­

المنشور

روسيا والحرب العالمية الثانية (3-3)

* بين النازية والستالينية
مما يلفت الانتباه ولا يخلو من مغزى في المعركة الاعلامية والسياسية التي تخوضها روسيا حاليا دفاعا عن موقفها خلال الحرب العالمية الثانية ابان النظام السوفييتي السابق ودفاعا عن تاريخها وهويتها وشرفها وكرامتها الوطنية، انها، المعركة، لا تقتصر على الحكومة او الاعلام الرسمي، بل يشارك فيها لفيف كبير من الرموز والقوى السياسية في المعارضة، كما يخوض مؤرخون مستقلون كبار ويتصدون بأدواتهم المنهجية التاريخية العلمية الموضوعية لتفنيد الحملة السياسية والايديولوجية الاوروبية المغرضة لادانة ليس كل المواقف والسياسات السوفييتية خلال الحرب جملة وتفصيلا فحسب، بل عدم التورع عن مساواة الستالينية بالنازية.
ولئن كنا قد أشرنا يوم أمس إلى المرافعة التاريخية المتميزة التي ادلى بها المؤرخ الروسي الكبير الكسي بودبير يوزكين في الحوار الذي اجرته معه صحفية “ارغومنتي نيديلي” الروسية والتي فند فيها اتهام بلاده بمسؤوليتها عن الحرب ودحض مساواة الستالينية بالهتلرية فثمة ساسة ومؤرخون روس آخرون اخذوا على عاتقهم التصدي للحملة الاوروبية المسعورة على بلادهم ونزع الغطاء عن أي مشروعية او مصداقية يتمتع بها القرار الذي اتخذته الجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون الاوروبي عشية الذكرى الـ70 لاندلاع الحرب، ومن هؤلاء المؤرخين الدكتور ديمتري يرمولاييف، استاذ التاريخ بجامعة الصداقة بين الشعوب بموسكو الذي وصف القرار بأنه ليس له أي أهمية قانونية على الأرض ولن تترتب عليه مسؤوليات ازاء روسيا، لكن اثره في التشويش الاعلامي والايديولوجي الذي يراد منه تشويه موقف روسيا امام الرأي العام الاوروبي والعالمي وزعزعة ايمان شعبها بماضيه الوطني.
وعلى الرغم مما يبدو من القرار كأنه مجرد إدانة تاريخية لستالين فإنه ينطوي على غمز غير خاف عن العين لإدانة روسيا الحالية، حسب ديمتري يرمولاييف، باسم ادانة الشمولية والاستبداد واعتبار ما يجري في روسيا اليوم انما هو امتداد للحقبة السوفييتية، وبموجب هذا القرار وغيره من المواقف فان الاوروبيين ينصبون أنفسهم أوصياء واساتذة على الروس ليحددوا لهم كيف يعيشون وكيف يفكرون. وبهذا المنطق فانهم إذا ما طلبوا إلى شعبنا التنكر لكل تاريخه وماضيه الوطنيين المجيدين باسم ادانة الشمولية الستالينية فان هذا يعني أيضا ادانة أي احتفال شعبي لتكريم او تخليد رائد الفضاء الروسي العالمي يوري جاجارين او تخصيص يوم للاحتفال بعيد الفضاء الروسي باعتبارها – كما ذكر القرار – من مظاهر الاحتفال والتمجيد بالشمولية الستالينية او الارث الستاليني. صحيح نحن ندين الانتهاكات والجرائم التي وقعت في العهد الستاليني لكن الستالينية لم تكن تعني لشعبنا الشمولية والاستبداد فقط، بل تعني أيضا، ضمن ما تعني، المحطات الكهرومائية والتحولات الصناعية الكبرى وما تم احرازه من منجزات علمية، ثم ماذا عن المظاهرات التي مجدت النازية في دول البلطيق؟ لماذا تغافل عنها القرار الاوروبي؟ كما ان محاكمات نورمبيرغ ادانت مجرمي الحرب النازيين لا المقاتلين السوفييت الذين ضحوا بأرواحهم لتحرير 12 بلدا من دنس الاحتلال النازي.
وعلى الصعيد الرسمي وفي سياق خوض معركة الدفاع عن تاريخ روسيا الحديث وعن موقفها خلال الحرب العالمية الثانية فقد دعا الرئيس بوتين الدول الاخرى الى ضرورة الاعتراف بأخطاء الماضي موضحا ان بلاده أقدمت على ذلك بشجاعة، وأضاف في مراسم احياء الذكرى الـ 70 لاندلاع الحرب العالمية الثانية في بولندا “ان البرلمان الروسي أدان معاهدة مولوتوف – رينتروب بين الاتحاد السوفييتي والمانيا النازية، ويحق لنا ان نتوقع القيام بمثل هذه الخطوات من قبل الدول التي ذهبت لعقد الصفقات مع النازيين”.
أما الرئيس البولندي ليخ كاتشينسكي فقد اعترف علنيا في الاحتفال المذكور بخطأ مشاركة بلاده مع ألمانيا في اقتسام احتلال تشيكوسلوفاكيا عام 1938 وبمسؤولية بلاده أيضا عن تشجيع ألمانيا النازية على اشعال الحرب.
ولم تقتصر مرافعات وردود روسيا في دفاعها عن موقفها من الحرب العالمية الثانية ضد قرار البرلمان الاوروبي على ذلك بل ذكّرت موسكو بما قاله حلفاء ستالين فيه وفي حكومته خلال الحرب من ايجابيات، ومن ذلك ما قاله حرفيا رئيس الوزراء البريطاني تشرشل “لا أعرف حكومة نفذت التزاماتها خلال الحرب بدقة اكثر من الحكومة السوفييتية”. كما أعادت موسكو أيضا إلى الأذهان ما قاله روزفلت لستالين مرحبا به في مؤتمر طهران: “نرحب بالعضو الجديد في اسرتنا الديمقراطية”.
واخيرا فثمة دروس وعبر سياسية وتاريخية مهمة ينبغي استخلاصها من المعركة التي تخوضها روسيا اعلاميا على مختلف الاصعدة الرسمية والنخبوية والتاريخية الاكاديمية دفاعا عن تاريخها الوطني الحديث، وعن ثوابت هويتها الوطنية، وعن ارثها الحضاري ضد محاولات تشويه ومسخ كل هذين التاريخ والارث بغرض تقزيمها ومنع استعادة هيبتها الدولية ونهوضها من جديد، فعلى صعيدنا العربي مازلنا نواجه منذ افول المشروع القومي بعد هزيمة 67 المحاولات نفسها التي ما انفكت تتصاعد للتشكيك والطعن في كل تاريخ وارث المنجزات الوطنية المتحققة في عصر المد العربي القومي، على نحو ما جرى ويجري في مصر من محاولات مسمومة لزعزعة ثقة الاجيال الشابة المتعاقبة بمنجزات الحقبة الناصرية مستغلة في ذلك باسم نقد الشمولية ما وقعت فيه من اخطاء، كأن التجربة لم تعرف سوى السلبيات والاخطاء، وعلى نحو ما جرى ويجري في بلدان عربية عديدة من محاولات مغرضة تقوم بها أنظمة وقوى صاعدة من الاسلام السياسي لطمس أو تشويه تاريخ ومنجزات الحركات الوطنية وتضحياتها الهائلة في تلك البلدان قبل استقلالها وبعده واعتبارها التاريخ المعاصر لم يبدأ إلا بها.

صحيفة اخبار الخليج
12 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

غياب صناعات المعلومات

تجثم البلاد في الصناعات القديمة وتطمح إلى صناعات جديدة غير ملوثة لا تحيلها إلى مساحة جغرافية ضيقة صغيرة خانقة، لكن الخطط غير واضحة، والتلقائية سائدة.
“قامت مملكة البحرين بتأسيس مجلس التنمية الاقتصادية عام 2000 بمرسوم أميري صدر في ابريل عام 2000، ويهدف المجلس إلى ضمان المشاركة الفعالة للقطاع الخاص في التنمية الاقتصادية عن طريق تشجيع الاستثمار في المجالات الاقتصادية الرئيسية من خلال توفير المعلومات للمستثمرين حول مختلف أوجه العمليات الاستثمارية وتسهيل إجراءات التسجيل ومساعدة المستثمرين والشركات على إنجاز إجراءات تأسيس المشروعات. ويتولى مسئولية الإشراف على استراتيجية التنمية الاقتصادية وخلق المناخ الملائم لاجتذاب الاستثمارات، وقد حقق المجلس انجازات مهمة، منها تحرير قطاع الاتصالات بالكامل، وإصدار قانون الخصخصة، وإبرام اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة التي تتيح للصادرات البحرينية النفاذ للسوق الأمريكية من دون أي عوائق” (الخليج والاندماج في الاقتصاد العالمي).
إن الفقرة تحوي مجموعة من التناقضات، فالكلام عن الاشراف على الاستراتيجية الاقتصادية يعني أن كل خيوط الاقتصاد بين يدي مجلس التنمية، ومع ذلك فمهمته إشرافية، ولديه أموال ويساعد بها القطاع الخاص؟ “هل هي مساعدات للقطط السمان؟ فأي خطة هنا؟ ولماذا لا يساعد الصناع الصغار بدلاً من أصحاب الأموال الكبار الذين لا يحتاجون إلى ذلك وإذا خسروا فليتحملوا خسائرهم وتلاعبهم؟”.
هذا يجري بخلاف خطة الصين الشعبية بتنمية العائلات والجماعات الحرفية والصناعية الصغيرة وهو المفترض وهو الذي ينجز.
وتشير الفقرة السابقة كذلك إلى وجود التخطيط ولكن التخطيط غائب مع عدم وجود وزارة للتخطيط أو بروز جسم إداري مؤثر للتخطيط، ولو كان لدينا جهاز تخطيط ما كان يحدث يحدث الآن.
ولا يخفي المجلسُ طابع المنفعة للعلاقة مع الولايات المتحدة. وهذا جزء من سيطرة أسواق الولايات المتحدة على الأموال الخليجية ومنها الأموال البحرينية وكذلك لا يخفى الارتباط بالدولار، وهو ارتباط آلي، تغيب عنه المرونة، مما يجعل الحديث عن التخطيط والنظرة البعيدة المدى غير دقيق، فعالم اقتصاد الولايات المتحدة مضطرب وخاصة عملته. فنكون مرتبطين بسوق غير مخططة محليا وسوق تائهة دوليا.
وبهذا فان مجلس التنمية دوره حفزي للاقتصاد الخاص واجتناب العثرات فيه، لكنه لا يصل إلى مستوى خلق الاستراتيجية، وقد يفقد هذه الأهداف حين يضع أموالَ الدولة في أيدٍ ليست خبيرة.
وسنجد هذا التناقضَ يتسع في الحديث عن الاستراتيجية ومحدودية الخطوات على الأرض وتضاداتها المختلفة. نواصل الاقتطافَ من الموضوع المدحي السابق للمجلس:
“وفي مجال جذب الاستثمارات إلى البحرين، تم التركيز في ستة قطاعات مستهدفة تتيح فرصاً لنمو اقتصادي طويل الأمد في الناتج المحلي الإجمالي، وخلق المزيد من فرص العمل، وهذه القطاعات هي الخدمات المالية، الصناعات التحويلية، السياحة، الخدمات التجارية، المساندة اللوجيستية، الصحة، التعليم والتدريب. وتستفيد هذه القطاعات من المزايا التنافسية في الاقتصاد البحريني، وتوفر فرصاً استثمارية كبيرة. وواضح أن الاتجاه العام لهذه السياسة يقوم على تنويع الاقتصاد البحريني، من خلال تشجيع الأنشطة الاقتصادية غير المرتبطة بالنفط”.
إن تنويع الاقتصاد هو مهم، ولكن من دون تخطيط ودراسة لا ينفع ذلك في شيء. فماذا تفيدنا كثرة المؤسسات المالية إذا لم تلعب مواردها دوراً في الاقتصاد المحلي وتوسيع أعداد الموظفين البحرينيين؟
وماذا تفيدنا السياحة وهي أشبه بعلب أجنبية مستوردة كليا من الخارج؟
وتزداد من جهة أخرى التدخلات في خدماتها، بدلاً من ايجاد تطور ودراسة لتجذرها بشكل اجتماعي سليم.
ونجد أن استمرار عصب الاقتصاد في الصناعات التحويلية خلال العقود السابقة كلها يثبت بطء التحول وعدم القدرة على إيجاد الإيقاعات الوطنية الاقتصادية المتناسقة للتنوع الذي لم يجئ.
لكنه قد يجيء من خلال الحلم أو الخيال:
“فيجرى تنويع الاقتصاد البحريني بعيداً عن الاعتماد على قطاع الصناعات الأولية التي تقوم على استهلاك الطاقة، علما بمحدودية مصادر الطاقة التي تحظى بها البحرين، كما أن الهدف هو تحقيق الصناعات التي أساسها المعرفة وتكنولوجيا المعلومات بدلاً من الصناعات المعتمدة على الطاقة”، السابق.
وبطبيعة الحال فإن كلمات مثل “تشجيع” لا علاقة لها بالوضع القائم، ولها علاقة بالأحلام والطموحات، ولاتزال القدرات العقلية والتعليمية وارتباط التعليم بالسوق وبالثورة التقنية هو في أدنى صلة، وتهيمن السوق الربحية المباشرة وسيطرة المؤسسات العامة والخاصة وما هو مباشر وآني وتلقائي ومن دون تخطيط.
فمتى فعلاً تتشكل خطط لتفجير قوى الثورة العلمية والتقنية ويتم التركيز في القدرات العقلية ويخف الاهتمام بالعمل العضلي والبيروقراطي، وتصبح البحرين قاعدة الثورة المعلوماتية في المنطقة وكوادرها؟ نقول ذلك حتى لا تتحول البلاد الصغيرة إلى كراج هائل مليء بالدخان.

صحيفة اخبار الخليج
12 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

أُلوف الخيوط تشدنا

لا يتنبه الإنسان إلى قوة عاداته وسطوتها، إلا في اللحظة التي يختل فيها نظام هذه العادات. وهذه الأخيرة من الاتساع بحيث تشمل العادات اليومية المكررة، كالمواعيد الثابتة للأكل وللنوم وللاستيقاظ، وموعد شرب القهوة، مثلما تشمل ما هو أعمق من ذلك بكثير كأسلوب التفكير وطريقة التصرف إزاء الأمور. العادة، أو مألوف التصرف مريح أو غير متعب ولا يتطلب جهداً، لأنه يشبه إلى حد كبير الأداء الآلي. وكان الكاتب الايطالي ألبرتو مورافيا قد كتب في “الاحتقار”، إحدى رواياته المعروفة كلاماً مهماً عما دعاه الآلية التي تتيح لنا أن نعيش بلا تعب يتجاوز الحد، لأننا إذ نقوم بالأمور الاعتيادية وبصورة روتينية فإننا غالباً ما نفعل ذلك دون تفكير أو لا نكون واعين لما نفعل. “إن خطوة واحدة – يقول مورافيا – تتطلب تشغيل كمية من العضلات، ومع ذلك فنحن نقوم بها من غير أن نعي ذلك، بفضل الآلية”. والظاهر أن المرء لا يبدأ في حساب خطواته إلا في اللحظة التي يعي فيها هذه الخطوات، في اللحظة التي تكف فيها الآلية السابقة عن الدوران، فتجد أن الكثير من الأشياء التي كنت تقوم بها بطيب خاطر تستوقفك وتسترعي انتباهك وتثير في ذهنك الأسئلة عن مغزاها، وتمثل تفاصيلها أمام ناظريك فتستأثر بتفكيرك، وربما حملتك على التساؤل كيف كنت تفعل مع كل هذه الأشياء سابقاً دون أن يستوقفك السؤال أو لم تفكر مرة عن سر القدرة في قيامك بكل ذلك دون أن تشعر بأنك تبذل جهداً. في المعرفة يجري الحديث عن “قوة العادة” بوصفها كابحاً لتطور هذه المعرفة، لأن الانسياق وراء المسلمات والبديهيات وما استقر عليه المرء يجعل أداءه سهلاً ومريحاً وغير مكلف، لكن تجاوز المسلمات أو مناقشتها أو الشك بها هو الذي يسبب القلق وارتباك السلوك. وتدل التجربة أن مثل هذا التجاوز لقوة العادة غالباً ما يكون نظرياً، أو لنقل أنه محاولة للتجاوز وليس تجاوزاً فعلياً، فالمحاولة قابلة للتعثر ولا بد من تكرارها ليصار إلى إتيانها بالصورة الأمثل ولا نقول المثلى. وكثيراً ما نقرأ ونسمع ونشاهد مظاهر على ما أصبح يعرف بازدواجية المثقفين، الذين يبدون، حين يتعلق الأمر بالخطاب العلني، متجاوزين للعديد من الأطروحات والأفكار التي يعدونها بالية، ويبدون شديدي الحماس للآراء والأفكار الجديدة التي اكتسبوها من صلتهم الوثيقة بالفكر واستنشاقهم العميق لهواء العصر، ولكنهم، حين يتصل الأمر بالممارسة يبدون أبعد ما يكونون عن الأفكار التي يجهرون بها. ولهذا الأمر بالذات صلة بسطوة العادة السابقة، لأن هؤلاء الناس غير قادرين، حتى لو أرادوا، على الانسلاخ الفوري عن مؤثرات تكوينهم الأولي، وثمة ألوف من الخيوط المرئية وغير المرئية التي تشدهم إلى هذه المؤثرات وتحد من انطلاقهم الحر، الفعلي. كان أحد الفلاسفة يقول أن دلالة إتقان المرء لأي لغة أجنبية يتعلمها هو أن يفكر بهذه اللغة حين يتكلم بها لا بلغته الأم، وحال الانسان القادر على تخطي تجاوز مصادر ازدواجيته هو حال من أتقن لغة أجنبية فصار يفكر عبرها حين يتكلم بها، وهذا كما نعلم يتطلب مراناً وتدريباً طويل الأمد.
 
صحيفة الايام
12 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

لصوص بدرجة دكتوراه .. !

لا ينبغي أن تمر قضية الشهادات العلمية المزورة مرور الكرام .. سواء تلك التي صدرت عن جامعات خاصة محلية وخارجية عربية وأجنبية، بما فيها جامعات في الولايات المتحدة التي نشر أحد المواقع فيها مؤخراً قائمة بأسماء 10000 من الذين اشتروا شهادات مزورة ، ومن ضمنهم 180 خليجياً منهم 12 بحرينياً .. انفق الجميع في سبيلها ما مجموعـه 7 ملايين دولار للحصول على هذه الشهادات، اللافت أن كثيراً منها في مجالات حساسة وهامة تتعلق بصحة الفكر وصحة الجسد والاقتصاد والتنمية والمجتمع، وهي الفضيحة التي أثارت ضجة واسعة في الأوساط التعليمية الأمريكية، فيما لم تجد صدى يذكر في أوساطنا ..! تماماً كما هو الحال بالنسبة لفضيحة أخرى مشابهة في ألمانيا حينما كشف مكتب الإدعاء الألماني عن عمليات تزوير واسعة النطاق في شهادات الدكتوراه التي منحتها بعض الجامعات الألمانية باكتشاف وجود 100 بروفيسور مرموق يتقاضون الأموال مقابل منحهم شهادات الدكتوراه ( 30 ألف دولار مقابل الشهادة ) مما أدى الى تخريج مئات الطلاب غير المؤهلين ليصبحوا ” دكاتره ” في تخصصات مختلفة تغلغلوا في الكثير من مواقع العمل في ألمانيا وفي الاتحاد الأوربي . القضية تتطلب قدراً كبيراً من الوعي والجدية والمتابعة فهي تنبىء عن كارثة اجتماعية وعلمية وأخلاقية من العيار الثقيل تمس الحاضر والمستقبل ، واذا كان التركيز هذه الأيام على قضايا التعليم وسمعة النظام التعليمي وأزمة الجامعات الخاصة والتردي المحزن في أوضاعها وتفاقم مشاكلها المتراكمة منذ سنوات كثيرة والتي تحتاج الى حزم وحسم ، فإن ردود الفعل على الخطوات التصحيحية غير المسبوقة التي يقوم بها مجلس التعليم العالي مشكوراً لتعديل أوضاع الجامعات الخاصة، والدفع باتجاه الارتقاء بمخرجاتها يؤكد تعطش مجتمعنا الى وضع مجريات أمور هذه الجامعات في نصابها الصحيح بعد أن تحول الأمر بشهادة رئيس كلية البحرين الجامعية في لقاء صحفي موثق ومنشور بقوله ” أن ما يجري في بعض جامعاتنا الخاصة هو ضرب من النصب والاحتيال “، وهذا يذكرنا بما نشرته اليونسكو قبل المؤتمر الدولي لوزراء التعليم العالي في اليونسكو الذي عقد بباريس في يوليو الماضي ، فهذه الهيئة الدولية ذكرت بأن ” وجود كثير من المزودين بالتعليم العالي من المؤسسات الخاصة المتوخية للربح يثير كثيراً من القلق على كفاءة جودة التعليم ، والقلق من نشوء حوانيت احتيال لسك الشهادات ” ، ولعل هذا الكلام يختصر الواقع المأساوي لكثير من الجامعات الخاصة بكل أشكاله وتجلياته . نعلم جيداً بأن البحرين ليست وحدها التي تعاني من وباء بيع الشهادات العلمية أو تزويرها ، بل أنه في الكثير من الدول العربية تم رصد الآف الشهادات المزورة وتم اكتشاف مؤسسات كثيرة لبيع وتزوير الشهادات والأمثلة لا تنقصنا، ففي الأردن استطاعت هيئة مكافحة الفساد خلال الأسبوعين الماضيين من الكشف عن 7 أطباء يحملون شهادات مزورة بينهم 3 أطباء عينوا في وزارة الصحة ومارسوا الطب لفترة طويلة، مما يرفع مجموع الشهادات الطبية المزورة التي تم تحويل أصحابها إلى المدعي العام 11 طبيباً ، علاوة إلى مئات الشهادات الجامعية المزورة في مختلف التخصصات والدرجات العلمية التي كشفت عنها وزارة التعليم والبحث العلمي الأردنية ، أما في العراق فقد تم الكشف مؤخراً عن 3000 شهادة علمية مزورة في تخصصات مختلفة، وفي سوريا أعلن مؤخراً عن اكتشاف 150 شهادة جامعية مزورة من جامعات عربية وأجنبية منها جامعات خليجية بعد أن تقدم حاملوها لوزارة التعليم العالي من أجل معادلة شهاداتهم للتسجيل في الجامعات السورية ، ويقترن الذهول بالأسى حين نقرأ بأن المباحث الجنائية الكويتية وضعت يدها مؤخراً على أكثر من 180 شهادة علمية مزورة وجاهزة للبيع ، وتتواصل الدهشة عندما نقرأ تقريراً موثقاً ومنشوراً لفريق عمل اكاديمي كويتي زار الفلبين والهند وبعض دول شرق أوربا بأن هناك في تلك الدول ” دكاكين ” لبيع الشهادات التعليمية، وفيها أماكن غير مؤهلة لأي مستوى من التعليم، وأن هناك ممارسات بطرق ملتوية وذكية من جامعات همها خداع الناس لإيهامهم بأن شهاداتهم معترف بها، كما تبين أن هناك جامعات غابت فيها كل المعايير المهنية ، بل اكتشف بأن ثمة علاقة وشراكة تجارية بين متنفذين ومسؤولين مع عدد من الجامعات المشبوهة وهي دلالة لاشك أنها لا تخفى على ذوي الفطنة في شأن مجريات أمور بعض الجامعات الخاصة في البحرين نعلم جميعاً بأنه قيل الكثير، بعد أن تبين لنا أن هناك جامعات استمرأت الخطأ وأوغلت فيه كما رأينا ، جامعـات ” بزنس ” قائمة على الخليجيين لا تشكو فقط من ضعف مؤهلات أعضاء هيئة التدريس وتدني مستوى نظامها التعليمي وعدد الطلاب الذي يفوق الطاقة الاستيعابية ، بل وجدنا جامعات لم تكن بمنأى عن بيع شهادات لطلبة خليجيين كثر والمرء يفجع في التفاصيل ، وقد بلغ الأمر بإحدى هذه الجامعات الحديثة العهد أنها طرحت أكثر مــــن 30 برنامج دكتوراه وهذا أمر يفوق الخيال على حد وصف الأمين العام المساعد لمجلس التعليم العالي ، خاصة اذا علمنا أن جامعة البحرين التي أنشئت عام 1986 لم تطرح سوى برنامجين فقط للدكتوراه ، فلكم أن تتصوروا ما يحمله ذلك من معان ودلالات أحسب أنها تثير الكثير من المخاوف والهواجس بل أنها تعبر في مجموعها عن كارثة بكل المقاييس. أن أخطر ما في هذا الملف أنه يعني بأن بعض جامعاتنا الخاصة تمارس الفساد بامتياز ، فساد تورط فيه مسؤولون واساتذة جامعيون وطلبة في الفكر والتطبيق ، في الهدف والأسلوب ، في أساس البناء ، في المقاول والمتعهد ، والبائع والمشتري ، فعندما يتم بيع أو تزوير شهادات عليا من دون جد واجتهاد وفهم ، وعندما تتحول الألقاب والرتب الاكاديمية الى مهزلة، ويظهر لنا في غفلة من زمان ومن ضمير لصوص اشتروا أو زوروا ” الدكتره ” واستولوا باسمها أو على أساسها وظائف ومواقع وتبوأوا مسؤوليات لا يستحقونها ، عندها قد ندرك أننا نعيش أجواء كارثة من العيار الثقيل الذي ينبغي إلا نستهين به ، كارثة كما قلنا تمس الحاضر والمستقبل ، لاسيما وأن من البديهيات التي لا تحتاج إلى تنويه أو تنبيه هو أن الجامعات يفترض أن تكون من منابع المعرفة ومواضع العفة ومنارة للعلم والتنوير في أي مجتمع ، فهل يدرك الجميع ذلك قبل فوات الأوان ؟
 
صحيفة الايام
12 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

عن المرأة والقوانين الخاصة بها

تتواصل الحرب الشرسة ضد حقوق المرأة في مجمل الدول العربية ويتضح ذلك في استمرار انعدام المساواة بينها وبين الرجل فضلاً عن انتشار ظاهرة العنف والتمييز ضدها في كافة مجالات الحياة. ماذا يريد المواطن العربي في سوريا من قانون الاحوال الشخصية؟ سؤال تم تداوله او بالاحرى طرحه في الاوساط التقدمية والعلمانية والديمقراطية السورية اعتراضاً على مشروع قانون للاحوال الشخصية أسوأ من القانون الحالي هناك فالمشروع كما تقول التقدمية “جمانة رضوان” عضو مجلس الشعب نائبة رئيسة رابطة النساء السوريات لحماية الطفولة والامومة يشكل عودة إلى العهود الظلامية لان هذه المشروع يجرد المرأة من ادنى حقوقها الانسانية حيث يستطيع الرجل يفعل ما يشاء فيحرمها من التعليم والعمل وزيارة اهلها كما يرسخ هذا القانون تعدد الزوجات دون ضوابط حقيقية ترفع الظلم عن المرأة وربط التعدد بالنفقة والعدل هذه الشروط التي لم تتمكن من حماية المرأة من الغبن والاضطهاد الواقع عليها من الزواج من اخرى وتقول ايضاً: ان المشروع كرس عدم الاعتراف باهلية المرأة وبخلاقها ومنح الولي سلطة مطلقه بفسخ عقد الزواج وفضلاً عن ذلك قلق تمايزاً كبيراً بين المواطنين رجالاً ونساء وخاصة فيما يتعلق بحضانة الام غير المسلمة لاطفالها وكذلك موضوع الشهادة كل ذلك سيؤدي إلى تناقضات قاسية وخطيرة بين اتباع الاديان المختلفة ينتج عنه اضطرابات اجتماعيه تهدد الوحدة الوطنية في البلاد وبالتالي ان خروج مثل هذا القانون إلى النور سيعود بالبلاد إلى عصور الظلام وسيكون له تبعات اجتماعية وسياسيه خطيرة وسيعيد المرأة إلى عصور الجواري والحريم. في تلك الاوساط المستنيرة التي تريد من قانون الاحوال الشخصية اكثر انصافاً وعدالة وقابلية للحياة واكثر انسجاماً مع روح العصر الذي يقوم على مبدأ المساواة وعدم التفرقة بين الرجل والمرأة وبين المواطنين بغض النظر عن دينهم او عرقهم او طائفتهم او مذهبهم او جنسهم كان واضحاً الدفاع عن حقوق المرأة الاسرية وفق رؤى صريحة تساند ومن دون ازدواجية او تردد وتلكؤ كافة حقوق المرأة بما يخدم النساء والرجال والاسرة والمجتمع والمصالح الوطنية والتقدم الاجتماعي.. نعم كان واضحاً موقف قوى الحداثة من هذا المشروع الذي تم وقف تداوله بالنسخة الظلامية رغم كل محاولات قوى التشدد التي تود اعادة هذا المشروع بشكل مختلف وبنفس المضمون!! وفي كلمات اخرى ان اهم نتائج نضالات قوى التقدم والحداثة هناك سحب هذا القانون لما يشكله من خطورة على الحياة الاسرية والمجتمع. ما احوجنا نحن في البحرين إلى تضافر جهود القوى الديمقراطية المستنيرة من اجل قانون عصري موحد لاحكام الاسرة وخاصة ان قوى الاسلام السياسي في المجلس التشريعي لم تتردد في ممارسة الضغط والصفقات والمساومات لاسقاط والغاء هذا القانون الحضاري!! وقد اتضح هذا التوجه في قرار قانون الاسرة في الفصل الاول في حين ان الفصل الثاني لايزال غائباً او مرفوضاً بحجة الضمانات ولاشك ان هذا يحد من التقدم الديمقراطي والاجتماعي ويتعارض تماماً مع الدستور الذي كفل حقوق المرأة البحرينية وفضلاً عن ذلك انه يعمق الطائفية!! على العموم انتهاك حقوق المرأة الاسرية في معظم الدول العربية جارِ على قدم وساق فالحديث في هذه الدول عن المساواة يظل حديثاً للاستهلاك أي كثيراً ما نجد هذه النظم وقوى التخلف وجهين لسياسة واحدة تهدف إلى تضيق الخناق على كافة حقوق المرأة.
 
صحيفة الايام
12 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

نور حسين التقدميّة


 
للمرة الأولى نرى جامعة البحرين في «حيص بيص» بسبب طالبة أرادت أن تقدم شيئًا جديدًا في الجامعة. نور حسين إحدى ناشطات جمعية الشبيبة البحرينية، وما قامت به في الجامعة ما هو إلا جزء من أفكار تلك الجمعية وانحداراتها اليسارية.

ولو علونا إلى أعلى قمة ومن ثم انحدرنا إلى أسفل سافلين فلن نستطيع الفصل بين العمل الطلابي والعمل السياسي أو العمل التصحيحي. انتقادات نور للجامعة حق لها بوصفها عضوًا في مجلس الطلبة الذي خلق أساسًا خوفًا من طموح الطلبة آنذاك من تأسيس اتحاد طلابي يحتفل بتاريخ 25 فبراير من كل عام.

وعلى رغم ذلك أخذ الطلبة يتعاملون مع الأشياء بمسمياتها دون إدخال السياسة بشكل مباشر، فجمعية الشبيبة التي صنفتها جامعة البحرين جمعية سياسية هي في الأساس جمعية شبابية، ومن أبرز أعمالها المنصوص عليها في النظام الأساسي العمل الطلابي.

ما أزعج لجنة التحقيق من ألفاظ وردت في البيان الذي وزعته الطالبة نور يعتبر الأسلوب البسيط لمحاكاة الطلبة وملامسة همومهم الطلابية، فمثلاً «جامعة البحرين صارت كأنها خرابة مهجورة»، هذا شيء واقعي والطلبة يرددونه يوميا بسبب زيادة عدد الجامعات الخاصة، وتوجه كثير من الطلبة إلى الدراسة بالخارج.

وأيضًا ورد في البيان «وما يشوفون مستوى المواد (الخرطي) اللي تعطيهم إياها الجامعة»، في نظر الطلبة أن المواد «خرطي»،  أصبح الطالب الجامعي يتخرج دون أن يستطيع تركيب سطرين متواصلين باللغة الانجليزية، والدليل أن أغلب الشركات الخاصة لا تستقطب خريجي جامعة البحرين، إلا من ذوي الكفاءة باللغة الانجليزية، وغيرها من المواد القديمة كما هي العقليات في الجامعة التي اعتبرت تصرف نور تحريضًا لانقلاب طلابي على إدارة الجامعة.

أدعو جميع الطلبة والمهتمين والمسؤولين إلى إعادة قراءة بيان نور بتدقيق، وسوف لن تجدوا أية إشارة إلى وجود خطاب سياسي تحريضي انقلابي أو مهاترات سياسية أو صراع سياسي كما تدعي الجامعة.

نور لم تقصد الانقلاب أو التسييس أو التحريض، فجميعنا بمن فيهم لجنة التحقيق نعرف نور التي تنحدر من جمعية الشبيبة البحرينية الابن الشرعي لجمعية المنبر الديمقراطي التقدمي العريقة بنضالها الوطني. لذلك لابد لجامعة البحرين أن تعدل عن قرارها الذي فهم بطريقة بعيدة عن الواقع الذي يعيشه الطلبة في أروقة الجامعة يوميًّا.
 
جريدة البلاد 12 سبتمبر 2009
 

اقرأ المزيد

بين الدكتاتوريين والإرهاب.. علامة

قال دكتاتور عن نفسه ذات مرة: ‘أعرف أن تسعة من أصل عشرة يكرهونني، لكنه أضاف، وما الضير في ذلك إذا كان العاشر مسلحاً!!’… نفهم أن الدكتاتوريين يفعلون كل ما هو بشع ووحشي بحق شعوبهم، بما فيه الإبادة الجماعية، وذلك لتأمين بقائهم على رأس السلطة وديمومتها ما داموا أحياء، لكن لا نعرف على وجه الدقة، لماذا ‘الحركات الجهادية المتطرفة’ في العالم الإسلامي، وهم، ويا لسخرية الظروف، يتصدرون ‘المواجهة ضد الامبريالية’، ويدعون محاربة الطغاة والدكتاتوريين والفاشيين، باستخدام أبشع الأساليب في القتل الجماعي، بالنحر وتفجير المفخخات باسم الإسلام، حتى وصلت الأمور إلى مداها البعيد في الغيّ بمقولة يرددونها في رمضان مفادها: أن الانتحاري في هذا الشهر الكريم، ما إن يُنفذ ‘عمليته الاستشهادية’ وهو صائم، ‘يفطر مع الرسول الأعظم’ في الجنة، في إشارة إلى انتقاله مباشرة إلى الكوثر، على خلفية ‘خدمة الإسلام والمسلمين بقتل الأبرياء’؟؟.
هنا، تُطرح أسئلة مهمة لا تزال أبعد من أن تتوضح، أقلها فقهياً، وتوضيحها من فقهاء الدين الإسلامي بشقيه ‘الشيعي والسني’، منها: هل في الجنة شهر صيام تماماً كما في العالم الإسلامي على الأرض، حتى يفطر هؤلاء مع النبي (ص)، وذلك بخلاف ما يشيد البعض بالمنتحرين في العراق وباكستان وأفغانستان والسعودية … إلى آخره، ويتقزز البعض الآخر من أفعالهم؟!.
المسألة، كما يبدو عصية على الفهم، تماماً مثل السؤال: ما الذي يجعل من هؤلاء قنابل بشرية متحركة تقتل بشكل أعمى الناس في المقاهي والمطاعم ودور العبادة والأسواق الشعبية؟!، والأهم: مَنْ الذي يقنعهم ليرتكبوا هذه الأفعال المجنونة، وما هي قدراته المقتنع في الإقناع ليقتنع بأن قتل الإنسان لأخيه الإنسان حلال؟؟!.

***
تنويه:
في افتتاحية ‘نهاية الأسبوع’ الجمعة الماضية 4 سبتمبر/أيلول، نسبت إلى الأخ صادق قولاً لم يقله، أسارع بالاعتذار لهذا الالتباس الذي نبهني إليه كاتبه الأخ جعفر، وجعفر ‘أبو صادق’، يأخذ عليّ ‘أنني لا أروح دولتين هما لبنان وإيران، وكأن العالم اجتمع واختزل في هاتين الدولتين …
وأضاف جعفر، اعتقد انه يجب عليك ان تغير ترحالك هذه المرة فهنالك دولً كثيرة منها خليجية أقرب لنا من لبنان وإيران فما رأيك أن تكتب عنها ولنا أن نقترح عليك مواضيع تكتبها…’.
عذراً للأخ صادق لحشر اسمك في غير مكانه، وشكراً للأخ جعفر على تنبيهي لهذا الالتباس، ومن ثم ‘طنطنتي المشروخة بين لبنان وإيران’، وبانتظار مواضيعك المقترح الكتابة فيها، ولكن ستكتب بوجهة نظر الصحيفة، وليس بوجهة نظرك، فأنت كفيل بالكتابة فيها ونشرها في الصحف بقدر ما تستطيع.
مع كثير المودة، وصباح السحب/ لي تمطر/ كل لحظة/ وكل ساعة.
 
صحيفة الوقت
11 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

ذكرى استشهاد المناضل الليندي.. وتجدد الماركسية

ان الأفكار الأممية الانسانية لا تموت، بل تظل حية في ضمائر الأمم، بقدر اشتعال وهجها على مر السنين، وتجدد فاعليتها بتقادم الأعوام، واحتفاء طالبي الحرية على وجه البسيطة برحيل أصحابها في أي وقت وكل الأوقات.. وذلك تبجيلا لتضحياتهم الرائعة بالغالي والنفيس، من أجل حريات شعوبهم وأحلام أممهم.. ومثلما تنحني الشعوب لنكران ذوات عظمائها ومناضليها الذين كانت حياتهم حافلة بالأمجاد، مليئة بالانجازات، فسطروها بأعظم ملاحم الفكر والمبدأ، وبأزكى ملاحم الدم والجهد والعرق.. حتى وجد هؤلاء العظماء، سواء في حياتهم أم في مماتهم، مكانتهم كبيرة في قلوب أناس لا يعرفونهم، وفي عقول بشر تفصل أصحابها عن هؤلاء العظماء آلاف الأميال المسافات والشاسعة المساحات.. سوى ارتباطهم بمعاناة الانسانية والبشرية والتحام أفكارهم وانصهار مبادئهم بمكابدة المسحوقين والمضطهدين والمعذبين في الارض.. واتخاذ نضالاتهم وتضحياتهم (همزة وصل) بطالبي الحرية أينما وجدوا وفي أي وقت حلوا ووجِدوا، من أجل النهوض بهم نحو الحرية وصون الكرامة الانسانية وانعتاقهم من براثن القهر السياسي والاجتماعي، وتحريرهم من شرنقة الدونية والتهميش وعبودية العسف والاضطهاد ومظاهر البطش والاستبداد.
وحسبما حقق هؤلاء العظماء والمناضلون أعظم الانتصارات الوطنية والشعبية في حياتهم، فإن اسماءهم ومبادئهم قد دونت في سجل الخالدين.. وهكذا سجل المناضل الماركسي الرئيس التشيللي المنتخب (السلفادور الليندي) مرشح (جبهة الوحدة الوطنية) موقفا وطنيا ومبدئيا وبطوليا، حينما واجه بجانب رفاقه تلك القوة البربرية للانقلاب العسكري التشيللي بقيادة العميل الجنرال اوجستو بينوشيه المدعوم من “السي اي ايه”، بحيث دافع المناضل الليندي ورفاقه عن قصر الرئاسة (قصر لامونيدا) دفاع الابطال المستميتين مواجهين الدبابات والآليات الحربية والعسكرية التي طوقت قصر الرئاسة، يدعمها سلاح الطيران الحربي فترة امتدت الى اكثر من اربع عشرة ساعة متواصلة.. ولكن الرئيس المنتخب ورفاقه واصلوا ببسالة مقاومتهم العنيدة حتى النهاية المشرفة.
ولعل العبارة التاريخية التي اطلقها الرئيس الليندي قبل استشهاده لاتزال ماثلة في ضمير الشعب التشيللي، عندما هتف بأعلى صوته خلال خوض اتون المعركة “لن أغادر قصر الرئاسة ولن أستقيل من منصبي ولسوف أذود بحياتي عن السلطة التي أعطاها لي الشعب”.
استشهد المناضل السلفادور الليندي واقفا على قدميه بشموخ.. لأنه استشهد من اجل حريات واهداف شعبه ومكتسبات وانجازات وطنه.. وفي سبيل الحرية والاشتراكية والمبادئ الماركسية.
ومثلما يظل يوم رحيل المناضل الليندي في الحادي عشر من شهر سبتمبر عام 1973م يوما مضيئا في وجدان الشعب التشيللي وفي ذاكرة الوطن.. ماثلا في ضمير الأحزاب الشيوعية في كل مكان.. فإن المبادئ الماركسية او اصول الفلسفة الماركسية قد اخذت تتجدد بتطورها وجدليتها نحو خط بياني تصاعدي، لكونها قائمة على (المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية).. ومن ثم الخروج من كبوتها بعد ان اسيء استخدامها.. حتى برزت معالمها ومفاهيمها في ارضية الكثير من دول امريكا اللاتينية، في كل من تشيللي وفنزويلا وبوليفيا والبرازيل ونيكاراجوا.. والعديد من الدول العربية كالسودان والجزائر ومصر والاردن ولبنان التي نهضت فيها الاحزاب الشيوعية.. لتحقق هذه الاحزاب الشيوعية بالتالي حلم المناضل الراحل الحاضر (السلفادور الليندي) في دائرة الضوء.. الذي كان يطمح إلى تحقيقها إلى حيز الواقع والوجود، بعد ستة وثلاثين عاما مضت بعد استشهاده.. وتجدد هذه الاحزاب العهد المبدئي، بتجديد نظرية الاشتراكية العلمية (أصول الفلسفة الماركسية) في مختلف دول امريكا اللاتينية.. على غرار الوهج التاريخي والفاعلية الجماهيرية اللذين برزت حقائقهما وتداعياتهما على ارضية الواقع المجتمعي الملموس لتشيللي، منذ بدايات نضالات المناضل السلفادور الليندي ما بين الصفوف الطلابية عام 1931م زعيما، ونضالاته الحزبية خلال الحزب الشيوعي التشيللي أمينا عاما للحزب، وبالتالي فوزه في الانتخابات الرئاسية في 4 سبتمبر عام 1971م حينما أوصلته اصوات الناخبين وإرادة الشعب التشيللي الى سدة الرئاسة رئيسا لتشيللي.
طوبى لمن أضاء باستشهاده في يوم الحادي عشر من شهر سبتمبر بأحرف من نور.. وهنيئا لمن حمل راية الأممية الثورية وأصول الفلسفة الماركسية خفاقة في بلوغها عنان السماء، حتى الرمق الأخير من حياته.. وسلام عليك ايها المناضل الماركسي الأصيل الذي عاش قائدا حكيما في اوساط شعبه وداخل طبقاته واستشهد بطلا مغوارا من اجل مبادئه.. ورحل واقفا على قدميه بشموخ العظماء الذين غيروا وجه العالم نحو النهضة العلمية والانسانية.. ونحو بناء المجتمعات البشرية القائمة على الحرية والديمقراطية والاشتراكية ومبدأ العدالة والمساواة.
رحلت ايها القائد الأممي السلفادور الليندي، لكنك ظللت حيا بمبادئك.. بحسب ما تظل واقفا على قدميك.. مثلما اوصى به (دانتون) احد قادة وفلاسفة فرنسا عبر وصيته قبل رحيله بـ “أن يدفن في قبره عموديا”.. طبقا لمقولته التاريخية الشهيرة “حتى في مماتي أريد أن أكون واقفا”.
وهكذا رحل المناضل السلفادور الليندي واقفا على قدميه كواحد من عظماء الانسانية وعباقرة الأمم.

صحيفة اخبار الخليج
11 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

روسيا والحرب العالمية الثانية (2 ــ 3)

* من أشعل الحرب؟
بلغ الجدل التاريخي المحتدم في السنوات القليلة الأخيرة بين روسيا من جهة وبلدان أوروبية غربية وأخرى شرقية كانت حليفة لها ابان الحقبة السوفيتية حول مسئولية ودور موسكو في إشعال فتيل الحرب العالمية الثانية، نقول بلغ هذا الجدل ذروته مع اقتراب الذكرى الـ 70 لاندلاع الحرب التي تصادف الأول من سبتمبر الجاري، وذلك على إثر القرار الذي اتخذته الجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي في أوائل يوليو الماضي بمساواة الستالينية بالفاشية ومطالبة روسيا بالإقلاع عن مظاهر الاحتفاء بالمناسبات الوطنية السوفيتية وتمجيد الماضي السوفيتي.
أكثر من ذلك فقد أقرت الجمعية البرلمانية الأوروبية ذاتها اقتراحاً بتخصيص يوم الـ 23 من أغسطس من كل عام، وهو اليوم المصادف لإبرام الاتحاد السوفيتي والمانيا النازية معاهدة مولوتوف ــ ريبنتروب عام 1938 بالتزام كل منهما بعدم الاعتداء على الآخر، كيوم لتخليد ذكرى ضحايا النازية والستالينية.
القرار بطبيعة الحال أثار على الفور حفيظة واستياء روسيا، ووصف المندوبون الروس في الجمعية البرلمانية الأوروبية القرار بأنه انتهاك للتاريخ ويرمي إلى تعميق الفجوة بين روسيا من جهة وحليفاتها من البلدان الأوروبية الشرقية السابقة من جهة أخرى، وأنحت موسكو باللائمة بالتحديد على ليتوانيا وسلوفينيا باعتبارهما هما اللتان تقفان وراء إعداد وتمرير القرار. ومنذ ذلك الوقت شنت روسيا ومازالت تشن حملة سياسية رسمية وإعلامية وأكاديمية تاريخية ضارية تستنكر بشدة القرار، كما تستنكر تجاهل البرلمانيين الأوروبيين اتفاقية ميونيخ 1938 بين المانيا النازية من جهة وبريطانيا وفرنسا من جهة أخرى وهي الاتفاقية التي أطلقت يد هتلر لاحتلال تشيكوسلوفاكيا.
كما أبدت موسكو دهشتها من عدم التفات الجمعية البرلمانية الأوروبية ذاتها لما قدمه الاتحاد السوفيتي السابق من تضحيات هائلة في دحر النازية التي كانت تحتل أراضي وبلدانا أوروبية عديدة، وان ما يُسمى جرائم ستالين كان المتضرر منها الشعب الروسي بالذات، وأن هذا الأخير لم يكن يرفض حق الشعوب في الوجود كما فعل هتلر الذي أغرق أوروبا في الدماء.
وكان من أبرز المؤرخين الروس الكبار الذين تصدوا للحملة الأوروبية الرامية لتحميل روسيا مسئولية إندلاع الحرب انطلاقاً من توقيعها مع ألمانيا النازية اتفاقية مولوتوف – ريبنتروب المؤرخ المعروف الكسي بودبير يوزكين. ففي حوار أجرته معه مؤخراً في عشية الذكرى الـ 70 لنشوب الحرب الصحيفة الروسية “أرغومنتي نيديلي” يؤكد بودبير يوزكين انه من الخطأ اعتبار ان الحرب العالمية الثانية اندلعت في الأول من سبتمبر عام 1939، أي عندما غزت الجيوش الهتلرية بولندا. ذلك ان بذور الحرب بذرت قبل عام، عندما وقعت ألمانيا وبريطانيا وفرنسا معاهدة ميونيخ. وبموجب هذه المعاهدة وافقت كل من بريطانيا وفرنسا، على السماح لألمانيا باحتلال تشيكوسلوفاكيا. ويشير المؤرخ الروسي إلى ان الاتحاد السوفيتي كان يعارض تقسيم تشيكوسلوفاكيا، وكان مستعدا للوقوف في وجه الهتلرية، لكن معاهدة ميونيخ دفعت القيادة السوفيتية إلى إعادة النظر في سياستها، وجعلتها مضطرة إلى توقيع معاهدة عدم اعتداء مع ألمانيا، ويلفت المؤرخ الروسي في هذا السياق إلى أن المؤرخين الغربيين يأخذون على الاتحاد السوفيتي توقيعه الاتفاقية المذكورة، لكنهم في الوقت نفسه يتجنبون أي حديث عن المعاهدتين المماثلتين، اللتين وقعتهما كل من بريطانيا وفرنسا والمانيا النازية بعيد معاهدة ميونيخ. وتطرق بودبير يوزكين إلى ما يحاول بعض المؤرخين ترويجه، من أن بولندا كانت ضحية أطماع هتلر وستالين، لكن هؤلاء المؤرخين يغفلون عن قصد حقيقة ان بولندا استولت على قسم من تشيكوسلوفاكيا بموجب معاهدة ميونيخ، وبهذا لا يمكن النظر إلى بولندا على أنها ضحية، فقد كانت في الحقيقة جلادا. ويحذر بودبير يوزكين من مغبة التمادي في تزوير حقائق تلك الحقبة وتداعيات ذلك على الوضع الراهن، مشيرا إلى أن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، أقرت مؤخرا مشروع قانون يساوي بين النظامين: الهتلري والستاليني. وهذا الأمر يمكن أن يكلف روسيا غاليا، كونها الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي، إذ ليس من المستبعد أن يقدم بعض الدول على مطالبة روسيا بدفع تعويضات على غرار ما تفعله ألمانيا، وقد يذهب البعض إلى ما هو أبعد، فيطالب روسيا بتقديم تنازلات جغرافية، الأمر الذي يمكن أن يفجّر صراعات لا تحمد عقباها.
ولكي ندرك جيداً سر حساسية الروس البالغة من تحميلهم مسئولية نشوب الحرب العالمية الثانية وتجاهل دورهم المحوري في تخليص أوروبا من النازية فلعل من المفيد هنا أن نعيد إلى الأذهان أن الحرب اندلعت حينما اجتاحت ألمانيا بولندا في الأول من سبتمبر واستمرت الحرب 6 سنوات وأسفرت عن إبادة 50 مليون انسان في 61 دولة أكثر من نصفهم من السوفيت. ويعتبر الروس أنه لولا تضحيات وبطولات المقاتلين السوفيت لما تم تحرير أراضي 12 دولة أوروبية وقعت تحت الاحتلال النازي، وأن معاهدة مولوتوف ــ ريبنتروب السوفيتية الألمانية لم يسر مفعولها بعدم اعتداء كل منهما على الآخر سوى أقل من عامين، ثم أخلت بها ألمانيا النازية بغزوها المباغت لأراضي الاتحاد السوفيتي في يونيو من عام 1941، أي بعد عامين من اندلاع الحرب. علما بأن روسيا أدانت بشجاعة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي المعاهدة المذكورة، وبعد أن ظل هذا الأخير ينفي وجود بروتوكولات سرية ملحقة بالمعاهدة لتقاسم مناطق النفوذ بينه وبين ألمانيا في أوروبا الشرقية فقد عاد واعترف بوجودها قبيل انهياره عام 1991 وأعاد نشرها، وهو ما لم تقدم عليه بريطانيا وفرنسا بإدانة تواطئهما مع المانيا النازية في اتفاقية ميونيخ.

صحيفة اخبار الخليج
11 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

نهاية الحقبة النفطية

الأحداث الخطرة التي تجري في كل من السعودية وإيران تشير إلى الصعوبات الكبيرة التي تواجه النظامين، كل من خلال وضعه وظروفه الخاصة.
لقد ظهرتْ الحقبة النفطية وشكلتْ مناخا سياسيا أسطوريا، تصور المستفيدون منه أنه خارج قوانين التطور والسياسة وأنهم فيه سوف يزيلون ما جرى من أزمنة وطنية وقومية وعلمانية وحداثية.
لقد كانوا يسبحون فوق بحر النفط، وأعطت أسعاره المرتفعة وخيراته الوفيرة التي هيمنت عليها الدول، تلك الأوهامَ السياسية التي ارتفعت فوق القوانين السببية للمجتمعات، وتلك المجتمعات تجلبُ من المنافع والبضائع الشيءَ الكثير، فتتبدل حياة المجتمعات البسيطة وترتفع إلى قمم الاستهلاك بعد أن كانت في حضيض العوز والحاجة فتفقد التوازن الفكري، وتضطربُ سياسيا.
كانت السعودية وإيران في قمة دول الإنتاج النفطي وكانتا بَلدين مؤثرين بسبب حجميهما الجغرافي والسكاني، وبسبب التقاليد الدينية التي كرستهما كمرجعين للسنة والشيعة في العالم الإسلامي.
جاء منهما ما سُمي البعثِ الإسلامي والصحوة الإسلامية وغير ذلك من مسميات تعكسُ انقطاعاً عما سبق من تطور في العالم الإسلامي، بدءًا من أزمنةِ النهضة العربية الإسلامية حتى ثورات البلدان الوطنية والتقدمية التي كانت هي أيضاً جزءًا من تطور المسلمين ومن يعايشهم من مؤمنين مختلفين.
صورت فترة الصحوة نفسها كأنها ميلاد جديد وقطع وبعث على طريقة البعث، فهي الحياة وما قبلها موات، وارتكزت على المذاهب النصوصية الحرفية أو العرفانية الإشراقية، مغيبة ما بينها من عقلانية إسلامية واجتهادية فكرية.
لعبت هذه البلدان دوراً في الترويج لهذه الأفكار، وكانت مستوى بسيطاً من فهم الإسلام، ولكن هذه المفاهيم المبسّطة أخذت على أساس لغة جهادية حربية وشكلت تنظيمات وشبكات كبيرة بكل طريقة وبأموال هائلة، وعملت على تبديل المفاهيم الإسلامية السائدة في البلدان الإسلامية التي شكلت قواعد الاستقرار الفكرية والعبادية طوال عقود، وغلبت فهمها عليها، وجيّرت الشبكات العبادية لنشر مفاهيمها وفرض تصوراتها وتغليب أهدافها السياسية، أي فرض المستوى العبادي لبعض سكان منطقة الجزيرة العربية وإيران عن الإسلام، باعتباره الطبعة الوحيدة المقبولة عالميا.
كانت عمليات تعاون دولية كبرى كذلك، فقد وجدت الدول الغربية المتصارعة مع الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية أن المفاهيم الدينية الإسلامية هي المفيدة في الصراع السياسي، فالمسيحية بمذهبيها الكبيرين لم تعد أداة صراع دولية، وقبلت بالدول العلمانية ومناخاتها، وبأحجام الدين فيها، بعد قرون من ثقافة الحداثة.
وكان بعض الدول العربية قد دخل في هاتين الحداثة والعلمانية وبدأ يتوجه للتصنيع، لكنه ضُرب داخل الصراع العالمي الموجه ضد الاشتراكية.
وصُعدت دولُ الجزيرة العربية وإيران للمسرح العالمي باعتبارهما المتصديتين للشيوعية والكفر العالمي الغربي كذلك، لقد تم استغلالهما بشكل هائل من أجل هذه المعركة الوهمية، التي كانت حقيقية دموية في افغانستان، ومنذ ذلك الحين خرج المارد الساحر من قمقمه.
صار الخطر الإسلامي هو البديل عن وهمية الشيوعية، تلك الخرافة السياسية الكبرى التي تم استغلالها من قبل الغرب الاستعماري، وليس الديمقراطي الحضاري، من جهة المصروفات الدفاعية الخيالية ومن جهة الحروب الاستنزافية ومن جهة تمزيق الجزيرة العربية وإيران والعراق طائفيا، وإشغالها بأسئلة التخريف والأساطير لهذه الجماعات، وبالتفكيك السياسي لها.
بطبيعة الحال فإن مشروعات الاجرام العالمية هذه كانت لها آثارها ليست في المستهلك لها فقط بل في المنتج، في المكون كذلك، فالأعمال الإرهابية في الغرب ذاته، هي جزء من نمو الظاهرة عالميا، من البضاعة التي عادت له.
المارد الديني انقسم طائفيا بشكلين رئيسيين ثم انقسم تقسيمات كثيرة، ومتزايدة، والحديث عن الجنة التي سوف تـُصنع تتحول كل يوم إلى حرائق وجهنمات كثيرة، وتستغل الدول إضافة إلى ما سبق هذه الأجسام الأميبية النارية في تفكيك الحركات السياسية، وتصعيد الميزانيات الأمنية والعسكرية وتغيير الخرائط الوطنية، وتغييب عمليات التغيير والإصلاح الحقيقية وملء المنطقة بالعمال الأجانب.
في النهاية وجدنا البلدين الرئيسيين المنتجين لهذه الظاهرة وهما إيران والسعودية يعانيان آثارها في قعر داريهما؛ إيران تتفكك قيادتها وتدخل في أزمة عميقة، وبوادر حرب أهلية تلوحُ في الأفق، ولم تستفد من الموارد النفطية لتكوين ثورة صناعية، والسعودية تنتشر فيها شبكة الارهاب بصورة مخيفة والكثير من الشباب يقومون بأعمال إجرامية فظيعة.
مليارات كثيرة صُرفت على هذه الحركات الاستغلالية للدين، وعلى نتائج أعمالها، والثروة النفطية تتجه للخفوت وتنتظر أزمتها الأخيرة الكاوية، لكن المستويات السياسية لا تقوم بإعادة النظر والمراجعة في هذا المسلسل الرهيب كله، فقد أوجدت الفترة الكثير من القوى المستفيدة والكثير من الهياكل المتخلفة المحافظة التي ترفض التوجه للحداثة والوطنية والعلمانية والديمقراطية، وتحولَ النفطُ إلى عمارات ومجمعات استهلاكية، وأسلحة هائلة في المخازن وبقع نفط على مياه الخليج ومقابر كثيرة وفيرة وتلوث بيئة وأموال هاربة ومنفعات غربية لا تحد، وأبنية مبهرجة غير معمرة، وعمالات استنزافية، وديكورات سياسية زائفة، وسراب خليجي جزيري إيراني عن ثورات وكفاح عظيم، ولكن ثروة هائلة نادرة تبخرت.

صحيفة اخبار الخليج
11 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد