­

المنشور

شهادات في هزيمة 67 (4)

من أخطاء القيادتين المصرية والسوفيتية
مما لا شك فيه ان العوامل الرئيسية التي أفضت الى هزيمة مصر عسكريا أمام اسرائيل في حرب يونيو 1967 هي عوامل داخلية، لكن ذلك لا يعني انتفاء أي دور للعوامل الخارجية حينذاك، ولعل أبرز العوامل الخارجية التي تضافرت مع العوامل الداخلية في صنع الهزيمة تتمثل في سوء حسابات وتقديرات الحليف الدولي السياسي والاستراتيجي لمصر، ألا هو تحديدا الاتحاد السوفيتي، طوال الازمة وعدم تقديره مقدما التقدير الكافي الدقيق للعواقب الخطيرة البعيدة المدى المترتبة على ترك مصر لقمة سائغة بين أنياب الوحش الاسرائيلي بمساندة ودعم كبيرين، سياسيا وعسكريا، من حليفه الدولي الولايات المتحدة.
نعم ثمة خطأ في الحسابات وقعت فيها القيادة المصرية ممثلة في الرئيس عبدالناصر في بعض الجوانب والسياسات المصرية في العلاقة مع موسكو التي بنيت على أساس نزوع عبدالناصر لترك مسافة بينه وبين الاتحاد السوفيتي وتمسكه باستقلال مصر وتخوفه من الاتهام بأن مصر منحازة إلى المعسكر الشرقي، وهذا ما يفسر أيضا رفضه ــ كما جاء في إحدى حلقات هيكل للجزيرة ــ إعطاء الاتحاد السوفيتي تسهيلات لاسطوله البحري في الموانئ المصرية على ساحل البحر المتوسط، كالاسكندرية في عام .1966 وهو ما يفسر كذلك رفضه الذي يرقى، في تقديري، الى الاخطاء القاتلة اقتراحا سوفيتيا آخر قبيل حرب 1967 أرسله الرئيس السوفيتي حينذاك ليونيد بريجنيف الى كل من جمال عبدالناصر والرئيس السوري نورالدين الاتاسي بقيام ثلاثة أسراب من الطائرات السوفيتية بزيارات ودية لمصر وسوريا لاظهار مدى قوة تحالف الاتحاد السوفيتي مع البلدين ورفضه الاعتداء عليهما، ففي ظروف دقيقة بالغة الخطورة كالتي كانت تواجهها مصر وسوريا حينذاك وحدهما وتنذر بتعرضهما لضربات اسرائيلية ساحقة كان على عبدالناصر حتى لو كان يتبنى ويرفع شعار “عدم الانحياز” الى المعسكرين: الغربي بقيادة الولايات المتحدة والشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي ان يعمل المستحيل، ولو تكتيكيا، لتجنب ذلك الهجوم الاسرائيلي المبيت، ولاسيما بالنظر لعدم جاهزية مصر لصده وافشاله من خلال استمالة موسكو بمختلف الوسائل والامكانيات لتقف بكل قوتها ونفوذها وجبروتها الدولي باعتبارها احدى القوتين العظميين المهيمنتين على الساحة الدولية حينذاك للحيلولة دون مضي اسرائيل قدما في مخطط العدوان المبيت على البلدين.
فما كان يضير عبدالناصر لو قبل في تلك الظروف الدقيقة التي مرت بها مصر خلال عامي 1966 و1967 باعطاء تسهيلات عسكرية بحرية مؤقتة للسوفيت، كما لم تكن القيادة المصرية في تلك الظروف العصيبة عشية عدوان 1967 موفقة البتة في رفضها اقتراح القيادة السوفيتية بزيارة أسراب من المقاتلات العسكرية السوفيتية لمصر وسوريا لكي تفهم اسرائيل جدية وقوة الموقف السوفيتي من الازمة وتصميمه على الدفاع عن هذين البلدين ضد العدوان الاسرائيلي المتوقع عليهما أو رفضه إلحاق هزيمة بأي منهما.
ولربما كان مثل ذينك الحذر والتردد اللذين تبديهما القيادة المصرية ازاء مقترحات القيادة السوفيتية بتوثيق العلاقات العسكرية بين البلدين من الاسباب التي حملت موسكو بعدئذ على ابداء شيء من التحفظ بعدم زج نفسها بكل قوة في أزمة يونيو 1967 التي انتهت بالعدوان الاسرائيلي الكاسح على مصر وسوريا والاردن في الوقت الذي كان الموقف الامريكي – رغم ما يخفيه من مراوغة – واضحا وحاسما في وقوفه الى جانب اسرائيل.
نحن هنا، تأسيسا على ما تقدم، أمام خطأين قياديين على المستوى المصري وعلى المستوى السوفيتي تضافرا معا ليشكلا سببا من أسباب الهزيمة التي تشابك فيها بعض العوامل الذاتية الداخلية بالعوامل الموضوعية الخارجية، فالقيادة المصرية ممثلة في عبدالناصر لم تقدر جيدا في تلك الظروف الحساسة الخطرة أهمية جر الاتحاد السوفيتي بأي طريقة ممكنة واستدراجه لتوريطه في النزاع بما يحمل الولايات المتحدة واسرائيل على أن تعملا ألف حساب في أي وقت تسول للأخيرة نفسها الهجوم على مصر، ولاسيما ان القيادة السوفيتية نفسها قد أبدت بعض المواقف التي تتيح لمصر مثل هذا الاستدراج، كطلبها إلى عبدالناصر اعطاء تسهيلات عسكرية بحرية للأسطول السوفيتي في البحر المتوسط في الموانئ المصرية، وكاقتراحها قبيل الهجوم الاسرائيلي على مصر في يونيو 67 زيارة أسراب من الطائرات السوفيتية للقواعد العسكرية الجوية المصرية والسورية، وهو الاقتراح الذي رفضه للأسف جمال عبدالناصر (راجع، مع هيكل، الجزيرة مساء 20/8/2009).
والقيادة السوفيتية هي الاخرى من جهتها لربما كانت المواقف المتحفظة المصرية على مقترحاتها بتوثيق العلاقات العسكرية بين البلدين، كالتي أشرنا اليها آنفا، من أسباب توخيها الحذر المفرط والتزامها موقف التروي والتحفظ في استخدام أقصى ضغوطها ونفوذها الممكنين للحيلولة دون مضي اسرائيل في عدوانها المتوقع الوشيك قدما.
مهما يكن فإن كلا الطرفين المصري والسوفيتي لم يدرك خطأ تقديراته القاتل إلا بعد فوات الأوان، أي بعد انجاز الضربة الاسرائيلية الموجعة ضد مصر التي انتهت ليس بتحطيم الجيش المصري فحسب، بل بالإجهاز سياسيا على النفوذ السوفيتي في المنطقة بعدئذ وتعاظم وهيمنة النفوذ الامريكي فيها على نحو غير مسبوق تاريخيا.

صحيفة اخبار الخليج
4 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

الرأسماليات الشرقية والتشكيلة الغربية

تتوجه الرأسمالياتُ الحكومية الشرقية والرأسماليات الخاصة الغربية للتقارب والتماثل في القرن الحادي والعشرين.
وهي عمليات مركبة على الصعيد العالمي، وفي الشرق تجرى التحولات بصور عفوية وتصادمية وعشوائية من دون وعي من قبل الدول والنخب السياسية، لكون الضرورات البشرية العامة مُغيبة غالباً في أشكال الوعي القومية والدينية والاشتراكية.
تعكس الاهتمامات الضيقة المحلية في كل بلد الامتيازات الخاصة بالطبقات السائدة، ومجرى التطور الذي تحافظ على نموه من خلال بقائها في السلطة، فتجعل الرأسمالية الحكومية متجمدة في أشكال سياسية أو اقتصادية عتيقة، حيث المنافع تتدفق من العمال المهاجرين فتكون الأرباح سهلة على المدى القصير.
وهذه من جانب آخر توسع الانفاق على الصحة والبنية الأساسية عموماً فتخسر البلاد ما تربحه الطبقات السائدة المنتفعة.
أو يتم التركيز في بذخ القوى الاجتماعية السائدة فتتحول البيوت المتواضعة إلى قصور، وإلى جلب الخدم وإلى المتع، فلا تتوجه الفوائض إلى تطوير القوى المنتجة، وتضيع هذه الفوائض المؤقتة تاريخيا.
من جانب آخر تعمل الرأسماليات الغربية على جلب الفوائض الشرقية الحكومية والخاصة إلى عجلات التطور الاقتصادي فيها، وتقدم أرباحاً في سبيل ذلك، لكن الخسائر الناتجة عن المصاعب الاقتصادية والأزمات والحروب تؤدي إلى تآكل هذه الرساميل.
بعض الدول الشرقية الكبرى كروسيا والصين والهند ودول شرق آسيا التي لم تنتقل بعد إلى نمط الرأسمالية الحديثة تماماً، تحقق نجاحات في التوجه للرأسمالية الحديثة.
يمثل التوجه الرأسمالي الشرقي إلى الغرب، وقصور سمات التحول الديمقراطي في الشرق، مستويات التفوق في الغرب والقصور في الشرق.
في الشرق هناك عقبات سياسية واجتماعية تحول دون تطور قوى الإنتاج فيه بشكل واسع، من ضمنها بناء الدول على أسس استبدادية وبيروقراطية فاسدة، تقوم بتضييع فوائض كبيرة في قنوات مختلفة وكلها تؤدي إلى إجهاض تنامي الرأسمال الصناعي أو المنتج عموماً.
كما أن مثل هذه الأبنية السياسية – الاجتماعية تمثل هدرا اقتصاديا كالأسرة الأبوية حيث يقوم الرجل بتضييع أموال الأسرة على ملذاته، مثلما يقوم تعدد الزوجات والعشاق على هدر هذه الأموال، مثلما تغدو أموال الزينة والديكورات والبناءات الفخمة التي تتنامى كثيراً في المنتجعات الحكومية تضييعاً لفرص تطور البلدان النامية.
تمثل العادات المتخلفة – التي تلصق زوراً بالأديان – الهياكل السياسية الشمولية المتخلفة التي تقام على أنماط قبلية وقروية وعسكرية رثة، رفضاً عميقاً للالتحاق بالتطور، نظراً لكون الهياكل الاجتماعية السكانية ترفض تغيير أنماط سلوكها وعيشها، لكن آلة النمو العالمية تتوارى تحت حاجات السكان إلى التعليم والثقافة والأجهزة الحديثة والخدمات المتطورة.
وتقوم القوى المحلية المتخلفة بتخصيص الموارد في رفاهيتها وهذا يؤدي إلى الخلافات العميقة وتفجر الصراعات حتى تدرك النخب السياسية الواعية قوانين التطور القارية والعالمية، وتعي عالمية الرأسمالية التوحيدية العاصفة.
فليس غزو الكويت هو نتاج فقط لرأسمالية حكومية استبدادية بل كذلك لنمط رأسمالية بذخي فاشل في توظيف رأس المال من جانب آخر.
وغياب الوعي بهذه الضرورات يقود إلى الكوارث كعدم اكتشاف قوانين الصواعق والجاذبية، مثلما أن عدم جذب قوى العمل المعطلة في الوظائف الحكومية والنساء والريف يقود لجلب عمالة أجنبية تضيع المليارات المطلوبة في تطوير الاقتصاد في مجتمعات الجزيرة العربية.
لكن القوى الواسعة في الشرق حيث تشتغل مئات الملايين من العمال تتكشف الضرورات الاقتصادية أسرع من غيرها، حيث ان هوامش البذخ محدودة كذلك، مما يقود الصينيين والهنود إلى اكتشاف قوانين الرأسمالية الحديثة بالتدريج حسب الخبرة الاقتصادية وعمليات الخسائر من الأدلجة.
وإذا كانت كل رأسمالية وطنية شرقية تتطور بالصراع مع مخلفات الإقطاع المحلي وبالتغلب عليه، فإنها تتطور كذلك بالصراع مع الرأسماليات الغربية المصدرة بكثافةٍ وبتوسعٍ كطرائق لانقاذ نفسها من الركود الداخلي ومن ضيق الأسواق ومن أجل جلب الفوائض من الدول الشرقية.
وبهذا فإن الرأسماليات الشرقية الكبرى تقوم بتطوير قوى إنتاجها بمعدلات سريعة، وتجلب الاختراعات وتقلد وتدعو الشركات الأجنبية الغربية إلى التوطن داخلها، مثلما تجدد قواها المنتجة البشرية وتحدثها بالعلوم فتغدو عوامل تفوقها على الرأسماليات الغربية ممكنة، وهكذا تتحول الصين إلى الدولة الثالثة في الإنتاج العالمي، وتتصاعد مكانة دول كبرى شرقية أخرى وتتجاوز دولاً غربية كثيرة.
عبر هذين التداخل والنمو الصراعي المشترك تتداخل سمات الرأسمالية العالمية كمنظومة كونية، وتنتقل البشرية العاملة الشرقية لمستويات القوى العاملة الغربية، خاصة في مستويات العمل الفكري، وهذا كله له ثماره على الأنظمة السياسية التي تنتقل للديمقراطية كلما تطور وعي الغالبية العاملة، مثلما أن القوى العاملة الغربية تؤثر بقوة أكبر في أنظمتها السياسية.

صحيفة اخبار الخليج
4 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

الثالوث والعسكر

تتقارب إسرائيل الصهيونية وإيران العسكرية وسوريا الشمولية في تفضيل خيارات العنف على الحلول السلمية.
في بحرٍ من أهل السنة المحيطة بالدول الثلاث والمخترقة لها من الداخل كذلك، تنبعثُ أساطيرُ الماضي وأحقاده ومشروعات الضباط الكبار والبيروقراطيات الحاكمة للهجوم ولبقاء السيطرة ورفض الديمقراطية وتقبل حكم الأغلبية.
تشكل العالم الإسلامي من خلال سيادة السنة، عبر أنظمة محافظة، وحاولت الأقلياتُ الدينية والمذهبية المشاركة في السلطة من دون جدوى، وكما كانت الأنظمة شمولية استعارت الأقليات المنهج نفسه، وكانت ظروفاً مشتركة لعالم قرون وسطى له قوانينه الخاصة.
في يومنا هذا توجهت هذه الأنظمة الثلاثة للاحتلال والتدخل وتصعيد حلول العنف، وهي ليست مصادفة أو نتاج مزاج خاص، بل هي جزء من سيرورة التاريخ المعقدة، ونتاج عقلية معقدة وجزء من مشكلة الأقليات الدينية التي لا تمتلك تجربة كبيرة في المرونتين العقدية والسياسية، سواء كانت صهيونية قفزت على تطور الديانة اليهودية الإنسانية وركبتْ على أكتافها من خلال ايديولوجيا برجوازية استعمارية فجرتها لمواجهات مناطقية وعالمية للاحتفاظ بالخصوصية اليهودية المهيمنة بدلاً من الذوبان في بحر الديمقراطية الغربية، أم أقليات إسلامية عاشت على الصراع مع أغلبية المسلمين، فاستنفرت دائماً غضبها، وأنشأت أسوجة حادة حولها، وأسهمت أنظمة دكتاتورية في تصعيد هياجها السياسي وخوفها.
وخطورة هياجها هي في توحدها مع العسكر. عسكرٌ هنا يمتلك قنابل نووية، ويحتلُ أراضي عربية بغرور وقصر نظر ولإدامة الخلافات بين الشعوب والأديان، وعسكرٌ هناك يتدخل في شؤون شعوب أخرى ويغرقها بالدم، وعسكر هناك أيضاً يقودُ بلداً كبيرا لمغامرات خطرة على الصعيدين المناطقي والعالمي.
في صراعات الثالوث وتداخلاته وتعاونه غير المباشر ثمة خاصية مشتركة هي المغامرات العسكرية وتهديد حياة الشعوب في المنطقة. والإرادة لكل عنصر من الثالوث بأن يكون أكبر من حجمه الديني القومي الخاص، وأن يعلو فوق الجميع.
الانفجارات وأعمال العنف تتصاعد بضراوة، وهي سياسة تذكرنا بطرائق الحشاشين في الزمن الماضي، وطرائق الاغتيال وتصدير المؤامرات وتحريك الأقليات لأعمال العنف.
لكنها في الزمن الراهن بلغت شيئاً هائلاً، وقد استغلت طبيعة العديد من الأنظمة غير العادلة في المنطقة التي لا تقوم بتنميات وطنية وتعتمد على طرائق حكومات الأقليات نفسها في الهيمنة والحكم الفئوي الطائفي.
كيف تمت الاختراقات وتفجرت الحروب؟
لماذا لم تستطع الأنظمة العربية ومنظمة التحرير سد الفجوات الداخلية لكي لا تتسلل مخططات الثالوث؟
والقاعدة هي الدراكولا المستخدم في كلِ حالةِ مصِ دماء.
هل ستتحول الأنظمة العربية كلها إلى ما يشبه العراق؟
لماذا لم تستطع القوى السياسية في العراق وغيره أن ترتفع إلى أن تكون قوى وطنية وليست طائفية؟
لماذا لم تستطع الأنظمة العربية أن تستفيد من التناقضات داخل إسرائيل ووحدت القوى الإسرائيلية كلها في صف الدكتاتورية الصهيونية؟
أين هي المساعدات للقوى الديمقراطية في إيران وسوريا واليمن وغيرها من الدول ذوات الاحتقان؟
الثالوث يهاجم ويتدخل ويمزق الصفوف والآخرون يقفون في حالات جمود وانتظار للضربات.
لابد من وقف العنف داخل كل نظام وفي المنطقة عموماً، وإيجاد تعاون اقتصادي بين الجميع، وإنهاء الاحتلالات والعداوات الدينية والقومية، وهذا يتطلب جهود كل القوى السياسية ووضع حد لتسلط قوى أركان الحرب.
لكن الشعوب تتحرك في كل اتجاه، تحركات حذرة ضعيفة في الغالبية، وهي التي أُثخنت بالضربات.

صحيفة اخبار الخليج
3 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

الانتخابات لن تجري غداً

من يطالع صحافتنا اليومية يكاد يشعر أن الانتخابات النيابية ستجري غداَ، وكأنه ليس هناك أكثر من عام يفصلنا عنها. هناك بورصة من الأسماء والقوى يجري تداولها خبط عشواء، وبعض من يُصرحون للصحافة يوحون لقارئهم أو السامع لهم أنهم ضامنون للفوز بالمقعد النيابي بلا منازع. إحدى الصحافيات في واحدة من جرائدنا اليومية سألتني منذ نحو أسبوعين أو ثلاثة عن رأيي في الأمر، فقلت أن الأمر لا يعدو كونه صنعة صحافية، لا تعكس حراكاً فعلياً على الأرض، فالخريطة الانتخابية لن تتشكل وتتبلور في صورتها الجدية إلا قبيل الانتخابات بفترة وجيزة، حين يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود للجميع. أما ما نقرأه الآن في الصحافة فلا يعدو كونه مجسات وبالونات اختبار واستدراج لردود الفعل، ومن يطالع ما يجري تداوله سيلاحظ أن اللاعبين الثانويين، أو حتى من هم أصلاً ليسوا لاعبين، هم من يكثر الحديث عن صورة الانتخابات القادمة، أما اللاعبون الرئيسيون، والدولة في مقدمتهم، فما زالوا يلزمون صمت أهل الكهف تجاه ما يدور، مختارين لأنفسهم موقع «الطماشة» على ما يكتب ويقال، وكأني بلسان حالهم يقول: سترون كيف تكون الأمور في حينها. وبطبيعة الحال فانه كلما ازدادت مغريات المقعد النيابي، أو حتى البلدي، من رواتب تقاعدية أثارت ما أثارت من استياء واستهجان، وعن ما يقال عن امتيازات أخرى على الطريق تنتظر النواب، فان شهية الطامحين تزداد. لن نقول انه ليس من حق الراغبين في الترشح للانتخابات القادمة من قوى وأفراد أن يستكشفوا مبكراً إمكانيات ترشحهم ومدى حظوظهم، لكن ما تؤكده التجربة أن الجادين في الأمر لا يقومون بذلك بهذا الشكل الاستعراضي، وإنما يعملون عليه بحرفية وصمت، لذا فان هذا الكرنفال «الانتخابي» المبكر يبدو مفتعلاً ومصطنعاً، وربما خلفه يقف من يريد مشاغلة الناس بأمر الانتخابات قبل أوانها، ليجري توجيه الرأي العام في وجهة تحرفه عن الحديث في القضايا الماثلة الآن. إذا استقرت التجربة البرلمانية في البلاد، فان الانتخابات، على أهميتها، ستغدو إجراء روتينيا كل أربع سنوات، يكون في حجمه الحقيقي، لا في اتجاه الانتقاص من أهميته، ولكن أيضاً ليس في اتجاه تحويله إلى قضية مصيرية كبرى، فالبلدان التي اعتادت الانتخابات صارت تنظر بهدوء واتزان لهذا الحدث حين يحين موعده، لأن اللعبة السياسية تدار وفق قواعد متوافق عليها، كل ما تفعله نتائج الانتخابات هو أن تضفي عليها رتوشاً تزيد أو تنقص، لكن قضايا الناس الكبرى وتأمين لقمة عيشها تظل هي الأساس، وهي ما يجب الانشغال به سواء في موسم الانتخابات، والأهم خارج مواسم الانتخابات، لأنها في الانتخابات تغدو شعارات ووعوداً، والناس تنتظر الحلول والمعالجات الفعلية لا الوعود. حسناً، فلينشغل المنشغلون بأمر الانتخابات منذ الآن طالما كان ذلك يحقق غايات في نفوسهم، لكن لا بأس من التذكير أن الانتخابات لن تجري غداّ، وأن المجتمع معني بالانشغال بقضاياه الملحة التي تؤرق الناس وتضغط عليهم، أكثر مما هو معني بانتخابات قد لا تغير مخرجاتها الشيء الكثير في واقع محكوم بقواعد صارمة نعرفها جيداً، أكثر مما هو محكوم بالرغبات والأماني.
 
صحيفة الايام
3 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

العمامة والسياسة

لقرون طويلة منذ ظهور المذهب الشيعي في الاسلام ظلت عمامة رجل الدين الشيعي تحتفظ بمنزلتها المقدسة في اوساط اتباع هذا المذهب وتضفي على معتمرها الوقار الديني والروحاني المميز بما تومئ اليه لما بلغه صاحبها من مكانة علمية وفقهية مميزة ولما يتحلى به من حكمة ومناقبية وخصال في الخلق ومكارم الاخلاق تقتدي في سموها بمناقب الرسول (ص) والأئمة وآل البيت. ولقد ساعد على تفرد هذه المكانة التي تبوأت بها العمامة الدينية من منزلة رفيعة في المجتمعات الشيعية استقلالية الحوزة الدينية عن السلطة منذ نشوئها على امتداد قرون وابتعادها عن معترك الحياة السياسية المباشر.
والى عهد قريب منذ قيام الثورة الايرانية عام 1979 ظلت العمامة الشيعية تكتسب هذه المنزلة المتميزة في المجتمع الشيعي التي تضفي على صاحبها امارات الوقار والحكمة والحلم والعلم وتفرض وجودها على رأس صاحبها احترامه من قبل مختلف الافراد والاوساط الاجتماعية اينما حل واينما نزل في ذهابه وايابه كائنا من يكون معتمرها، اي حتى ولو كان مجهول الاسم والانتماء العائلي لدى الناس.
هكذا على سبيل المثال كانت منزلة ومكانة رجال الدين الشيعة في البحرين الذين كانت اعدادهم قبل الثورة الايرانية اقل بكثير من ربع اعدادهم اليوم وقبل ان ينغمس جلهم في الصراعات السياسية والحزبية ويتم اقحام العمامة او توظيفها في الشأن السياسي اليومي فيصبح الكثير من معتمريها نشطاء سياسيين وقادة حزبيين واعضاء برلمانيين ورجال سلطة، كما في ايران وعراق ما بعد الغزو الامريكي، فيعجز أصحابها السياسيون كأطراف وقوى في حلبة معترك العمل السياسي اليومي لهم خصومهم مع نظرائهم من اصحاب العمائم في الطائفة الواحدة ان يتبوأوا بالمكانة المتفردة التي تجمع عليها الامة كما كان حال اسلافهم ونظرائهم قبل قيام اول دولة “شيعية” في التاريخ الاسلامي الحديث.
لقد كتبت عما فعلته السياسة بالعمامة الشيعية غير مرة في اكثر من مناسبة، منها كما اتذكر غداة مقتل السيد عبدالمجيد الخوئي في الصحن الحيدري بالنجف عشية انتهاء الغزو الامريكي للعراق، وكان ان نقلت بعض اجمل ما قرأته عنها على لسان البحاثة التراثي العراقي رشيد خيون “ارى منزلة العمامة كمنزلة المطر، تحيي القلوب عند جفافها وموتها، ودليلي على هذا ان العمائم حفيدات عمامة اعتمرها صاحب الضريح المنير في وادي النجف، وهي هدية من الرسول له وكان اسمها السحاب، جاء في لسان العرب وتاج العروس حول علة التسمية، سميت به تشبيها بسحاب المطر، وهل هناك نقاوة تفوق نقاوة ماء السحاب؟ المفروض ان يكون اصحاب العمائم متسامين بعواطف نقية كماء السحاب يندفعون الى السلام اندفاع الدلافين للغرقى، من دون ان يحسبوا حسابا للكراهية والبغضاء”.
وفي موضع آخر يعبر خيون عما لحق بمنزلة العمامة الشيعية المقدسة من اذى بفعل السياسة والتسييس في عصرنا، عصر ما بعد قيام الدولة الشيعية “كم يبدو معتمرها هزيلا وهو يحشو بدنه تحت كرسي السلطان، يطوع له العامة بالكلمة المقدسة. لقد كان من اعراف وطباع مراجع النجف ان يأتيهم السلطان ولا يأتونه، فالضيف مهما بلغت منزلته أقل عزة في لحظة الاستضافة”.
“والعمامة كما نعلم تاج لمن يقدر منزلتها ويصون مسئوليتها وكم تبدو نافرة عن رأسه ان اخل معتمرها بشرط من شروطها”.
أما الباحث العراقي النجفي محمد جواد الطريحي فيصف العمامة بأنها “تجسد المثال الرائع للإنسان الكامل في فضيلته وتواضعه الجم كلما تقدمت شوطا في مضمار العلم النافع، لا ان تكون مسلكا لعبيد الدنيا ممن كان الدين لعقا على السنتهم يحوطونه ما درت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون…”.
(مجلة الموسم، هولندا، العددان 23،24، عام 1995).
ويضرب الطريحي أمثلة عديدة من التاريخ الحديث لرموز تاريخية ودينية من اصحاب العمائم في العراق وايران ممن كانت عمائمهم تتبوأ منزلة رفيعة لدى مختلف الاوساط الدينية والمذهبية والاجتماعية في مجتمعاتهم بفضل ما لعبوه من ادوار دينية وتاريخية ولما تميزوا به من مناقبية وصفات مميزة في شخصياتهم رفعت من منزلة ومكانة العمامة التي يعتمرونها واضحت رمزا بامتياز لمكانة صاحبها ولجدارته باعتمارها.
لكن منزلة العمامة اليوم لم تعد تضاهي في حصانتها ومنزلتها في عصرنا ما كانت عليه في عصورها الغابرة الزاهية قبل ان تعرف التسييس ويصل العديد من اصحابها إلى كراسي الحكم والسلطة، إذ تسجل وقائع التاريخ المعاصر حوادث لا تحصى بما لحق بالعديد من اصحابها من اذى وانتهاكات واساءات فظة تحقيرية وجهت اليها مباشرة، ولعل من المفارقات الصارخة ان يجرى ذلك على ايدي اصحاب العمائم وفي ظل دولتهم، فكم كان امرا محزنا ومؤلما ان يباغت احد افراد السلطة رئيس البرلمان السابق الشيخ مهدي كروبي ، وهو نازل من سيارته، لينزع منه عمامته ويظهره حاسر الرأس أمام الملأ. وكم هو امر مؤلم ومحزن ان يجر الشيخ محمد علي ابطحي بلباس السجن الى المحكمة حاسر الرأس كمجرم من دون عمامته.
هكذا فعلت السياسة.. وهكذا فعل التسييس.. فإلى متى يا ترى ستظل على هذا الحال؟ ومتى يعود اليها عصرها الزاهر؟

صحيفة اخبار الخليج
2 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

رفع التناقض بين القطاعين العام والخاص

لكلِ بلاد شرقية طريقتها في التوصل إلى رفع التناقض بين القطاعين العام والخاص، ففي أغلبية هذه الدول التهم القطاعُ العامُ الاقتصادَ، وتمت تنمياتٍ بأشكالٍ شتى، فيها تطورٌ اقتصادي وفيها تنمياتٌ كبيرة للجيوب الخاصة كذلك.
الخروج من سيطرة القطاع العام وجيوبه المثقوبة والحفاظ على التنمية وتطور القوى العاملة هي همُ الشرق كله، وتحدث هنا عقلانيات مختلفة، وعلينا أن ندرس هذه القضية المحورية دراسات معمقة بمناخ هذه العقلانيات، لأن اللاعقلانيات تعني الحروب الأهلية والصراعات السياسية المجهولة المصير وتمزق البلدان التي نشهد لها نماذج كثيرة.
في البلدان التي سُميت شيوعية زوراً التهمتْ الدولُ قوى الإنتاج، وشكلت تنمية كبيرة توقفت عند الأشكال الكبيرة للصناعات التحويلية، وفيما بعد ذلك عجزت عن التطور الصناعي، فعجزت عن مسايرة الاقتصاد الرأسمالي “الحر” في ثوراته التقنية.
وقامت الإدارات الصينية في جمهورية الصين الشعبية بالخروج من هذه الهيمنة، بتوسيع حضور القطاع الخاص، لكنه ليس أي قطاع خاص، بل القطاع الخاص الصناعي الشعبي الواسع النطاق.
بطبيعة الحال تمثل تجربة الصين الشعبية تجربة رائدة في الخروج من سيطرة القطاع العام الكاملة.
ولا يمكن تقليدها لاختلاف وضع الصين وخصوصية تجربتها وقيامها بالتنويع بين القطاعين العام والخاص بشكل تاريخي سابق، بحيث ضبطت عملية التطور المركبة المتناقضة كذلك.
فمؤسسات القطاع العام الكبرى التي تحتل أغلبية الاقتصادين الزراعي والصناعي، تم كسر احتكارها وأقيمت مؤسسات للقطاع الخاص في بعض المناطق الكبيرة وأثبتت نجاحها عبر نمو استيرادها للخارج بحيث تم توسيعها لتشمل مناطق أكثر.
“حتى نهاية يونيو الماضي، هناك أكثر من 6 ملايين و900 ألف مؤسسة من القطاع الخاص في أنحاء البلاد، وبلغت رؤوس الأموال المسجلة زهاء 13 تريليون يوان صيني، وبلغ عدد العاملين فيها 82 مليونا و120 ألف شخص، وبزيادة مقدارها 31،5% و11،9% و9،3% على التوالي مقارنة بنهاية العام الماضي”.
ومن الجوانب المهمة في التجربة الصينية تشغيل المنتجين الصغار وتحويلهم إلى ركيزة للاقتصاد:
“لقد استطاعت الصين أن توظف العامل البشري توظيفاً جيداً الذي يبلغ 5،1 مليار نسمة ، من خلال المشروعات الصغيرة والقروض الطويلة الأجل، وبالتالي تحولت المنازل إلى ورش عمل صغيرة في وقت يوجد وكيل للتسويق”.
استمر القطاع العام في إنتاجيه الزراعي والصناعي باعتباره الركيزة الكبرى للاقتصاد، لكنهُ طورَ القطاع الخاص الإنتاجي على نحو تجريبي أخذ يتصاعد وتـُدرس نتائجه في كل مرحلة، مما خلق تطورا اقتصاديا وطنيا كبيرا.
ولم يحدث ذلك إلا عبر القروض، ثم اعتمد القطاع الخاص على نفسه وجلب فوائض كبيرة للاقتصاد الصيني.
هذا التعاون بين القطاعين العام والخاص هو شكل التجربة الصينية ذات الظروف الخاصة، وهو من وجهة نظر الدولة شكل من التدرج في المجتمع الاشتراكي لتطوير القوى المنتجة كي تكون في مستوى الانتقال للاشتراكية.
“وقد تكللت هذه التجربة بالنجاح، ففي عام 1992 بلغ حجم التجارة الخارجية للمناطق الخمس الخاصة (24) مليارا و(280) مليون دولار. وهي تشكل نسبة (65،14%) من حجم التجارة الخارجية للصين”، (دراسة في التجربة الاقتصادية الصينية، أحمد عبدالأمير الأنباري، شبكة النبأ المعلوماتية).
لايزال القطاع العام مسيطراً على أغلبية الإنتاج، ويظل القطاع الخاص صغيراً ومحدوداً في الاقتصاد الصيني.
لكن لماذا يظل القطاع العام سلبيا وغير قادر على تكوين تطور تقني كبير ويعرقل القفزات الانتاجية، في حين ان ظهور القطاع الخاص أدى إلى تفجر الاقتصاد الصيني بالفوائض؟
لقد قامت الدول الاشتراكية بالقفز على التطور الطبيعي، وأوجدت هياكل اقتصادية توقفت عن النمو، وصارت العودة للاقتصاد الرأسمالي ضرورة، لكون الملكية الفردية ذات فاعلية أكبر، وهي تنشئ سوقاً تنافسية.
يغدو رفع التناقض بين القطاعين العام والخاص تاريخيا، أي يبدأ بأشكال صغيرة حتى يتعمم في الاقتصاد كله، فتنافس القطاعات الاقتصادية يخلق السوق ويؤدي إلى تطور القوى المنتجة، بينما سيطرة قطاع الدولة تؤدي إلى ذبول الاقتصاد ونهشه من قبل البيروقراطيات. وليس هذا حبا في الرأسمالية بل هو التطور الموضوعي للاقتصاد.
إن للاقتصاد الرأسمالي قوانين عامة يبدأ الشرق تطبيقها وهو يمتلك قطاعات عامة كبيرة، ودور قيادة الحزب الشيوعي هو اختيارها الدقيق للتنمية الصناعية على مستوى شعبي.

صحيفة اخبار الخليج
2 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

عن الثقافة الديمقراطية

ضمن برنامج المجالس الرمضانية الذي ينظمه معهد البحرين للتنمية السياسية، قدم صديقنا الدكتور باقر النجار محاضرة عن الثقافة الديمقراطية في مجلس النائب جلال فيروز، وقد أجاد المحاضر في طرح أفكار مهمة على صلة بهذا الموضوع، مستعرضاً مكونات الثقافة الديمقراطية وأوجهها، ومستشهداً بتجارب بلدان مختلفة، غربية وأخرى داخلة في النطاق الآسيوي كالهند وحتى الإسلامي مثل ماليزيا. ويبدو لي أن الثقافة الديمقراطية في أي مجتمع لا تنفصل عن الممارسة الديمقراطية، وإذا كانت الأفكار تمهد للتحولات، فان التحولات هي التي ترسخ الأفكار وتوطد دعائمها وتجعل منها نمطاً من الوعي والعيش، وبالتالي فإننا لا نتوقع أن تشيع الثقافة الديمقراطية في مجتمعٍ يهاب الممارسة الديمقراطية ويخشى ما ينجم عنها من مفاعيل. أنظمة الاستبداد في الشرق، وعالمنا العربي في القلب منه، روجت، وما تزال، أن شعوبنا غير جديرة بالديمقراطية، لأنها ليست ناضجة لها، فهي تتطلب وعياً وثقافة وتعليماً، ولكن هذه حجة العاجز أو الخائف من ولوج الممارسة الديمقراطية، لأنه يجد فيها تهديداً لمصالحه في الانفراد بالسلطة والثروة، فيما الديمقراطية تتطلب المشاركة والتقاسم في الأمرين. الثقافة الديمقراطية تفترض الممارسة الديمقراطية، التي من خلالها نختبر قابليات الناس لأن يحسنوا استخدام الديمقراطية، التي تتطور تدريجياً، والمجتمعات كافة، من خلال التدريب الديمقراطي، تتدرب على إدراك أهمية الديمقراطية وأهمية ما يقترن بها من مكتسبات، وأهمية أن تصبح هذه الديمقراطية ثقافة وتعليماً نتلقاهما في كل مفاصل الحياة، بما في ذلك في غرف البيوت وفي غرف الدراسة. للهروب من الاستحقاق الديمقراطي تقول أنظمة الاستبداد إن لنا ديمقراطيتنا النابعة من ظروفنا وعاداتنا وتقاليدنا، ولا يمكننا مجاراة شكل الديمقراطية في الغرب، ويذهب الغلو ببعضهم ليقول انظروا ماذا فعلت الديمقراطية في لبنان: لقد أحرقته، لكن ليست الديمقراطية هي من أحرق لبنان، وللدكتور سليم الحص قولة مأثورة في هذا المجال هي:” في لبنان الكثير من الحرية وفيه القليل من الديمقراطية”. الراحل الدكتور إسماعيل صبري عبدالله ردّ مرة على الأطروحات القائلة بأن ديمقراطية الغرب لا تناسبنا بحجة دامغة، حين قال ما معناه: فليكن الأمر كذلك، شريطة ألا يكون البديل هو غياب الديمقراطية كليةً. ليست الشعوب هي من يتحمل غياب الثقافة الديمقراطية، إنما الحكومات، لأنها تحجب الديمقراطية وتقمع المطالبين بها، وتتطاول على فضاءات المجتمع المدني فتصادرها كاملة، وبالتالي تحول دون المجتمع في أن يكون قوة متكافئة مع الدولة، والدولة، منظم وناظم ضروري لأمن المجتمع واستقراره وتنميته، إذا وفت هذه الدولة بشروط العدل والمساواة بين مواطنيها، وحين تضعف الدولة أو تنهار يضعف المجتمع أو ينهار. لكن قوة الدولة يجب ألا تكون على حساب قوة المجتمع، فلا بد من بلوغ مرحلة من توازن المصالح، بموجبها يحفظ المجتمع مهابة الدولة ويحترمها ويلتزم بالأنظمة والقوانين التي تنظم سبل الحياة في البلد المعني، مقابل أن تحترم الدولة استقلالية المجتمع المدني، وتقر بمجاله المستقل عنها الذي لا يحق لها مصادرته أو احتواؤه والتدخل فيه. على القوى الفاعلة في المجتمع أن تتحلى بالثقافة الديمقراطية، هذا صحيح، ولكن شرط ذلك أن تكون الدولة ذاتها قد أهلت نفسها بهذه الثقافة أولاً.
 
صحيفة الايام
2 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

رحيل عبقري النشيد الوطني الروسي

يعد النشيد الوطني لأي دولة من اهم الرموز الوطنية الروحية المعبرة عنها وعن شعبها، وتوازي اهميته في هذا الشأن أهمية العلم في الدلالة على هوية هذا الشعب، ويتوقف نجاح وعظمة اي نشيد في مدى قدرته على التعبير عن هوية شعبه بشفافية بالغة تلامس شغاف قلبه وأحاسيسه الوطنية المرهفة المعبرة بصدق عن مكونات تلك الهوية في مرحلة تاريخية معينة تجسد ثقافة هذا الشعب بخصوصياتها المميزة وتعبر في ذات الوقت عن عبقرية روحه الابداعية الوطنية.
ومن هنا فكلما جاءت كلمات النشيد وألحانه قادرة على التعبير عن هذه الروح ومخاطبة أحاسيس الشعب ووجدانه والتعبير عن هويته ومكنون آماله الوطنية والقومية كان هذا النشيد قادرا على استمالة اكبر عدد من فئات الشعب والاستحواذ على افئدتهم حيثما يجدون هذا النشيد معبرا عن آمالهم وغاياتهم الوطنية بصدق بالغ.
لذا فإن اكثر الدول نجاحا في نشيدها الوطني هي الدول التي يحظى نشيدها بإجماع الشعب والامة عليه كنشيد معبر عنهم جميعا، في حين ان النشيد الذي يفتقر الى صدق الاحساس لحنا واحاسيس في التعبير عن الشعب او تطغى عليه الاعتبارات الحزبية او الفئوية او يأتي معبرا عن النخبة الحاكمة اكثر مما يأتي معبرا عن الشعب عادة ما يصبح هذا النشيد فوقيا سلطويا انعزاليا لا يتمتع بالحد الادنى من تجاوب الشعب معه او ترديده بتلقائية عفوية في المناسبات الوطنية بدافع وحافز وطنيين صادقين حرين وبانجذاب طوعي تلقائي.
ولعل هنا تكمن بالضبط ازمة الاناشيد “الوطنية” في معظم الدول التي تحكمها انظمة شمولية، فغالبا ما تكون اناشيدها هي بمثابة اناشيد سلطوية فوقية، لا تحظى بالاجماع الوطني باعتبارها “اناشيد” رسمية مفروضة غريبة على روح الشعب وضميره وثقافته الابداعية السياسية والوطنية.
واذا كانت تلك مأساة الاناشيد “الوطنية” في ظل الازمة الدكتاتورية والشمولية حيث تفتقر الشعوب الرازحة في ظلها الى نشيد وطني خاص معبر عنها فإن ذلك لا يعني بالضرورة ان كل الشعوب التي تتمتع بأنظمة ديمقراطية قادرة على ابداع نشيدها الوطني المميز الخاص الذي يحظى بتجاوب وحماسة الشعب برمته. ذلك بأن ابداع نشيد وطني من هذا القبيل تتحكم في الوصول اليه جملة من العوامل الثقافية والتاريخية ذات الخصائص المحددة التي تختلف من بلد الى آخر. وبالمقابل فليس بالضرورة ايضا ان يعجز كل نظام شمولي عن ابداع نشيد وطني مميز يحظى بتجاوب وتعاطف وحماسة شعبه على الدوام من دون ان يعرف هذا التجاوب والحماسة الفتور، فهنا ايضا ثمة عوامل وسمات ثقافية وتاريخية محددة تلعب دورا في صنع او فشل هذا النجاح للنشيد، إذ يمكنه النجاح اذا ما كان هذا النظام قد تمكن من قيادة شعبه في المرحلة التاريخية الملموسة الى تحقيق اهداف وطنية محددة.
ولعل من اكثر الانظمة العالمية التي استطاعت ابداع نشيد وطني ويحظى باجماع تعاطف وتفاعل الشعب معه النظام السوفيتي السابق، وما ذلك الا بفضل واحد من اكبر العباقرة الروس الا هو الشاعر الروسي الكبير سيرجي ميخالكوف الذي غيبه الموت عن دنيانا يوم الخميس الماضي الموافق 27 أغسطس عن عمر ناهز 97 عاما.
لقد استطاع هذا الشاعر الروسي العبقري الكبير ان يصوغ كلمات النشيد التي تعبر ببلاغة مكثفة عن روح ليس الشعب الروسي فحسب بل الشعوب السوفيتية جمعاء المنضوية تحت لواء الدولة السوفيتية. وعلى الرغم من انهيار هذه الدولة وجد النظام الروسي الجديد ان ذلك النشيد الوطني مازال حيا بقوة في نفوس وأفئدة الملايين من الشعب الروسي، ومازال هذا الشعب متعلقا به لارتباطه القوي بذاكرته الوطنية والقومية المعاصرة التي ما برح يعتز بها ايما اعتزاز.
ولذا فلم يجد النظام الجديد، وتحديدا في عهد الرئيس فلاديمير بوتين، مناصا سوى اعتماد الحان النشيد الوطني السابق نفسه للنشيد الجديد مع ادخال تغييرات في كلماته التي كانت تعبر عن شعارات ورسالة الدولة الاشتراكية السابقة.
ومن المعروف ان فقيد روسيا الشاعر الشهير ميخالكوف، مؤلف كلمات النشيدين السوفيتي السابق والروسي الحالي، قد ولد في مارس عام 1913 من عائلة نبيلة، وفي مطلع الثلاثينيات اخذت الصحف الروسية بنشر قصائده. ومن اشهر اعماله مجموعات قصصية موجهة الى الاطفال. وبالرغم من انهيار الاتحاد السوفيتي مازالت مؤلفاته القصصية المخصصة للأطفال تحظى بشعبية جارفة في روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة، وقد حصل على جائزة لينين و4 جوائز دولية سوفيتية وجائزة الدولة الروسية. وفي العام الماضي 2008 تم تكريمه بأعلى وسام في روسيا “وسام القديس اندرواس”.
 
صحيفة اخبار الخليج
1 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

منهج آخر للجزيرة العربية

الاتجاهات العربية التقليدية تواصل معاركها اللفظية مع الاستعمار والصهيونية.
مضت عقود طويلة ومعارك كبيرة ونتائج خاسرة هائلة، لكن لم تتجدد تلك المناهج والرؤى التقليدية الشمولية، وبقيت خميرة راكدة لم تنضج لطبخة جديدة، ولم تنتج أفكاراً خلاقة، وكادت أن تموت هذه التيارات التي ناضلت طويلاً وتخثرت.
وتمسكت بقوى دينية هي أكثر منها جهلاً بالتطور التاريخي وبالتعقيد السياسي، واللغة بسيطة، والشعار سهل: هاجموا العدو، لكن مهاجمة العدو بتلك المناطحات انتجت المزيد من التراجعات والهزائم.
لم تحدث في هذه الصفوف السياسية تطورات اجتماعية كبيرة: قراءات أعمق للأفكار الحديثة ونشرها بين الناس، إعادة نظر للنظريات والفلسفات والتجارب السياسية، بسبب أن الأجيال الجديدة الملتحقة بالجماعات القومية والدينية لا تقرأ ولا تدرس وتكتفي بحفظ الشعارات القديمة نفسها.
كذلك فإن احتكاكها بالعمال والفقراء محدود، ولا تسمع سوى الضخ الذي يأتي من بقايا الأنظمة والحركات الشمولية العسكرية، وقد كانت معاركها هي التي استنزفت القوى البشرية المناضلة وعرت الشجرة الخضراء ولم تبق سوى أوراق صفراء تتساقط واحدة بعد أخرى.
إن التصدي للاستعمار والصهيونية والتخلف هو واجب علينا، ولكن كيف؟
هذه هي القضية.
تداخلت قضية تغيير الأنظمة الشمولية الدموية بقضية التحرر، فقد قامت هذه الأنظمة الشمولية نفسها باستدعاء القوى الغربية وكرستها في منطقتنا بأساطيلها وأسلحتها، والآن يقوم النظامُ الإيراني بشكل مقارب لذلك، أي يستدعي القوى الغربية والحرائق، بالحجج الواهية نفسها عن مقاومة الاستكبار العالمي.
كانت الخطوات تنمو باتجاه التخلص من القوى الغربية، فتضخمت تلك الأنظمة ونفشت ريشها، وخربتْ الكثيرَ من السياسيين والمثقفين لكي يؤيدوا سياستها القومية الاستعراضية التي جلبت النتائج الكارثية المعروفة.
في حين كانت نتائج صراع الأنظمة العسكرية الشمولية في قلب الوطن العربي قد وسعت من الاحتلال الصهيوني، وجاءت سياسة السلام لتخفف من ذلك، ولتنسحب إسرائيل عن مواقع مهمة، ولكن سياسة التهور والانفراد جلبت الكوارث وصعدت القوى المتطرفة في إسرائيل وأعادتها للحكم وليبقى الاحتلال مرة أخرى.
إن محور المراهقة القومية والدينية يتجدد بأشكال مختلفة، وكلما قام نظام عسكري شمولي حرك قواه المختلفة ليخرب أي علاقات سلمية بين الشعوب، ولتتجدد المعارك من دون أي نجاح للعرب وأي تقدم لقضية تحرر أراضيهم وأبعاد القوى الأجنبية عن المنطقة.
سياساتهم كانت ولاتزال هي إسقاط الأنظمة ولكن على رؤوس الشعوب.
لماذا لا يقدرون على سياسة النضال التدريجي؟
هذه تتطلب تطوير القوى الشعبية وحياتها وظروفها، ومعارفها وتنظيماتها النقابية والسياسية، وهي سياسة صبور تتجنب المغامرات وتحول حياة الناس كذلك، وهم لا يستطيعون ذلك، بل هم مشغولون بالمانشيتات الساخنة الحارقة والألعاب النارية.
لابد من حراك لتغيير التخلف في منطقتنا الجزيرية الخليجية بصورة مغايرة لما ساد عربيا قبل عقود، يجب أن نتجاوز ما ساد عربيا وننفيه فكريا وسياسيا.
– دراسة أوضاع العمال والفقراء وكيفية تغيير حياتهم وتطوير ثقافتهم بما في ذلك الحراك النقابي التحويلي لظروفهم، مع دعم الأنظمة السياسية وتحولاتها الليبرالية والتحديثية والديمقراطية.
– دعم تحولات وحريات النساء بما يحافظ على تطور الأسر والتماسك فيها وتكريس العائلة المنتجة الديمقراطية.
– دعم التحولات الإسلامية الديمقراطية، عبر تكريس العقلانية وقراءة تراثنا بصورة موضوعية توحد المسلمين وتحررهم وتشكل روابط عالمية تحديثية نهوضية كبرى بينهم.
– تشكيل سياسة خارجية نشطة تستند إلى مبادرة السلام العربية مع تكوين جبهات واسعة من قوى السلام والديمقراطية في المنطقة والعالم لهزيمة التوسع الصهيوني.
– تطوير قوى الإنتاج الصناعية والعلمية في المنطقة.
إنها مهماتٌ صعبة في طوفان من التحولات والهجمات والمؤامرات ولكنها ممكنة إذا قاومنا التطرفين المغامر الطفولي والإسرائيلي معاً.
 
صحيفة اخبار الخليج
1 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

«اتصلوا بـــــــــــي!!»

تابعت بتمعن في الفترة الأخيرة بروز ظاهرة سياسية – وهي في طورها الجنيني – نأمل أن تكون في بدايتها تعبيرا عن ظاهرة انتخابية صحية أكثر من كونها مناورة وبالوناً سياسياً لمن يهمهم الأمر، متمنين لتلك الظاهرة أن لا تخفت قبل اقتراب مرحلة التنافس الانتخابي الساخن، حيث يبدو من تضخم هذه الظاهرة دوافعها السياسية الفعلية وتوجهاتها الدعائية الشخصية، وكأن الشخصية – وأنا هنا لا احدد أحدا – فهي ظاهرة بحرينية عامة بل وعربية في ظل غياب قيم المؤسسات السياسية وثقافتها – فهذه أو تلك تبدأ مشروعها الانتخابي مبكرا، بعضهم على شكل رسائل وتصريحات والبعض على طريقة عبارتنا المكررة “اتصلوا بي” وهي عنوان مقالتنا! نقول لهؤلاء جميعا مبروك عليكم ولكم تلك الاتصالات “الشعبية!” سواء كانت كل الدائرة أو الجزء الغالب منها أو حتى جزء من مجالسها ورموزها أو حتى عوائل وشلل، فهذا الاتصال “الجماهيري” المحدود ربما يكون قوة دفع إعلامي وجس نبض لشارع يكاد يكون مرتبك خلال السنوات الأخيرة بالكثير من المؤشرات ومن أسوئها الظاهرة الطائفية والذهن الضيق المحدود لفهم معنى التجربة الديمقراطية ومعنى الحريات العامة، وهي انتكاسات عبرت عن نفسها في بداية الانطلاق عام 2002 في تلك الثنائية والعلاقة ما بين النائب والناخب. وبما أن الشارع السياسي والإعلام المفتوح والمستعجل كان يلوم المترشحين – كتلا أو أشخاصا – عن كونهم يتحركون متأخرين، نجد اليوم الحالة العكسية كالتحرك بشكل هائج ومائج وغير مدروس حتى من باب فن الإعلام والعلاقات العامة، وهي مؤسسات ربما يجهل غالبية من يخوضونها لأسباب عدة لسنا في وارد ذكرها. من رددوا عبارة “اتصلوا بي” سيتكاثرون تباعاً وسنجدهم يفتحون مجالسهم لتلك القبائل الجماعية السياسية القادمة من “زرانيق الفرجان” والذين يجدون في كل شلة صغيرة قوة انتخابية كأصوات مبعثرة ولكنها في النهاية تقود إلى قبة البرلمان ولا يهم بعدها إلى أين يمضون ويكملون “الكوت ستة” المهم هم حالة اشتعال غاضب وانفعالي دون معنى وهم حالة انسياب دائم دون توقف، فكل ما يحركهم هو ذلك الوعي المنصوبة شراكه دائما تحت عباءة صغيرة تجيد فن اللعبة، وهي محاطة ببيت الأسرار وكمائنه. قلنا سابقاً وفي سنوات عدة إن الحياة الديمقراطية في عقودها الأولى ستكون مخاضاً وتجربة عسيرة يتعلمها جيل كامل من الشبان، وهم الرعيل الفعلي الذي ستكون الديمقراطية مشروعه المستقبلي. لهذا عبارة اتصلوا بي لن تتوقف بقدر ما سنراها ظاهرة لغوية “مكثارة ومدرارة” عبر التصريحات المتتالية في إعلام بوابته الصحافية تقوم على نغمة التركيبة الشخصية والهاتفية وما بعد تلك النغمة الرنانة، فأصحاب الأقلام الصحفية هم أيضا، صاروا يودون نسخ عبارة اتصلوا بي لكونهم أيضا تم الاتصال بهم، فنحن لا نريد اتهام الزملاء بأنهم لم يتم توجيههم وإنما تحركهم كان مجرد محض الصدفة. ما نراه هذه الأيام من “بازار” التصريحات النيابية والهلوسة السياسية، وفن الاستعراض الخطابي والشخصي، يجعلنا نتوقف أمام الظاهرة بنوع من الريبة السياسية، خاصة وأن كل من خبر المعترك السياسي لا يقع بسهولة في مستنقعات الأوراق الصفراء ولا حتى البيضاء بل ولا حتى الالكترونية، فما تنشره المواقع الالكترونية قد يكون أسوأ وأكثر عدوانية وفظاظة لكونها خالية وبعيدة عن عنصر الرقابة والأخلاقية المهنية. نرحب بكل مودة بهذه “الموضة السياسية” في بلدنا خاصة وأن هذه الموضة مرتهنة بفضاء الانتخابات وزمنها وبعدها ندخل بسلام آمنين في موضة الاجتماعات النيابية دون أن نرسم ذهننا ونعيد صياغة برامجنا لشارع بحاجة لوعي استراتيجي يستصرخنا لإنقاذه من لوثة فكرية وسياسية تحاصره من كل الجهات والاتجاهات، في ظل ظروف محلية ودولية لا تخدمه بتلك السهولة التي نتوهمها أحيانا، وكل رهاننا بات اليوم على قدرة شعبنا “الصغير المفتت” بروحية العداء الصامت بين نسيجه الكاذب، فليس كل ما يكتب ويقال في الساعات الوردية والمناسبات هو حقيقة ما يعيشه الناس في فصول وشهور السنة وتقلباتها الحياتية. وما دام بازار التنافس الانتخابي في بدايته، فإن عجلة وأصوات “الباعة” وفرقعة عجلاتهم وهم يروجون بوسترات انتخابية وأسماء لم تطبع بعد صورها في المطابع، فإن كل ما يهم الشارع السياسي ومجالسه هو متعة الإشاعات وتداخل الحقائق معها، بحيث ينتفخ البالون بالماء، طاقته الانفجارية اكبر من تلك النفاخة الصغيرة. وكما يقال، إن الإشاعات عندما تنطلق تتسع لوحدها، فما بالنا إن كان هناك فريق قادر على صنع تلك القيم الحداثية لفن تحريك وتشويش شارع صغير بحجم بلد كالبحرين. سنتابع بكل هدوء الظاهرة وهي تتسع وتقترب من مرمى الهدف إلى أن نستمتع يومها بمناخ انتخابي هو في النهاية عرس وتجربة بحرينية تتراكم بكل علاّتها وعللها، المهم أن نسعى جميعنا، أن نجد في تلك التجربة ملاذنا القانوني والأخلاقي والدستوري، أما تفاصيل الأشياء بما فيها اللسان، فإننا لن ننجح قط بمنع الألسن من قول ما تريد. ألم نقل يوماً إن اللسان ليس به عظم!
 
صحيفة الايام
1 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد