الخوف، وداخل ظلام الحفر السوداء كنت ابحث عن شيء جميل وغامض كالدهشة بين ركامات الابجدية لتحويله الى انشودة ممطرة في هدوء عينيك يا مريم الوديعة.. هي التي نسجت خيوط الامل حينما تقاطعت حياتها عندما كانت على مقاعد الدراسة في جامعة دمشق في مطلع سبعينيات القرن الماضي بهموم الناس وكل الكادحين .. هي التي حلقت في الفضاءات البعيدة لتعانق الشموس في نشوة لا توصف، هي التي شعرت بدفء رفاق ورفيقات دربها وحنان احمد الذي هو الآخر احترق من أجل الآخرين .. هي التي سبحت مسافات طويلة لتنظم لكل الذين تركوا بصماتهم على جدران الحرية .. هي التي ما ان ولت سنوات الجمر حتى وجدت نفسها تطفو الى سطح آخر، وكم كانت امنياتها ان تتسع حقوق المرأة وان تكف جماعات التشدد الديني ومحاكم التفتيش عن غرس انصالها في جسد المرأة .. هي التي قاومت هذه الانصال والمحاكم كغيرها من نساء ورجال هذه الارض كي تنتصر المرأة وينتصر المجتمع في باحة العقل لا في استباحة النصوص الجامدة .. قطارك يا مريم مضى الى محطته الاخيرة باقصى سرعته ولكن قطار الحياة ما زال يمضي دون توقف حتى لو اراد له اهل الكهوف والازمنة الغابرة ذلك. احبتك يا مريم واصدقاؤك في اتون فجيعتهم وحسرتهم ولكنهم قطفوا لك الزهور من الحدائق التي لا تنجب إلا الورود لانك لم ترحلي بل باقية في القلوب وفي الذاكرة.
 
صحيفة الايام
19 ديسمبر 2009

اقرأ المزيد

بطتنه .. ببطتكـم!!

تحكى حكاية على شكل طرفة يتبادلها الناس عبر «الإيميل» أو «مسجات» بالهاتف الخلوي هذه الأيام، تتحدث عن أنه: كان صبي يسكب القهوة لبدوي، وكان هذا الصبي يمسك «الدّلة» بيده اليمنى، و«الفناجين» باليسرى، فقال البدوي لهذا الصبي: أصول تقديم القهوة العربية للضيوف يا ولد «يسارك بيمينك، ويمينك بيسارك»، رد الفتى: «حلوة!!».. تعرف «بطتنه ببطتكم؟».
قال البدوي: هات ماعندك.. فقال له الصبي، حكاية «بطتنه ببطتكم» تبدأ هكذا: «بطتكم بطّت بطن بطتنه، مثل ما بطتنه بطت بطن بطتكم، تقدر بطتكم تبط بطن بطتنه، مثل ما بطتنه بطت بطن بطتكم؟!!».
هل فهمتون شيئاً؟…. ولا أنا.
قديماً قالوا: «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان»، وقائل هذه المقولة لا بد أن يكون تنويريا، لم يقل كلمته ويمشي، بل اختزل مسافات لأزمة غابرة في مقولة فلسفية قصيرة تعبر عما كان، وكيف كان وما يجب أن يكون لتسير الأمور بشكل طبيعي، سلس ومفهوم.. قائلها لم يهذِ مثل العرب بالكلمات السريعة المتلاطمة على طريقة: «الحجي كركشنكي ذبح كبش وعمل من كرش الكبش كشك، يا محلى كشك، كرش، الحجي كركشنكي!!»، أو القائلين في مباريات الكلام: «فسنستكت بكت كفت كموها، وإن كنتم رجالا ففهموها!!».
مناسبة هذا الكلام، ليس اضحاككم، بل ما عانيناه من اضحاك العالم علينا؛ فحين سألوا مسؤولا عربيا عن تأخير خدمة الهواتف الخلوية والانترنت في بلده رد على الفور: «حتى لا يتخابر شعبنا مع العدو الصهيوني!!».. ألم تكن هذه مصيبة، خاصة وأن هذا البلد به جوع وضرب اجموع؟!».
وعندما يستغرب العالم من تأخر الديمقراطية في الوطن العربي وممارستها في حياتنا اليومية يرد جلنا بـ«خشمٍ» مرفوع علوه بعلوي السماء، وبعبارات مصنوعة في قوالب جاهزة: أن تقاليدنا وأعرافنا وشريعتنا الإسلامية السمحة، هي أرقى أنواع الديمقراطية، ولسنا بحاجة أن نستورد «انحلال الغرب» إلى بيوتنا ونغسل دماغنا بمفاهيم: «الحرية والديمقراطية، ومبادئ حقوق الإنسان!!»، بينما أنظمتنا تستورد كل شيء من الغرب، من الأبرة وأزرة الملابس، إلى الصواريخ والطائرات المدنية والمقاتلة، والدبابات ومدافع الهاون، حتى علب السردين المعلبة والأجبان، والعطور، وأدوات تعليب وحفظ «حليب الناقة»، ونشتري من عندهم «فلو وفلوة» لحصان عربي أصيل وسلالاته العريقة بملايين الدولارات.. هل تريدون المزيد؟.. في جعبتنا الكثير، وما بعد الفاصل نواصل، كما يقول أحد مذيعي المحطات الفضائية العربية.
الاثنين والثلثاء الماضيين (14 و15 ديسمبر) عقدت واختتمت قمة دول مجلس التعاون الخليجي «الثلاثين»، التي انتهت وكالعادة، ببيان ختامي تعرض لملفات سياسية واقتصادية خطيرة، بعضها طارئ مستجد، وآخر مزمن، لكن المفردات ذاتها تكررت منذ ثلاثين عاماً من عمر المجلس، الذي ولد في حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، وعاش بعدها بحرب الخليج الثانية (الغزو العراقي لدولة الكويت) تلتها حروب وحروب وتوترات، إضافة إلى أزمات اقتصادية، وتبخرت ترليونات من الدولارات على التسليح ومكافحة الأزمات، وطبعاً قليل من الدولارات صرفت على التنمية البشرية المستدامة والبنى التحتية. وبعد 30 عاماً من هذا العمر المديد قطفنا ثمرة «الربط الكهربائي» بين الدول الأعضاء، والشروع في بناء السكك الحديدية، ونتعسر بكلام غير مفهوم عن العملة الخليجية الموحدة، غير أنه لم يأتِ ذكر لوضع الأساسات لبناء الديمقراطية، والحكم الصالح، وإشاعة الحريات العامة ورفع سقفها في دولنا، وكأنها شيء ثانوي لا يساهم في حماية المنطقة من التحديات التي يتحدثون عنها.
ألم نقل أعلاه: «بطتنه ببطتكم، وإن كنتم رجالاً ففهموها».

****
قال المسيح: «أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم».
 
صحيفة الوقت
18 ديسمبر 2009

اقرأ المزيد

المؤرخ

لم يكن هناك بوسع عالم الفيزياء أو الكيمياء أن يجري الاختبارات العديدة، المتكررة، في المختبر للتحقق من النتائج العلمية التي بلغها، فلا تعدو «حقيقة» متداولة إلا بعد فحصٍ متأنٍ، فيما الباحث في العلوم الاجتماعية يشتغل في فضاءات اجتماعية ومعرفية معقدة تجعله عرضة للخطأ أكثر من عالم الطبيعة، لأنه لا سبيل سريعاً لاختبار خلاصاته أو التحقق من مدة صحتها. الاختبار والتجربة أمران غير ممكنين في الدراسة التاريخية، فكل واقعة من وقائع التاريخ المسلم بها قائمة بذاتها، وليس في الإمكان تصور ظروف يتكرر فيها وقوعها حتى يمكن الجزم بصحة ما قيل من استنتاج حولها، لذا يبدو طبيعياً ألا يتفق المؤرخون على ما هو مهم وما هو ليس كذلك. ويبدو أن الحاجة الدائمة التي لا تنتهي لإعادة التأويل، حيث لا منجز نهائياً في هذا المجال، حين تصبح جميع الأحكام خاضعة لإعادة الفحص والتدقيق هي ما يفسر ما ذهب إليه ابن خلدون في «المقدمة» من «إن التاريخ في ظاهره لا يزيد على أخبار سياسية عن الدول والسوابق من القرون الأُول، تنمو في الأقوال وتضرب فيها الأمثال، إلا أنه في باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، فهو لذلك أصيل، في الحكمة عريق، وجديد بأن يُعد في علومها وخليق». لذا يظل التاريخ بحاجة دائمة لإعادة قراءة، وبالتالي لإعادة كتابة، وفي عبارة أخرى لإعادة تأويل. ربما لا يدور الخلاف حول أن هذه الواقعة التاريخية تمت أو لم تتم، وإنما يدور في درجة أساسية حول الملابسات التي أحاطت بهذه الواقعة، يذكرنا ذلك بالفارق الجوهري بين العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية، ومن ضمن هذه الأخيرة التاريخ. كثيراً ما تردد المقولة التي لا أعرف لمن تنتسب من «أن التاريخ لم يقع، والمؤرخ لم يكن هناك». لكن أياً كان الأمر فإن التاريخ قد وقع، لكن المؤرخ فعلاً لم يكن هناك، لم يكن موجوداً وقت الحادثة، إنه أشبه برجل المرور الذي أتى متأخراً للتحقيق في حادثة مرورية بعد أن تم كل شيء، وأعد روايته لما حدث نقلاً عن الشهود، والشهود ليسوا مجردين من الأهواء، ثم إن محضر التحقيق تضمن في خلاصته ما ظنه المحقق صحيحاً، أي ما اقتنع به هو من شهادة هذا الشاهد، لا ذاك، وليس بوسع أحد أن يجزم، في صورة مطلقة إن هذه الشهادة بالذات هي الحقيقة الناجزة. وهو أمر يدفعنا للاستنتاج بأن التاريخ العام هو مجموعة تواريخ، ليس منفصلة عن سياقٍ عام يجمعها، ولكنها تنطوي على مقدارٍ كبير من الاستقلالية، وأدى إهمال هذه الاستقلالية إلى النظر بدونية إلى التواريخ الخاصة أو المستقلة، من ذلك مثلاً التاريخ الثقافي أو تاريخ النساء أو تاريخ الفئات المهمشة وغيرها الكثير. ما أولى عناية كبرى عند كتابة التاريخ كانت الأحداث الفاصلة كالحروب والغزوات، وأغفلت العناصر الأخرى التي توارت خلف هذه الأحداث، ليس فقط بوصفها عناصر تراكمت حتى أدت إلى هذه الأحداث، وإنما أيضاً بصفتها سياقاً مستقلاً له سيرورته الخاصة به التي ظلت مستمرة على هامش التطورات الحاسمة.
 
صحيفة الايام
17 ديسمبر 2009

اقرأ المزيد

حال المثقفين الفرنسيين وحالنا

في شبابنا الباكر ونحن لم نزل على مقاعد مدرجات جامعة القاهرة أتذكر كم كنا نولي اهتماما فائقا وحماسة منقطعة النظير بالبحوث العلمية السياسية التي نكلف بها من قبل أساتذتنا في المواد السياسية والاقتصادية المقررة كجزء من متطلبات انجاز المناهج والمقررات الدراسية، ولشدة اعتنائنا واعتزازنا بتلك البحوث المنجزة لطالما تقنا الى استعادتها من الدكاترة خاصة انه في ذلك الوقت لم تظهر آلة الحاسوب الطابعة والحافظة للمادة المطبوعة، كما لم تظهر بعد الآلة الناسخة.
لكن ثمة عرف عرفناه فيما بعد بأن البحوث والدراسات التي تسلم إلى الاساتذة الجامعيين لا تعاد إلى الطلبة ولا تسترد لأسباب مجهولة، وإن كان الشائع بين زملائنا الطلبة المصريين ان الكثير من هذه الابحاث يستفيد منها الدكاترة أنفسهم في مجال دراساتهم وبحوثهم الخاصة.
ومازلت شخصيا، وعلى الرغم من طراوة تجربتي البحثية والكتابية وأنا في تلك السن الغضة أتوق بشدة إلى استرداد بحوثي ودراساتي المقدمة الى أساتذتي الجامعيين بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، فعلى الرغم من حداثة التجربة البحثية وعدم اكتمال نضجها فإن أبحاث ودراسات تلك المرحلة العمرية يبقى لها مدلولها ورمزيتها الجديرة باعتزاز صاحبها والاحتفاظ بها ضمن أوراق ذكرياته الحميمة.
لا أعرف كيف تذكرت هذا الهاجس من هواجس تجربتي الكتابية والبحثية وانا أقرأ تقريرا صحفيا مفصلا حول أوضاع المثقفين والباحثين الفرنسيين الذين ما فتئت تعصف بهم طاحونة الفقر والعوز بفعل البطالة وتدني الاجور في بلد يعد من أعرق بلدان العالم، إن لم يكن اعرقها، في الثقافة والفكر والبحث العلمي. إذ يشير التقرير إلى ان 70% من الدراسات المنشورة في كبريات المجلات العلمية هي من انجازات طلبة يعملون في المختبرات في اطار التحضير لشهادات عليا، ولكن وعلى الرغم من نبوغهم العلمي وتفوقهم فإنهم ينتظرون ما لا يقل عن خمس سنوات لعلهم يجدون وظيفة، ويتم خلال هذه السنوات الاتجار مجانيا باستغلال مهاراتهم العلمية في مختبرات ومهن مختلفة قبل تقلد الوظيفة التي احرقهم جمر انتظارها طويلا.
ان 50% من الاشخاص العاطلين عن العمل في فرنسا هم من ذوي الشهادات العلمية والفنية ومعظمهم من المهرة في استخدام أجهزة الحاسوب والالمام بأحدث البرامج المعلوماتية والدائبين على حضور المنتديات الثقافية والعلمية في الوقت الذي يعجزون عن دفع ايجار منازلهم وملء ثلاجاتهم وبعضهم محروم من التأمين ضد التعطل ومن التأمين الصحي.
ومثلما يحدث في سوق العمل العربية حيث فئة الخريجين من الاطباء والمهندسين وخبراء الكمبيوتر وموظفي البنوك وذوي المهن التقنية هي اقل الفئات معاناة من البطالة كذلك الحال في فرنسا في حين ان الباحثين والمدرسين والفنانين التشكيليين والناشرين والصحفيين والروائيين وكتاب السيناريوهات وسائر خريجي الفروع الادبية الاخرى والانسانيات، كالتاريخ والفلسفة، وعلم الاجتماع تظل تلاحقهم لعنة البطالة وتمتهن كرامتهم وتسحقها سحقا كأن الحضارة البشرية ونهضة الدول تقومان من دون الحاجة الى مثل هذه التخصصات التي ينظر اليها كتخصصات ترفية عبثية لا لزوم لها.
ان الجامعات الفرنسية تؤهل وتخرج سنويا عشرة آلاف باحث لا يجد وظيفة منهم سوى .2500 ومهنة الصحافة التي لطالما راودت وداعبت احلام الشباب المغرمين بها فإن ما لا يقل عن 20% من اصحاب هذه المهنة يعيشون بأقل من 700 يورو شهريا مما يضطر بعضهم إلى اللجوء الى مهن اخرى كالتصحيح اللغوي او تقنيات التحرير او الترجمة او حتى الدروس الخصوصية او يطلبون منح البطالة لتغطية النزر اليسير من مصاريفهم المعيشية، كما يلجأ بعضهم الى الكتابة في اكثر من صحيفة، وهو لربما يعد محسودا من قبل الكتاب والصحفيين العرب الذين يتعرض العديد منهم لأبشع انواع الاحتكار والاستغلال في الصحافة العربية فلا هي تقدر مواهبهم وعطاءاتهم حق قدرها، ولا هي تسمح لهم بايجاد مصادر دخل كتابية اخرى.
ويعبر عن هذه الحقيقة المرة عالم الاجتماع الفرنسي ألان اكاردو قائلا: “عامة الناس لا ترى من الصحافة سوى وجهها البراق، لكنهم يجهلون اساطين ورؤساء تحرير وملاك الصحف الذين يستغلون عمل الشباب ابشع استغلال بإقحامهم في تغطيات صحفية تافهة فارغة تزوق بعناوين جذابة مثيرة ترضي نزوات شخصيات سياسية في حب الاضواء والبروز الاعلامي”.
فإذا كان هذا هو حال جيل الشباب من الصحفيين في فرنسا على نحو ما بينه اكاردو فماذا يقول لو عاين الواقع المأساوي الكارثي الذي يرزح في ظله آلاف الصحفيين في الدول العربية منذ عشرات السنين وحيث ينكب بهذا الوضع الاستغلالي ليس جيل الشباب فقط بل حتى جيل الكهول وممن لا يشفع لهم حتى من بلغوا من العمر عتيا؟
والأسوأ من ذلك فإنه إذا كان يحق للصحفي ان يدافع عن حقوق ومظلوميات كل فئات المجتمع وان يعري الفساد في أي مكان، هذا ان تمكن في عالمنا العربي من ذلك غمزا أو لمزا، فإنه محروم ومحظور عليه ان يتظلم من واقعه المهني المرير او يومئ مجرد ايماء الى الفساد والتمييز اللذين ينخران مؤسسته الصحفية ويطاولانه.
وإذ يشير معد التقرير عن حق الى أن شريحة المثقفين لا تكاد تختلف عن حال شرائح العمال والطبقات الفقيرة من حيث تعرضها للاستغلال سوى ان هذه بعملها البدني وتلك بعملها الذهني “النظيف”، ان في الاجور المتدنية وان في ساعات العمل الطويلة أو الاضافية غير المدفوعة، فانه يصيب كبد الحقيقة بارجاع تفسير منطق هذه الظاهرة الى طبيعة قانون اقتصاد السوق الرأسمالي الذي جعل العمل الثقافي سلعة كالعمل البدني المأجور والذي لا يتوانى رب العمل الثقافي والاعلامي عن تسريح وقذف آلاف الكتاب والمثقفين الى الشارع مثلهم مثل سائر العمال إذا ما استدعت مصالحه ذلك.

صحيفة اخبار الخليج
16 ديسمبر 2009

اقرأ المزيد

الخطيئة والخطايا

يقال إن امرأتين أتيتا إلى رجل حكيم، قالت الأولى له: “يا مولاي، لقد اقترفت في حياتي خطيئة، أرجون أن تساعدني فترشدني إلى طريقة للتكفير عنها”. ثم سأل الحكيم المرأة الأخرى: “وأنت ما خطبكِ؟” فردت: “أنا لم أقترف أية خطيئة”. جال الحكيم بنظره بين المرأتين، ثم قال للأولى: اذهبي فاحضري إليّ بأثقل حجرة يمكنك حملها، وقال للثانية: أما أنتِ فاجمعي ما تستطيعين من صغار الحصى ولتأتي كل منكما إليّ بما طلبتُ . ذهبت المرأتان ثم عادتا للحكيم، الأولى محملة بأكبر حجر أمكنها حمله، والثاني بكيس ٍ مليء بأحجار صغيرة، قال الحكيم: حسناً، والآن لتذهب كل منكما فتعيد الحجارة إلى المكان الذي أخذتها منه أول مرة، وعودا إليّ مرة أخرى. المرأة الأولى توجهت مسرعة إلى المكان الذي أخذت منه الحجرة الثقيلة، أما الثانية فقد احتارت كيف تحدد مكان كل حصى جمعتها، وعادت إلى الحكيم محملة بذات الكيس، قائلة إنها لا تستطيع معرفة مكان كل حجر. قال الحكيم مخاطباً المرأتين: إن الفرق بين أفعالكما يشبه الفرق بين الصخرة الكبيرة التي حملتها أُولاكما، وبين صغار الحجر الذي جمعته الثانية. فخطيئة الأولى واضحة ومرئية وسهلة التحديد. أما “خطايا” الثانية فهي كثيرة ومبعثرة ومن الصعب تذكرها كلها أو تحديدها. كان السيد المسيح يقول: من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر، والعلاقة وثيقة بين قول المسيح وبين حكمة الحكيم الذي أراد شرح فكرته عن الخطيئة والخطايا بالطريقة التي أتينا على ذكرها، وهي تصلح قاعدة للحكم على سلوك كثير من البشر في هذه الدنيا الذين ينسون في غمرة دعوتهم لمكارم الأخلاق أن سلوكهم لا يستقيم دائماً مع دعواتهم، وأنهم محملين بأوزار من الخطايا بعدد حبات الحصا في كيس المرأة التي زعمت أنها منزهة عن الخطأ، ولكنها خطايا “مستورة” لا تُرى بالعين المجردة، خطايا من النوع المموه الذي لا يترك أثراً يمكن اقتفاؤه لمن يريد الاقتفاء. وهذا النوع من الخطايا هو الأخطر والأسوأ وقعاً على المجتمع إذا ما قيس بالخطيئة الواضحة التي قد لا يتردد صاحبها نفسه عن الاعتراف بأنه اقترفها في لحظة من لحظات ضعفه أو تهوره أو نزوته، تماماً كما فعلت المرأة الأولى. صاحب الخطيئة اليتيمة البسيطة، البريئة، إن جاز القول يتملكه العذاب وتأنيب الضمير لأنه لا يستطيع إخفاء أو تجاهل أنه أتى فعلاً غير صائب، أما صاحب الخطايا التي لا تترك أثراً فإنه يكابر ويقسم بأغلظ الإيمان أنه والنقاء والطهارة سواء. وهذا النمط الأخير من الناس هم من الكثرة بحيث تصادفهم هنا وهناك، في مختلف الزوايا، قابعين أمامك وخلفك وحولك، والأدهى أنهم في موقع التأثير بالقول وبالفعل في الجمهرة الواسعة من الناس الذين لا يملكون دائماً أدوات الفهم اللازمة بسلوك ودواخل هذا النمط من البشر.
 
صحيفة الايام
16 ديسمبر 2009

اقرأ المزيد