­

المنشور

أزمة الطبقة الحاكمة في إيران

دخلت الصراعات السياسية في إيران مرحلة بانورامية واسعة، مثل شاشة كبيرة مليئة بالألوان السياسية المتداخلة المتصارعة، بين تظاهرات نخبوية خلاقة مستمرة، ومحاكمات تتردد بين الشدة والتسامح، ورئيس متصلب يصعد ويثبت قوته يوماً بعد يوم ويبدو في كيس مشترك صاعد مع الضباط الكبار في الحرس “الثوري”، فيظهر دور جديد للمراجع الشيعية الكبيرة ذات التوجهات الديمقراطية.
والجانب الأكثر إثارة هو بروز خلاف بين المرشد الأعلى ورئيس الجمهورية، حيث يقوم المرشد بتقليص سيطرة الرئيس ويخلق توازناً بينه وبين البرلمان والقوى الأخرى، فيما يندفع الرئيس في سياسة ملونة بين مغازلة حكومات الغرب المتصاعدة والغريبة لديه وبين قمع المعارضة الديمقراطية الدينية.
مثل أي رأسمالية حكومية شرقية يتركز الصراع إما في الطبقة الحاكمة، وإما بين الطبقة الحاكمة كممثلة لهذه الرأسمالية الحكومية العامة وبين الرأسمالية الخاصة، أو في الحالة الثالثة بين الرأسماليتين العامة والخاصة وبين الأقاليم المتمردة على سيطرة العاصمة والمدن الكبرى.
وإذا كانت هذه الحالاتُ الثلاث مُضمرةً في كلِ صراع اجتماعي شرقي كبير فإن تطور علاقات الإنتاج المحددة في كل بنية اجتماعية، يحددُ الحلقة في كل بنيةٍ، أي في كل بلد حسب تطوريه الاقتصادي والاجتماعي.
وإيران تنطبقُ عليها صراعاتُ الطبقة الحاكمة الرأسمالية العامة، بين توجهيها: القوى العسكرية مالكة الشركات الحربية والصناعية، التي يقع الحرسُ الثوري في بؤرتِها، وبين القوى الرأسمالية الحكومية المدنية، التي تريدُ لجمَ التمدد العسكري الصناعي، والعودة للحكومة المدنية السلمية، وهي التي تتمثل بمرشَحي الرئاسة الخاسرَين.
فما تعترض عليه قيادة الحرس الثوري تجاه موسوي ليس ليبراليته أو تدينه بل غموض سياسته تجاه التصنيع العسكري، وعدم تأييده لها في ذلك بصريح العبارة، في حين أن منافسه يصر على ذلك.
إن ذلك مرتبط بمسائل المواجهة الزائفة مع الغرب وإسرائيل التي تتخذ حجة في إدامة مثل هذه المشروعات العسكرية الواسعة، ولكن لا يوجد خلاف على مسألة المشروع النووي، مما يعبر على اتفاق عام وطني هنا.
لكن تقليص المشروعات العسكرية يعني انتقال جناح السلطة للمدنيين، وهو أمرٌ تؤيدهُ بقوة جماهير الشعب، ويترتب على هذا الانتقال تغيير أولويات الدولة، وانتقالها من عالم المواجهة مع ما يُسمى محور الاستكبار، إلى العلاقات الطبيعية مع دول العالم.
إن غياب مصطلحات المواجهة وعالم الاستكبار والعنف من خطاب موسوي وتركيزه في الإصلاح والتنمية وتطوير الحريات في مصطلحات عامة مجردة، يشيران إلى القوى البيروقراطية الحكومية وهي تعيدُ أولوياتِها في عالم الرأسمالية الحكومية الإيرانية، التي تواجه صعاباً كبيرة في التطور الاقتصادي، لكنها تحافظ على هذا التوجه الرأسمالي الحكومي، ولا تريد الخروج منه، وهذا يتشكل لدى موسوي كسياسة (اشتراكية إسلامية) على غرار الخلافة الأولى.
إن الصعوبات الاقتصادية غدت كبيرة كتراجع مداخيل النفط التي يتوجه أغلبها للتسلح، وتردت محاصيل زراعية عديدة خلال السنوات الأخيرة، رغم التطورات التقنية في مجال الزراعة. إن استقرار الأرياف يلعب دورا مهما في استقرار السلطة في العاصمة، والفساد في القطاع العام يمثل هدراً كبيراً آخر في الاقتصاد. هذا كله يعيد صورة زمن الشاه نفسها، حيث تفاقم الأزمة الاقتصادية خاصة في الريف، لكن كانت الحريات الاجتماعية تخفف من قبضة الشاه الحديدية، بينما النظام الديني الشمولي يفتقد مثل هذه الحريات الاجتماعية التي تنفس عن الناس.
هذا ما جعل البيروقراطية الحكومية تبحثُ عن مخرج للأزمة، مخرج إعادة الأولوية للقطاع المدني، والتنفيس عن الجمهور وخاصة الشباب المحتدم بالرغبات الحديثة الذي صار يتابع الإعلام الغربي بتوسع، وبضرورة إعادة مداخيل مهمة للريف وتنميته، وتوسيع حضور النساء في الحياة الاقتصادية والسياسية.
لكن نجاد كممثل للحرس الثوري التف على هذه السياسة الشعبية المعارضة، الطفيفة في تحولها، عبر تخفيف لهجة الصراع مع حكومات الغرب وإسرائيل، ومغازلة الاتجاه الحديث بتعيين النساء في وزارته، والاصرار على وجود صهره المؤيد لحكومات الغرب، الذي صار شخصية محورية في الحكومة، كما استمر في تكسير رؤوس المعارضة.
استطاع الجناح المسيطر على الأدوات الدينية الكبرى والسياسية والعسكرية أن يتوه الجناح المعارض عبر جملة من الإجراءات السياسية التي تبدو بين الانفتاح والتشدد، وبين التسامح والقهر، لكنها تخدم عملية تفكيك صفوف المعارضة، وتجذب قطاعات شعبية معارضة، وتكرس نهج سيطرة الحرس الثوري على الحكم، وبقاء إيران في خندق “المواجهة” النازفة لاقتصادها.

صحيفة اخبار الخليج
6 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

العم توم يغادر كوخه للبيت الأبيض

استغرق العم توم قرونا طويلة لكي يغادر كوخه نحو المجهول، ولكي يقطع تلك المسافة التاريخية الطويلة، كانت أمامه طرق وعرة لا نخال طبيعتها بأن تكون واحدة، فالعم توم تمتد سلالاته التاريخية لبشر تم دمغهم بالحديد الساخن كما يتم كي جلد البقر أو البهائم في الحظائر لكي لا تضيع وتختلط، وبتلك الأختام النارية القاتلة والمؤلمة كان يتم التعرف على ملكيتها ولمن تعود ملكيتهم، فلكل سيد اقنانه والكليشية التي صنعها بنفسه كختم تعود ملكيته لأجداده. وبمثل ما ورث العبد ورقة عبوديته في تلك الأختام النارية ورث الأعيان والأسياد ورقة ملكيتهم أيضا من خلال تلك الأختام والأوراق المحفوظة في الصناديق الخشبية المغلقة بأقفال تحتاج إلى مطرقة خاصة يكسرها العبيد أنفسهم، ولكنهم لا يقوون على تكسير سلاسل عبوديتهم بتلك السهولة، في أزمنة كان الفقر والبؤس احد أسباب الخنوع في القبول ببراثن العبودية، فمن لم تكن لديه ماشية وارض للزراعة يموت جوعا لو هرب في طرقات وصحراء شاسعة، بل ولا يجرأ أن يخفيه شخص أو جماعة بتلك السهولة التي نعرفها في يومنا. لم تكن المدينة تنامت لكي يهرب لها العبيد، ولم تكن الاقطاعيات سهل الوصول لها لكي تحتضن اقطاعية أخرى عبيدا هربوا من خصومهم وأعدائهم من أسياد اقطاعية أخرى. حدث ذلك في حقبة زمنية مختلفة، إذ سهلت عملية نشوء عصر المدن تلك الظاهرة، ولكن الإمبراطوريات لم تكن ارحم كما نعتقد، كما إن احتضان اقطاعية أخرى لعبيد هاربين لا يعني أنهم سيحصلون على صك الحرية والغفران بمجرد أن تقع أرجلهم داخل تلك المملكة الجديدة لنبيل اخر ظل حاملا سوطه بشكل يشبه السيد الاخر. اللغات ربما اختلفت، الأماكن أيضا اختلفت، الثقافات كلها اختلفت، ولكن ما ظل واحد هو ذلك النهج القاسي من العبودية البغيضة، التي كان على متمرد من طراز سبارتاكوس أن يحطمها ويغزو بها جدران المملكة المحظورة، ويحرك من خلفها جيشا جديدا من العبيد نحو روما المنهارة. هذا الحلم نحو الحرية انفجر في التاريخ كما ينفجر ماء الأرض، وهطل كالمطر الغزير كما تفعل السماء عندما ترتعد فيها الغيوم غاضبة. فللحرية أبواب واسعة تطل فجأة وتفتح طريقا لا يغلق أبدا. لم تهدأ روما بعد ذلك الحريق السبارتاكوسي، مثلما لم تهدأ سفن العبيد القادمة من أفريقيا المرتجفة بإيقاع الألم وهي تمخر فيما وراء المحيط الأطلسي لعالم تم تسميته بالعالم الجديد، فقد كانت أوربا القديمة نموذجا مختلفا لم يعد يتسع لأبنائه، فما كانت الهجرة البيضاء إلا منها ولم تكن الهجرة السوداء إلا من أفريقيا، ولكي ينجح المهاجرون البيض في بناء حضارة الشمس لهم هناك، كان عليهم أن يروضوا الرجل الأسود في تلك المزارع، بعد ان اكتشفوا ان الهندي الأحمر حصان لا يقبل التهجين، فقرروا بدلا من استملاكه تدميره بشريا بفكرة تصفيته جسديا وإبادته من الوجود نهائيا. نجحوا بعض الشيء في تلك الفلسفة الإنسانية المقيتة، ولكنهم قرروا استبدال كائن باخر، آلة بآلة، وفروة ناعمة بفروة مجعدة وجلدة صفراء بجلدة سوداء، ولكنهم اكتشفوا، وهذا سر غباء الرجل الأبيض في حينه، إن الدماء الإنسانية لونها واحد، وأن العرق الأزرق والدم الأزرق وهو ما صنعته القارة الأوربية عندما كان لحظوة نبلاء أوربا قيمة ثقافية وحضارية مغلوطة! يحدث أن الخطأ التاريخي يصنع وجهين يدخلانا في صراع ابدي ومتاهات لم نكن نشتهيها. ولكننا كنا ملزمين بان نحتفظ بالإنسان الجديد والقادم من قارة أخرى وكقيمة استبدالية بسلعة محلية وبسكان أصليين. في عرف التاجر لا يهم شكل ولا نوع السلعة دائما وإنما قيمتها التبادلية في السوق، وقد تكون اقل من قيمتها الفعلية، فالناس من السهل غشهم دائما. استمرت لعبة التراكم المالي ببيع الإنسان كسلعة، ومن خلال السفن المنهمكة في الذهاب والإياب بين قارتين يفصلهما المحيط، كان على الروائية الأمريكية هرييت بيتشر ستاو أن تكتب حكاية حقيقية عن كوخ العم توم، الذي غادره نحو البيت الأبيض والى الأبد، ولكنه بعد نضال مرير وطويل مع كل أشكال التحديات والموت والقهر الإنساني، ومنذ أن حطم العم توم قيوده وهرب جريا كان على الأحفاد انتشال المشعل من يده، لمواصلة طريقهم نحو اولمبياد البيت الأبيض، مثلما حملوا جوائز كبرى في محافل عدة اولمبية في بطولة الجري، وكأنهم يركضون نحو الحرية المفقودة. لكم كان مؤلم طريق الإنسانية من اجل نيل حريتها، والأعظم هو شعور السود بأنهم اخر حكاية مؤلمة في ملف التاريخ البغيض للإنسانية. فهل نواصل جميعا ومعا من اجل حقوق الإنسان؟!، والذي استغرق وقتا أطول بكثير من تلك القيود العظمى في التاريخ، فقد سجنت الحرية دائما في سجون الأقوياء والأثرياء والمتسلطين القادرين على ممارسة فن الغواية.
 
صحيفة الايام
6 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

هيئة مكافحة الفساد.. خطوة على الطريق!

لم تكن خطوة جريئة فحسب، تلك التي أقدمت عليها الحكومة مؤخرا بإحالة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد إلى السلطة التشريعية، بل خطوة مطلوبة طال انتظارها من قبل من يعنيهم أمر حماية المال العام وإصلاح الأوضاع المالية والإدارية في البلاد وصولا إلى الحكم الصالح الرشيد، حيث تحفظ الحقوق وتقنن الواجبات، وتساءل الوزارات والهيئات الرسمية والأهلية على قاعدة قانونية صلبة تتطور معها التشريعات والقوانين الناظمة لحركة المجتمع بأسره. احتفاؤنا بهذا الحدث يأتي تتويجا لجهود أهلية لم تتوقف عن المطالبة بتحقيق أعلى قدر من المساءلة والشفافية في إدارة الأموال والثروات العامة، وهي خطوة هامة على طريق شاق وطويل علينا أن نمشيه سويا بكل صبر وإصرار بغية الوصول إلى الغاية الأسمى التي يتطلع إليها كل شرفاء هذا الوطن نحو الحفاظ على خيرات وثروات هذا الوطن وتحقيق الإصلاحات المالية والإدارية المطلوبة، والتي حتما لن يستقيم مستقبل الإصلاح السياسي والاقتصادي من دونها. يجب القول إن البحرين قد اتخذت العديد من الخطوات الايجابية على طريق إصلاح أنظمتها المالية والإدارية، بعضها لم يعد مجرد عناوين وشعارات بل هي واقع ممارس على الأرض، نذكر منها مثلا ما يتعلق بإنشاء مجلس المناقصات الحكومية، والذي خول صلاحيات شبه تامة بالنسبة للمشتريات الحكومية وبضوابط لا شك أنها قللت من حجم الهدر في الموارد، ويبقى الطموح أن تتسع صلاحيات المجلس لتشمل الكثير من جوانب المناقصات الكبرى، حيث بالإمكان وضع ضوابط محددة لذلك، لتتم الاستفادة من خبرات من سبقونا من الدول القريبة والبعيدة، فالغاية في نهاية المطاف هي كيفية صيانة ثرواتنا الوطنية وهي ليست بالضرورة ثروات سائلة. كذلك يمكن الإشارة إلى ديوان الرقابة المالية والدور الرقابي الهام الذي يضطلع به، حيث تكشف تقاريره السنوية التي تحظى باحترام الجميع، وفيها من المهنية والمصداقية، ما يدعونا للمطالبة بتوسيع نطاق عمل الديوان بالدخول إلى المساحات التي تعذر عليه دخولها حتى الآن، كما إن تقارير الديوان تلك لا يجب أن تكون موضع ترف بل وسيلة من أجل تعزيز الدور الرقابي للمؤسسة التشريعية، حيث يبقى الدور الذي يقوم به مجلس النواب حاليا دورا ناقصا وهو الذي لم يشأ فتح أي من تلك التقارير التي بحوزته منذ العام 2006 حتى الآن. ما أردنا تأكيده هنا هو ما يقوم به كل من مجلس المناقصات وديوان الرقابة المالية من ادوار تندرج ضمن المهمة المنتظر أن تقوم بها الهيئة المستقلة لمكافحة الفساد، ليصبح أمرا مهما للغاية أن تتكامل الأدوار فيما بينها مستقبلا، خاصة وأن تراخي الدور الرقابي قد ينتج عنه الكثير من أوجه الفساد والسرقات التي قد يعرف منها اليسير فيما يظل الجزء الأكبر منها مخفيا رغم وضوح معالمها. من بين مجموعة الضوابط التي تضعها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وتتطلب مواءمة بنودها مع بقية القوانين المعمول بها على مستوى الدولة الواحدة، ما يختص بتطوير تشريعاتنا المحلية، حتى تتوافق مع ما نادت به الاتفاقية المنتظر إقرارها خلال الدور الرابع من الفصل التشريعي الثاني، خاصة إذا علمنا أن هناك مطالبات مستمرة من قبل الجمعيات السياسية والمدنية بضرورة أن يتلازم ذلك مع إقرار ومصادقة العديد من التشريعات المتعلقة بالإفصاح والشفافية مثل حق الحصول على المعلومة، وقانون حماية الشهود، وتطوير واستقلالية الجهاز القضائي برمته، وقانون عصري للصحافة والنشر، علاوة على تحقيق نظم النزاهة والمحاسبة لرقابة أداء القطاع الخاص أسوة بالقطاع العام، والإشراف على ممارسات المصارف والمؤسسات المالية ومنع غسيل الأموال والرشوة والمحسوبية والمتاجرة بالنفوذ. يبقى مهما القول، إن قيام هيئة مستقلة بشكل حقيقي لمكافحة الفسادين الاداري والمالي، بحيث تحميها الدولة ويصونها المجتمع، وتحظى باحترام الجميع، سوف يشيع بدوره مزاجا عاما مقاوماً لممارسات الفساد بكافة أشكاله، ولن يتم ذلك إلا عبر تحقيق قدر أسمى من الشراكة المجتمعية بين الدولة والمجتمع تقوم على حماية المال العام والثروات الوطنية وتحقيق نظم راقية للمساءلة والمحاسبة ويطبق لأجلها القانون بنزاهة على الجميع عبر كبح الممارسات المالية والإدارية غير السوية وإشاعة قيم العدالة والنزاهة وتحقيق أرقى درجات المهنية في الأداء والممارسة.
 
صحيفة الايام
6 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

نحو تشكيل هيـئة وطنية للتخطيط

 


ثمة فئات وشرائح من المجتمع البحريني تعاني أمراضا مجتمعية شاذة وغير سوية تجردت من خلالها من مصداقية الضمير الإنساني اليقظ وتخلت عن حمل الأمانة الوظيفية والمجتمعية والإنسانية سوى بالأساليب الملتوية والمشبوهة.. وهم المتجاوزون والانتهازيون وسراق مقدرات الشعب والمتلاعبون بالمال العام مستغلين مناصبهم الإدارية ومراكزهم القيادية من اجل تحقيق أطماعهم الذاتية وغاياتهم الانتهازية والنفعية والاستئثار بالثراء الفاحش غير المشروع القائم على مظاهر الفساد الإداري والمالي والأخلاقي والمعتمد على الصفقات المشبوهة والعمولات غير القانونية التي تجمع هؤلاء النفعيين والمتسلقين بقوة.. بحسب ما تلم شملهم تلك القواسم المشتركة من المصالح والمغانم الفئوية و”الشللية” والعائلية، ومظاهر الواسطة والمجاملة والمحسوبية والتربح السريع وتراكم المال غير المشروع.

وهكذا تظل عملية التحقيق والاستجواب التي قامت بها النيابة العامة مع ستة من المتهمين بمعهد التنمية السياسية وهم (المدير التنفيذي والقائم بأعمال مدير إدارة الشؤون القانونية، ومدير مكتب المدير التنفيذي، إضافة إلى ثلاث متهمات الرابعة والخامسة والسادسة) تمثل عين الصواب وإصابة كبد الحقيقة، بعد ما وجهت النيابة العامة إليهم تهم “الإضرار والاستيلاء على المال العام والتربح منه، والإضرار عمداً بأموال الدولة”، أضف الى ذلك فإن ثمة تهما أخرى وجهت إلى هؤلاء المتهمين وهي “(200) مستند عن العطاءات والتجاوزات بلغت (116) ألف دينار ومعاملات مع سجلات ومحال وهمية وغير موجودة”.

انه من الأهمية بمكان القول: انه أيا كانت الأمور في تمسك كل واحد من هؤلاء المتهمين بمعهد التنمية السياسية وإعلانه عدم مسئوليته ومحاولته تبرئة ساحته وسعي هذا المتهم الى إلقاء اللوم على زميله المتهم الآخر، وبالعكس ايضا فإن العبرة ستكون بالنتائج.. نتائج جهاز القضاء بحق هؤلاء هو الذي سيمثل الحكم القضائي الفاصل والحل النهائي العادل على كفتي ميزان العدالة.

ولعل الشيء بالشيء يذكر أن قضايا الاختلاسات والفساد والمحسوبيات التي حدثت تداعياتها وحقائقها في اوساط معهد التنمية السياسية، قد تذكر المواطنين والغيارى على المصلحة الوطنية العليا والمال العام، بما حدث سابقاً في أوساط العديد من الإدارات والمؤسسات والشركات في كلا القطاعين (العام والخاص) منها إدارة المرور، وشركة ألمنيوم البحرين (ألبا)، وجامعة البحرين، وشركة إصلاح السفن (اسري)، ومعهد البحرين للتدريب من اختلاسات وهدر المال العام وتفشي الرشا والمحسوبيات وعقد صفقات وعمولات مشبوهة، وتزوير وثائق وتواقيع استمارات وتجديد عقود لأجانب من ذوي البشرة الحمراء من دون علم وزارة العمل ومخالفات مالية وإدارية والاستيلاء على ملايين الدولارات عبر عملية النهب، ومن تحت الطاولات ووراء الكواليس.

لقد تفشت هذه الظواهر المرضية والممارسات المريضة كافة في أعماق أرضية هذه المؤسسة أو تلك والمعنية بهذا الشأن منذ أعوام خلت، مثلما ترجمت هذه الظواهر والممارسات بكل جلاء تلك العملية التراكمية المشينة للممارسات الانتهازية والنفعية والوصولية، برز أبطالها أولئك المفسدون في ظل غياب المحاسبة والمساءلة الذين أرادوا ومازالوا يسبحون في اتجاه معاكس لأنفاس الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمصالح الوطنية، بقدر ما وضع هؤلاء أنفسهم فوق القانون بنفوذهم وسلطاتهم.. فأهدروا المال العام والطاقة الإنتاجية وعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية وأساءوا إلى سمعة مؤسساتهم في أوساط السوق والمجتمع، مثلما شوهوا سمعة الوطن بحضارته وسيادته وأساءوا إلى تاريخ الشعب بنضالاته وتضحياته.

من هذا المنطلق يبقى القول البالغ الأهمية: إن الحتمية التاريخية وما يتمخض عنها من عملية الإصلاحات العامة ومبدأ حقوق الإنسان والعدالة والمساواة من جهة والضرورة المجتمعية والشعبية وما يترتب عليها من فعاليات الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني من جهة أخرى، قد تقتضيان أي (الحتمية التاريخية والضرورة المجتمعية) تشكيل هيئة للتخطيط مثلما أسلفنا الذكر بهذا الشأن في مقالات سابقة، من اجل تمكين جهاز الرقابة المالي والإداري من أداء مهماته ومسئولياته، على الوجه الأمثل، وفي دعم البرلمان المنتخب أيضا بشرط أن يكون على قدر من الكفاءة.. وذلك كله من اجل كشف مواطن الخلل ومواطن الأمراض والثغرات وإماطة اللثام عن مكامن أولئك المتجاوزين وملاحقة مَن تسول له نفسه من هؤلاء سراق المال العام وأولئك المتنفذين.. وإخضاعهم للمساءلة والمحاسبة وبالتالي مثولهم للمحاكمة.. عندئذ يتم تطهير المجتمع من أدرانهم، بقدر تطهير العديد بل الكثير من المؤسسات والوزارات من شتى مظاهر الفساد الإداري والمالي والأخلاقي في إداراتها وأوساطها وأروقتها والقضاء على مظاهر البيروقراطية والواسطة والمحسوبية.. وبالتالي النهوض بالمجتمع ومؤسساته في ظل مناخ نظيف خال من النواقص والعلل والثغرات.. ومجرد من مختلف الأدران وشتى الأمراض الاجتماعية.

 
أخبار الخليج 4 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

الأفراد الديمقراطيون المكوّن المهم للديمقراطية العربية وعلى الإسلام تحمّل دوره


أدار الأمين العام عضو مجلس أمناء معهد البحرين للتنمية السياسية  الدكتور حسن مدن ندوة نظمها المعهد حول ثقافة الديمقراطية وقدمها استاذ علم الاجتماع باقر النجار بمجلس النائب جلال فيروز.

وفي مداخلة للأمين العام  أشار في إلى أن “الحكومات تتحمّل المسؤولية الكبرى في عدم ترسيخ الديمقراطية، والأطروحات التي تنادي بأن الوضع المنطقة العربية لم ينضج بعد للديمقراطية قد أثبتت خطأها”.

وتابع: “أعتقد أن الثقافة الديمقراطية وثيقة الصلة بالممارسة الديمقراطية السياسية؛ لأنها تتشكل مع المجتمع، وهي الممارسة التي تصوغ هذه الثقافة السياسية والوعي السياسي بضرورة وجود هذه الديمقراطية”.

ولفت الأمين العام إلى أن “هناك فضاءً مستقلاً خاصًا بالمجتمع يجب أن يتشكل حسب أهواء المجتمع دون تدخل الدولة ودون أن تصادره أو أن تحتكره فئة، وعلى الجانب الآخر يجب أن يكون هناك احترام للنظم السياسية للدولة من قبل المجتمع”، مبينًا أن “ما يجب السعي إليه هو الوصول إلى نقطة لتوازن المصالح بين المجتمع والدولة، ويتم الوصول إليها عبر عدم تدخل الدولة في فضاء المجتمع، وعلى الأخير أن يحترم الدولة”.

وأكد الأمين العام أن “ذلك التوازن يفرض على الدولة بناءً عليه ألا تضيق بممارسات المجتمع الديمقراطية أو أن تصنفها لمجرد معارضتها على انها أدوات تعطيل أو تجاوزات. فإلى جانب التطوير السياسي والديمقراطي الذي يسير فيه المجتمع يجب أن تواكبه الدولة وتطور من أداوتها وتعاطيها مع المجتمع، كل ذلك يصب في تطور العملية السياسية”. 


 

 

الأفراد الديمقراطيون المكوّن المهم للديمقراطية العربية وعلى الإسلام تحمّل دوره

 

أكد أستاذ علم الاجتماع بجامعة البحرين باقر النجار أن “عملية التأسيس للديمقراطية العربية يجب ألا تكون في معزل عن الأفراد الديمقراطيين”. ولفت النجار في ندوة استضافها مجلس النائب جلال فيروز ونظمها معهد البحرين للتنمية السياسية أول أمس (السبت) إلى أن “مؤسستي الأسرة والتعليم هما أهم مؤسستين في التنشئة السياسية ولهما أدوات غير عادية في تفعيل الديمقراطية”، واستدرك “غير أن هاتين المؤسستين لا تعملان في فضاء مستقل بل إنهما تعملان في فضاء سياسي ومجتمعي وثقافي من شأنه أن يعطل التحول للديمقراطية”.

وبيّن أن “الحديث عن التلكؤ الديمقراطي في المنطقة العربية أرجعه الباحثون إلى عدة أسباب منها عوامل خارجية ، وعلى النقيض فقد رماها البعض على عوامل داخلية متمثلة في الدولة العربية واحتكارها القرار، على حين رماها البعض على القوى السياسية المختلفة وتحديدًا قوى الإسلام السياسي التي وصفت بأنها لا تؤسس لثقافة سياسية أو ديمقراطية”،

وتابع: “لذا يتم الحديث أن عملية التأسيس للديمقراطية يجب ألا تكون في معزل عن الأفراد الديمقراطيين الذين بدورهم يجب أن يكونوا في مفاصل المجتمع”.

وأكد أستاذ علم الاجتماع أن “الثقافة الديمقراطية لا تولد عند الناس ولا تورث بل يتعلمها الأفراد ويتدربون عليها عن طريق آليات وأطر ويأتي في مقدمتها الأسرة والتعليم والنظام الإعلامي والنظام السياسي والطريقة التي يحل بها الأفراد والمجتمع مشكلاتهم”.

جودة التعليم ركيزة مهمة للديمقراطية

على صعيد متصل، أوضح النجار أن “الثقافة هي جانب معنوي وكباحثين وعلماء في حقل العلوم الاجتماعية نشير إليها على انها الجزء غير المادي من المجتمع، وقد يختلف الكثير على آليات تشكل الثقافة إلا انهم لا يختلفون في أن الثقافة هي نتاج المجتمع وانعكاس له”.
ولفت أستاذ علم الاجتماع إلى أن “الثقافة تتشكل عموماً من جوانب سياسية أو دينية، أو قد تكون امتداداً لتاريخ معين أو قد تكون انعكاسًا لوضع اقتصادي أو حالة اجتماعية”، وأضاف أن “ لثقافة هي نتاج المجتمع فكل فرد هو مثقف حسب موقعه في المجتمع، وقد تأطرت الثقافة في جوانب مختلفة كالسياسة أو الجوانب الاجتماعية وغيرها”، مشيراً إلى أن “كثيرًا من الباحثين عند الحديث عن الديمقراطية يتحدثون عنها على أساس ممارسة، وهي فعلاً كذلك”.

كما أوضح النجار أن “لفهم أي مجتمع يجب أن تفكك ثقافته السياسية وينسحب ذلك لفهم أي تجمع سياسي وتعتبر ثقافة المجتمع السياسية إطارًا يحدد الكثير من القضايا السياسية”، واستدرك “إلا أن هذه الثقافة السياسية ليست كما هي الثقافة العامة داخل المجتمع الذي يمثل ثقافته الخاصة عبر الدين الذي يعتبر ركنًا أساسيًا في تشكيل السياسة في غالبية النظم العربية”، موضحًا “ففي مرحلة تاريخية ماضية لم يكن واضحاً دور الدين في السياسة ولكن خلال العقد الماضي برز الدين في تشكيل السياسة في اطر جماعات معينة”.
وقال أستاذ علم الاجتماع إن “الأطر التي تشكل الثقافة السياسية هي النظام السياسي، والأحزاب السياسية، والإعلام، والنظام التعليمي”، مشيراً إلى أن “النظام التعليمي هو من أهم آليات تأطير الثقافة السياسية وهو عنصر مهم وعامل أساسي في تشكل الناس ليس معرفيًا فقط بل بناء الناس اجتماعيًا وسياسياً كذلك”.

وأضاف: “نلاحظ ذلك في صراع القوى السياسية في العالم العربي للقبض على النظام التعليمي رغبة منها في تشكيل المنضوين تحت أجنحة تلك القوى السياسية عبر توجيه تشكليها السياسي في إطار معين”.

الخطاب الديني السياسي أبرز معوّقات الديمقراطية

إلى ذلك، أوضح النجار أن “أبرز التحديات التي تواجه أي تحول ديمقراطي في أي مجتمع بحسب الباحثين والكتّاب هي طبيعة الدولة العربية التي استطاعت أن تعود نفسها على تشكيل دولة قابضة على مفاصلها”، وبيّن أن “النظام السياسي للدولة يتحمل النصيب الأكبر من النقد بشأن التلكؤ في التحول الديمقراطي، دون إغفال للنظام المجتمعي الذي يتحمل جزءًا من هذا التلكؤ بسبب نزوع كثير من الجماعات للدمقرطة التي تتخذها وسيلة لمحاولة الوصول إلى مقاعد صناعة القرار ومن ثم احتكارها، مع الإشارة إلى أن طبيعة هذه القوى السياسية وطبيعة تشكيلاتها ليست ديمقراطية، وبذلك تعيد تلك الجماعات نفسها بناءً على الثقافة الأبوية على رغم نقدها ممارسات الدولة”.
ولفت أستاذ علم الاجتماع إلى أن “التحدي الآخر الذي يواجه التحول الديمقراطي هو التوظيف الديني للخطاب السياسي ويعرف أن الجماعات الدينية لا تعترف بالديمقراطية لذلك لا يرى فيها إطار لتنظيم المجتمع أو لتداول السلطة، لذلك فإن التحدي الأكبر للتحول الديمقراطي هو أن تغير تلك الجماعات من فكرها للديمقراطية”.

وأضاف أن “توظيف الدولة داخل المجتمع لحالة من الصراع المجتمعي يعد أيضا تحدياً أمام التحول الديمقراطي، بسبب إبقاء حالة التعاونيات المجتمعية كما هي الحالة في توظيف الطائفة أو القبيلة في الصراع السياسي، وهو ما يضر بالثقافة الديمقراطية لأنه في هذه الحالة يتم الحديث عن حصص سياسية تتم على أساس طائفي وقبلي”.


تجارب ناجحة للتحول الديمقراطي

واستطرد النجار قائلاً: “كثير من الدول يطرح أن التنوع الثقافي والإثني في المنطقة العربية هو أحد المعوقات أمام التحول الديمقراطي ولكن تجارب مثل الهند دحضت ذلك القول، فالهند استطاعت أن تشكل أكبر ديمقراطيات العالم وكذلك فإن أكبر دولتين انفصلتا عن الهند وهما باكستان وبنغلاديش يمثلان دولاً صرفة للفشل”.
وتابع :”كذلك الحال بالنسبة للنموذج الماليزي الذي استطاع أن يتحول إلى ديمقراطية على رغم التنوع والتعدد الإثني وقد سعت الدولة لأن تجعل هذا النسيج المتنوع عجلة تدفع بالنمو والنهوض غير العادي الذي ميز الدولة الماليزية”.
وأوضح أستاذ علم الاجتماع أن “ذلك ينطبق على الدولة السنغافورية التي استطاعت على رغم تنوعها المجتمعي أن تبني نظامًا تحكمه صناديق الاقتراع ومؤسساتها الدستورية”.

وأشار النجار إلى “النموذج التركي – الذي يعتبر ذا أهمية بالنسبة إلى الأنظمة العربية في إطار قدرة بعض جماعات الإسلام السياسي على إحداث تغيير مهم في ثقافتها السياسية من مسألة الإسلام – هو الحل لمسألة علمانية الدولة. وما حققته تركيا من صعود اقتصادي هو التحول في الثقافة السياسية لجماعات الإسلام السياسي التركية وهي تكاد تمسك بتركيا في كل المؤسسات السياسية باستثناء المؤسسة العسكرية، علاوة على أن الذين صوّتوا للنظام السياسي القائم كانوا من غير المسلمين”، لافتاً إلى أن “تلك المجتمعات استطاعت أن تشكل قوة دافعة للتحول الديمقراطي”.

فيروز: نائب الخدمات علّة قلة الوعي السياسي

في السياق ذاته، أوضح النائب جلال فيروز أن “على مستوى البحرين خصوصًا ليس هناك وعي ثقافي سياسي ذو درجة عالية، وذلك يعود إلى عدم الإلمام بالمهام السياسية والآليات الديمقراطية”.
وأضاف فيروز أن “النائب في البحرين يتلقى اتصالات من الناخبين يطلبون منه وضع مطب اصطناعي هنا أو هناك وهو خارج اختصاصات النائب البرلماني ولكنه يضطر لأن ينساق خلف تلك الطلبات وإلا الفشل والانتقاد من ناخبي دائرته”.

فخرو: الثقافة الديمقراطية تبدأ عند الأسرة

كما أشار المفكر د.علي فخرو إلى أن “البحرين جزء من الوطن العربي وما يجري في الوطن العربي ينعكس بشكل أو بآخر على الوضع في البحرين”.
وتابع: “نحن في البلاد العربية عبر امتداد التاريخ لم تتم بلورة رؤية سياسية تنظر في تداول الحكم وغيرها من الممارسات الديمقراطية ولكن حينما توجه نظرك للغرب فإنك ترى أن الديمقراطية مرت في مخاض طويل يعود إلى زمن أفلاطون الذي وضع بشكل أو بآخر أسسًا لتلك الديمقراطية”.
ولفت إلى أن “هناك العديد من الشخصيات الغربية بمختلف أطيافها التي ناقشت باستفاضة الديمقراطية وتدارسوها. والإشكال الذي يواجه الدول العربية هي عند تطبيق أول تجربة ديمقراطية في العصر الراشدي تزامنت مع الدولة الأموية والدولة العباسية اللتين رسختا الديكتاتورية”.
وأكد فخرو أن “إشكالاتنا هي عند الحديث عن الثقافة السياسية أننا لا نستطيع أن نرجعها إلى التراث العربي والإسلامي خصوصاً”، مبيّنًا “فالثقافة الديمقراطية تبدأ أساساً في العائلة، وعند النظر إلى العائلة العربية ترى أن الطفل العربي يؤمر ولا يخير، وبعدما ينتقل الطفل إلى المدرسة التي من الواجب أن تعزز في الطفل روح الديمقراطية نرى تطبيق العكس حيث يكون الطالب تحت إمرة المدرس ويكون المدرس تحت إمرة المدير وتكون المدرسة تحت إمرة الوزارة وهكذا دواليك”.
ودعا المفكر البحريني أخيرًا “الفقه الإسلامي إلى تحمل مهمته والبدء في ترسيخ الثقافة السياسية على أن تحمل المبادئ الكبرى كالعدالة والحرية والشرعية وتوزيع الثروة وتداول السلطة، فإن لم تتحرك تلك السلطة الدينية المهمة فسندور حول أنفسنا دونما نتيجة”.

مدن: مخطئ من يظن بمراهقة الديمقراطية العربية

أما مدير الندوة عضو مجلس أمناء معهد البحرين للتنمية السياسية حسن مدن، فقد أشار في مداخلته إلى أن “الحكومات تتحمّل المسؤولية الكبرى في عدم ترسيخ الديمقراطية، والأطروحات التي تنادي بأن الوضع المنطقة العربية لم ينضج بعد للديمقراطية قد أثبتت خطأها”.
وتابع: “أعتقد أن الثقافة الديمقراطية وثيقة الصلة بالممارسة الديمقراطية السياسية؛ لأنها تتشكل مع المجتمع، وهي الممارسة التي تصوغ هذه الثقافة السياسية والوعي السياسي بضرورة وجود هذه الديمقراطية”.

ولفت مدن إلى أن “هناك فضاءً مستقلاً خاصًا بالمجتمع يجب أن يتشكل حسب أهواء المجتمع دون تدخل الدولة ودون أن تصادره أو أن تحتكره فئة، وعلى الجانب الآخر يجب أن يكون هناك احترام للنظم السياسية للدولة من قبل المجتمع”، مبينًا أن “ما يجب السعي إليه هو الوصول إلى نقطة لتوازن المصالح بين المجتمع والدولة، ويتم الوصول إليها عبر عدم تدخل الدولة في فضاء المجتمع، وعلى الأخير أن يحترم الدولة”.
وأكد عضو مجلس أمناء معهد البحرين للتنمية السياسية أن “ذلك التوازن يفرض على الدولة بناءً عليه ألا تضيق بممارسات المجتمع الديمقراطية أو أن تصنفها لمجرد معارضتها على انها أدوات تعطيل أو تجاوزات. فإلى جانب التطوير السياسي والديمقراطي الذي يسير فيه المجتمع يجب أن تواكبه الدولة وتطور من أداوتها وتعاطيها مع المجتمع، كل ذلك يصب في تطور العملية السياسية”.

 

جريدة البلاد: عيسى الدرازي
31 أغسطس 2009

 

اقرأ المزيد

يا فرحة ما تمت‮!‬ أمريكا تنفرد بالمسرح الإمبراطوري‮ ‬لفترة وجيزة وحسب

ظلت الولايات المتحدة،‮ ‬رغم تفوقها البائن والواضح اقتصادياً‮ ‬وعسكرياً‮ ‬وتكنولوجياً،‮ ‬ظلت تتقاسم‮ (‬بصورة‮ ‬غير متساوية بالتأكيد‮) ‬المجالات الحيوية والنفوذ في‮ ‬العالم مع الاتحاد السوفييتي،‮ ‬وذلك على مدى الفترة الممتدة من عام‮ ‬1945‮ (‬نهاية الحرب العالمية الثانية‮) ‬إلى عام‮ ‬1991‮ ‬وهو العام الذي‮ ‬شهد انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي‮.‬ لذلك ما إن انهار الاتحاد السوفييتي‮ ‬وتفكك إلى خمس عشرة جمهورية مستقلة،‮ ‬حتى أضحت الولايات المتحدة القوة الوحيدة التي‮ ‬تهيمن على المسرح الدولي‮ ‬دون منازع أو منافس،‮ ‬وذلك في‮ ‬تكرار استثنائي‮ ‬للظاهرة الإمبراطورية الرومانية‮ (‬خصوصاً‮ ‬في‮ ‬عصرها الذهبي‮ ‬في‮ ‬القرن الثاني‮ ‬الميلادي‮) ‬والظاهرة الإمبراطورية البريطانية في‮ ‬العصر الحديث‮ (‬خصوصاً‮ ‬في‮ ‬عصرها الذهبي‮ ‬في‮ ‬منتصف القرن التاسع عشر وحتى العقد الثالث من القرن العشرين‮).‬ ولكن ذلك‮ ‬‭-‬‮ ‬ويا للمفارقة‮ ‬‭-‬‮ ‬كان إلى حين وحسب،‮ ‬فالولايات المتحدة الأمريكية لم تهنأ كثيراً‮ ‬بمركزها القيادي‮ ‬العالمي‮ ‬الانفرادي،‮ ‬ولم تتمكن من الاستفادة منه وتوظيفه،‮ ‬ولم تستغله لتوسيع وتعميق الفارق بينها وبين أقرب مطارديها من الدول‮ ‘‬المتربصة‮’ ‬لمزاحمتها وإزاحتها عن موقع تربعها على قمة العرش العالمي،‮ ‬ومن ثم تكريس نفسها على مدى أطول كقوة عالمية منفردة بزعامة الكرة الأرضية‮.‬ فلقد وضُحَ‮ ‬فيما بعد انجلاء‮ ‬غبار نهاية الحرب الباردة أن التعب مثلما هدَّ‮ ‬الاتحاد السوفييتي‮ ‬وأدى إلى ترنحه وسقوطه،‮ ‬فإنه نال أيضاً‮ ‬‭-‬‮ ‬وإن بقدر أقل كثيراً‮ ‬‭-‬‮ ‬من الولايات المتحدة الأمريكية،‮ ‬إذ خرجت من هذه الحرب الاستنزافية المتبادلة،‮ ‬والطويلة أيضاً،‮ ‬مثقلة بأعباء الأموال الطائلة التي‮ ‬أُنفقت وأُهدرت في‮ ‬هذه الحرب‮.‬ لقد وفرت نهاية الحرب الباردة وغياب منافسها‮ ‘‬الاستنزافي‮’‬،‮ ‬فرصة للولايات المتحدة لإعادة ترتيب أوضاعها الداخلية الاقتصادية والسياسية‮ (‬المتصلة بالطبيعة الاحتكارية لآلية الثنائية الحزبية،‮ ‬الجمهورية والديمقراطية،‮ ‬التي‮ ‬قننت ومركزت الحياة السياسية والثقافية الأمريكية وعلبتها ونمَّطتها إلى أبعد الحدود‮)‬،‮ ‬بما‮ ‬يشمل ذلك إعادة نظر كلية في‮ ‬النمط الاستهلاكي‮ ‬البذخي‮ ‬للرأسمالية الأمريكية التي‮ ‬اعتمدت بإفراط شديد على الاستهلاك الخاص والعام لتخليق إجمالي‮ ‬الناتج المحلي‮. ‬إلا أنها لم تفعل ذلك ما أدى إلى مفاقمة أزمة عجوزاتها الوطنية التي‮ ‬انفجرت في‮ ‬شكل أزمة ذكَّرت بأزمة الكساد العظيم لمطلع ثلاثينيات القرن الماضي‮ ‬وجرت معها العالم بأسره إلى دوامتها‮.‬ أمريكا اللاتينية التي‮ ‬تعتبرها الولايات المتحدة منذ‮ ‘‬مبدأ جيمس مونرو‮’ ‬لعام‮ ‬‭,‬1823‮ ‬حديقة خلفية،‮ ‬والذي‮ ‬يعتبر أي‮ ‘‬تواجد أجنبي‮ ‬في‮ ‬مجالها الحيوي‮ ‬تهديداً‮ ‬لأمن ومصالح الولايات المتحدة‮’‬،‮ ‬لم تعد تتهيب من وتتحسب لرد الفعل الأمريكي‮ ‬في‮ ‬نسج علاقاتها الدولية‮. ‬فاليوم أصبحت الصين والهند وروسيا شركاء تجاريين ومستثمرين مباشرين رئيسيين في‮ ‬بلدان القارة الأمريكية اللاتينية لا سيما بالنسبة للصين التي‮ ‬استطاعت خلال فترة وجيزة‮ (‬هي‮ ‬الفترة التي‮ ‬تنعمت خلالها واشنطن بوحدانيتها القيادية الكونية‮) ‬أن تخلق لها موطئ قدم راسخ في‮ ‬عدد من أبرز دول القارة،‮ ‬منها البرازيل التي‮ ‬أصبحت الصين أكبر الأسواق المستقبلة لصادراتها في‮ ‬الشهور الستة الأولى من العام الجاري،‮ ‬والبيرو التي‮ ‬استثمرت الصين فيها‮ ‬2‭,‬2‮ ‬مليار دولار لتطوير مناجم النحاس حيث ستتحول الصين إلى أكبر مستورد له من البيرو‮. ‬فضلاً‮ ‬عن الاستثمارات الصينية المباشرة في‮ ‬الصناعة النفطية في‮ ‬كل من البرازيل وفنزويلا وكوستاريكا والأرجنتين وعلاقات اقتصادية ومالية متنوعة مع بلدان أخرى مثل جامايكا‮.‬ أما الهند فإنها وإن كانت لازالت تتلمس خطواتها على صعيد علاقات التبادل التجاري‮ ‬مع أمريكا اللاتينية،‮ ‬إلا أنها نشطت بصورة كبيرة جداً‮ ‬خلال السنوات القليلة الماضية في‮ ‬الاستثمار خصوصاً‮ ‬في‮ ‬مجال تكنولوجيا المعلومات والبرمجيات والصناعات الصيدلانية والموارد الطبيعية‮.‬ حتى القارة الأفريقية أصبحت هدفاً‮ ‬للتوسعات الاقتصادية والاستثمارية الصينية والهندية والروسية‮. ‬وكالعادة نظر الغرب إلى هذه التوغلات‮ ‘‬الأجنبية‮’ ‬في‮ ‬إحدى مناطق نفوذه الحيوية،‮ ‬بمزيج من الريبة والحسد،‮ ‬وذهب بعض أجهزة إعلامه لحد اتهام الصين بخلق‮ ‘‬مقاطعات نيوكولونيالية‮’ ‬جديدة‮!‬ يقال إن الحروب المستقبلية ستكون حروباً‮ ‬مائية،‮ ‬وهذا افتراض لا‮ ‬يخلو من أساس موضوعي‮. ‬بيد أن الصراعات على مناطق النفوذ بين القوى العالمية الكبرى لم تنتهِ‮ ‬ولن تنتهي‮ ‬مادامت‮ ‬غريزة وشهية التوسع الرأسمالي‮ ‬ومراكمة الثروات باقية على حالتها‮ ‘‬الحيوية‮’ ‬المتدفقة‮.‬ الهند والصين عملاقان اقتصاديان صاعدان بقوة في‮ ‬الحياة الدولية،‮ ‬وهما بحاجة إلى مصادر طاقة ومواد خام هائلة لمقابلة الطلب المحلي‮ ‬المتزايد بسرعة لديهما‮. ‬ومن الطبيعي‮ ‬أن تسعى الدولتان لتأمين هذه الإمدادات من مناطق العالم المختلفة بما في‮ ‬ذلك القارتان الأفريقية والأمريكية اللاتينية اللتان لم تدخلا قبل ذلك ضمن حساباتهما وضمن عداد أسواقهما التقليدية‮. ‬ومن الطبيعي‮ ‬أيضاً‮ ‬أن‮ ‬يترتب على هذا التدافع الدولي‮ ‬على أسواق إمدادات الطاقة والمواد الخام حدوث صدامات لا‮ ‬يستبعد معها الشكل‮ ‘‬الساخن‮’ ‬لهذه الصدامات‮. ‬نعم العالم لم‮ ‬يعد إقطاعيات كما كان عليه الحال إبان الحقبة الاستعمارية،‮ ‬ولكن ذلك على الورق وحسب،‮ ‬فلا زال العالم مقسماً‮ ‬عملياً‮ ‬إلى مناطق نفوذ‮ ‬غير متوجة،‮ ‬ولكنها معروفة المعالم،‮ ‬خصوصاً‮ ‬بالنسبة للولايات المتحدة التي‮ ‬ورثت قيادة العرش العالمي‮ ‬من الامبراطورية البريطانية اعتباراً‮ ‬من عام‮ ‬1945‮ ‬والتي‮ ‬لازالت تمتلك كل مقومات القوة العظمى الأولى في‮ ‬العالم رغم ما أصابها من أعطاب بالغة‮.‬ فهل بوسع‮ ‘‬مؤسسة‮’ ‬النظام السياسي‮ ‬الأمريكي‮ ‬بآليات عملها الحالية،‮ ‬الدستورية والتشريعية والتنظيمية وهيكلتها الموروثة منذ نهوضها‮ ‘‬الإمبراطوري‮’ ‬الأول قبل أزيد من نصف قرن،‮ ‬وبما تمليه على المستوى الإداري،‮ ‬التنفيذي،‮ ‬من استراتيجيات وسياسات تنموية شاملة‮ ‬‭-‬‮ ‬هل بوسعها استيعاب صدمة تحديات المرحلة المستجدة المتمثلة تخصيصاً‮ ‬في‮ ‬الصعود الجدي‮ ‬والنوعي‮ ‬لمزاحمين ومنافسين جدد على صدارة المسرح الدولي؟ وهل تمتلك هذه‮ ‘‬المؤسسة‮’ ‬المتقادمة مقومات استعادة زمام المبادرة والنهوض ثانيةً‮ ‬لوقف التدهور في‮ ‬الموقف‮ ‘‬الزعامي‮’ ‬الأمريكي‮ ‬العالمي‮ ‬والحيلولة دون خسارة صدارته؟ نزعم أن المهمة ثقيلة وصعبة جداً،‮ ‬بل هي‮ ‬أصعب وأعتقد مما كانت عليه شروط الصراع إبان الثنائية القطبية‮. ‬فلقد ازداد عدد الطامحين في‮ ‬مركز الصدارة العالمية،‮ ‬فبعد أن كان الأمر‮ ‬يقتصر،‮ ‬عملياً،‮ ‬على دولة واحدة هي‮ ‬الاتحاد السوفييتي،‮ ‬فإن العدد ازداد اليوم إلى ثلاث دول على الأقل هي‮ ‬الصين والهند وروسيا‮. ‬والدولتان الأولتان الصين والهند تشكلان في‮ ‬الواقع تهديداً‮ ‬جدياً‮ ‬للولايات المتحدة نظراً‮ ‬لعمقهما البشري‮ ‬والعلمي‮.‬
 
صحيفة الوطن
5 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

“ثقافة” المحاصصة الطائفية

هي ليست ثقافة ولكنها قشور، وهي نتاج زوال أو تهشم الأنظمة الوطنية، وتستند هذه الثقافة الممزقة إلى ثنائية السنة / الشيعة، أو المسلمين/ المسيحيين أو اليهود، أو ثنائية المؤمنين / الكفار، أو ثنائية الليبراليين / الإسلام السياسي.
هي أشكالٌ من وعي متراجع في لحظة انهيار وتشظٍ، فما شكلته الحركات الوطنية بجهود الأحزاب التقدمية أساساً، من ثقافة جامعة مُغيبة لثنائياتِ الطائفية تصعيداً نحو مجتمع علماني ديمقراطي، راح الوعي الطائفي يعيدها إلى الوراء.
في عجز الرأسماليات الحكومية العربية عن النهوض بمهام الثورة الصناعية – العلمية – الاجتماعية، وتحجيمها للقطاعات الخاصة ومشروع الرأسمالية الصناعي الحقيقي، وبقاء الأرياف في تخلفها وفائضها السكاني الكبير، وفائض العمل النسائي المغيب والمعطل، تنهضُ البدائلُ المتخلفة لتعيدَ التطورَ للوراء، بسبب جهلها بالتاريخ، لعودتها لزمن ما قبل الحداثة، فتصعّد التوترات الطائفية والثنائيات المختلفة الاستنزافية من جهة والخالقة لفئات انتهازية من جهةٍ أخرى.
النظرات الجزئية الحولاء والذاتية النرجسية وترديد الأسطوانات المشروخة والكسل العقلي وعدم الإنتاج الحقيقي، وإطلاق مجموعات من الصارخين اليوميين بسب الطوائف ومدح الخرافات الدينية والسياسية، وصرف الكثير على هذه المستنقعات، والدعوات للظلامية وكره الحداثة والغرب الديمقراطي والعقلانية الإسلامية وتحبيذ الببغائية وتغييب المسرح والفنون الناقدة للواقع، بكل هذه الأدوات تواصل معسكراتُ الطائفية السيطرة على الكراسي وتوزيع الحصص المادية وتسلم الغنائم وإلهاء الشعوب عن القضايا الحقيقية وجرها للصراعات الجانبية أو الحروب الأهلية.
إذ غدت هذه النزعات (موضوعية) تركز في الجزئي، في قضية قرية مفصولة عن النسيج الشعبي، وعن القضايا العامة للواقع، والتبئير على مشكلات أفراد من الطائفة، أو مناطق، وعزل مدن عن نسيج البلد، والغائر هو أن الطائفة غدت شعباً، وتنقصها دولة، والجزئي هذا بلا تاريخ، ولا جوهر، فالوعي الطائفي بصفته وعياً متخلفاً لا يعرف ما هي سيرورة التاريخ، كيف ظهرت هذه الظواهر والمشكلات، ولا يدري أن وعيه هو ذاته مشكلة، هو جزء من نمو أشكال فكرية معينة في حضن قوى متخلفة، لا تعرف ما هي الأنظمة وعلاقات الإنتاج وتطورها الحتمي، فهي تجر الواقع للتقسيم وتدهور قوى الإنتاج، عبر أشكال فكرها الغائبة عن الوجود الموضوعي. فالأموال التي يُفترض أن تذهب لتطور الإنتاج توجه لتفكيك الإنتاج.
أي إنها تركز في أنماط السرقة الاقتصادية لا في نمط الإنتاج وتطوره، ولهذا تعيش على التسلق وتقديم الخدمات وملء السوق بالكماليات والرساميل التجارية والمصرفية المتضخمة على حساب صنع البضائع، مما يقود لأزمات على كل صعيد.
هذا على مستوى الثرثرة الفكرية يغدو شعارات وأحزاباً فارغة من الدراسة والعلوم ويؤدي إلى انتشار القوليين الذين يرصفون أي كلام طائفي، أو ينشئون السياسي الجزئي المشغول بسطوح الظاهرات.
ولهذا كانوا مسحورين في عقود سابقة بظهور هذه القوى الطائفية وانبهارهم بها، ويتصور الخراب فتحا تاريخيا، فينسحبون على مستوى الفكر من الإنتاج الثقافي العميق، وينسحبون على مستوى العمل من الإنتاج المادي المغير لأنظمة رأسمالية حكومية.
لنلاحظ كيف تحولوا في العراق كنموذج بارز إلى “حرامية” سلطة، واقتصاد، يسرقون البنوك في النهار.
ولنلاحظ كيف تدخل الأنظمة الطائفية في الصراعات المتفاقمة يوماً بعد يوم، ولاتزال أفواههم مفتوحة دهشة ولكن بلا عقول تحلل. ولصراعاتها وتمزقاتها آثار كبيرة قادمة لكنها أخطر من لحظة الولادة السابقة.
حين توجهوا للكيانات السياسية الطائفية كانت غريزتهم تقودههم للمصالح النفطية الكامنة وراء هذا الصعود، فلم تكن الخطابات الطائفية بمعزولة عن صعود النفط، ومن هنا شكلنوا الإسلام وكعادتهم هم غير قادرين على قراءة أعماقه، وإذا ارتدوا للحداثة شكلنوها، في شعارات ليبرالية كسيحة عن تحليل الإقطاع كبنى شاملة. فيقولون نحن الليبرالية والحداثة وأولئك هم الإسلام السياسي، وكلها أسربة من التحليلات.
إن بناء التنظيمات الطائفية خارج البناء الوطني هو رفض لتراكمه في العقلانية والديمقراطية، هو استعادة عالم الدويلات والخارجين على التراكم القومي المفترض.
لم يعودوا لمرجعياتهم المفترضة المشكلة من جهود أجدادهم بل قفزوا عليها، فيغدو النص السياسي ملصقات ذاتية لمصالح فئة عليا في الطائفة، تتبدل وتتأقلم وتتلون حسب هذه المصالح، فليس ثمة شيء موضوعي. وحين يتم إلغاء الشعب وتطوره التاريخي ويغدو فسيفساء طائفية تزول المعايير الموضوعية التي كونها هذا الشعب عن الملكية العامة والديمقراطية وجماعاته وقضاياه وتاريخه.
ما يجعلهم يعيشون عالماً من الاستقرار الزائف هو سعر النفط، وحين يزول هذا السعر فإن البناءات الوهمية كافة في السياسة والحياة الاجتماعية تتكشف.

صحيفة اخبار الخليج
5 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

أفكار هائمة


 

كالأرواح في أذهان كل الناس أفكار كثيرة، كل الناس يتأملون وتجتاحهم المشاعر، لكن ما يميز الكتاب هو إنهم يعبرون عن تلك الأفكار والمشاعر، كم مرة يحدث أن نقرأ نصاً لشاعر أو أديب فنكاد نصرخ من شدة الذهول: يا الله! إنه يعبر عما في داخلنا. إنه يقول ما نريد قوله، وكم يحدث أن نغبط، أو حتى نحسد، هؤلاء لأن الله حباهم موهبة التعبير الجميل، الرهيف عن المشاعر الإنسانية.

مرة كتب توفيق الحكيم يقول إنه آثر مطالعات كثيرة وتأملات عميقة في عزلة طويلة استمع إلى نصيحة طبيب قال له: “اترك كل شيء، واذهب من فورك إلى البحر، استنشق الهواء، وأغمض عينيك بدون تفكير”. هذه النصيحة أنقذته لأنه كان يحسب التأمل هو كل شيء في حياة الأديب، وإن حياته ستمضي كلها في القراءة. مرت الأيام به فإذا به ينصرف بعض الشيء عن المطالعة والتأمل، ويبحث عن ما يصنعه بـ “الجسم الذي تحل فيه تلك الأفكار الهائمة كالأرواح”. ساعتها وضحت لعينيه المعضلة، وفهم أن التفكير في ذاته يسير، ولكن العسير هو أن نقيم الفكرة على قدميها كائناً نابضاً يتحرك ويسير. إن القليل من عمر الفنان هو الذي يبذل في التفكير الصرف، والكثير منه هو الذي يذهب في سبيل صنع ذلك اللحم والدم الذي ينبغي أن تسكنه الأفكار.

وفي موضع آخر، يشرح الحكيم نفسه إن هذه الأفكار لا تأتي الكاتب مُنزلة، إنما هو يستمدها من الحياة نفسها. إنه يعقد مقارنة بليغة بين الصناعة التي لا تستقيم دون المواد الأولية، وبين “صناعة” الأديب أو الفنان، التي تستلزم هي الأخرى وجود موادها الأولية، ممثلة في تفاصيل الحياة. ذلك أن أحدهما قبل أن ينقطع للفن لا بد أن يعيش الحياة المفعمة بشتى الحوادث الزاخرة، لكن ما أن يأتي دور الفن حتى يشرع المبدع في الترتيب والتنظيم والتنسيق، فيصنع العقود من اليواقيت ويشيد الهياكل من الأحجار وينحت التماثيل من الصخور، ويضع الرياش في منازلها، والتحف في مواضعها، مقصياً ما لا يصلح له، مُنحياً ما ليس في حاجة إليه.
هذه الحال هي التي يحسبها الحكيم حال الإلهام، الأشبه بالمصباح الكهربائي الذي يضيء الحجرة المظلمة.

لكن هناك من يرى أن الإلهام الحقيقي هو العمل نفسه، حين ينكب المبدع على العمل ساعات متصلة، فهو لا ينتظر الضوء يأتيه من الخارج، بل يتعود الرؤية في الظلام، وهذا رأي قابل للتأمل، فالعمل على كل حال أجدى من الانتظار، وإن كانت لمحة الضوء ترينا في خلجة عين من شؤون حجرة ما لا ترينا إياه لمسة اليد في أعوام.

لكن هناك رأي آخر يقول إن الإلهام الأدبي أو الفني هو فكرة وإحساس، نور ونار، ضوء وحرارة. شيء كالكهرباء يتوهج فجأة في رأس الفنان وقلبه كما يتوهج المصباح. لكن الدقة تستوجب التمييز بين فن وفن، فمن الفنون ما يستطيع في كثير من الأحيان الاستغناء بالعمل عن ذلك الإلهام الوهاج، ولكن من الفنون ما يحتاج كثيراً إلى ذلك النوع من الإلهام. فالشعر مثلاً قد لا يحتاج أحياناً إلى العمل المتصل، بقدر ما يحتاج إلى رجفة مفاجئة من نار، إحساس أو نور فكرة. ويظل الإلهام في جميع أحواله: مصباح نور يقتحم العتمة فيضيء زواياها، تماماً كنور الفجر يبدد عتمة الليل.
 
صحيفة الايام
5 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

المسنــــــــود .. !

أحد أعضاء مجلس بلدي الوسطى صرح قبل أيام بأن مواطناً يؤجر حضور سترة بطريقة غير قانونية بذريعة أنه وكيل لأحد المتنفذين ومسنود .. !! تلك ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يتم فيها نشر أو تداول قصص وأحداث ووقائع لا نستطيع أن نكتم قلقاً وجزعاً حيالها ، أبطالها عرفوا بأنهم من فئة المدعومين والمسنودين ومن ” لهم ظهر .. ” أو عندهم باور ” أو ” واصلين ” ، في مشهد وأن كان محملاً بتفصيلات كثيرة لا مجال للخوض فيها، إلا أن ما يعنينا أنه يعبر عن صور من الصور المحزنة لا ريب والسيئة في دلالتها ، هي في أبسط تحليل تشير إلى أخطاء وخطايا ترتكب بحق الوطن والمواطن على أكثر من صعيد بات من الضروري والملح أن توجه الجهود وبكل صدقية وجدية إلى اجتثاثها، وأحسب أن من بينها ما يتصل بالفساد ودور البطانات والشللية وجوقات المصفقين والمهللين والمبررين والمسوغين الذين نجدهم في مواقع شتى من مواقع العمل والمسؤولية خلقوا علاقات عنكبوتية يمارسون كل ما يمكن اقترافه وممارسته من أخطاء ورزايا وتجاوزات واستثناءات وتلاعب لينهبوا ما طاب لهم وما أمكنهم ذلك حتى وأن تشدقوا بشعارات يتفنون في تردادها، حتى بتنا كأننا في مسرحية هزلية مفككة الأوصال والمعني والمبني ، ولكم أن تتصوروا مدى تأثير ذلك على مجريات الأمور في هذه المواقع من العمل والمسؤولية بما في ذلك التعدي على الحقوق والتطاول على المال العام، ومسار تعيينات البعض وآليات هذا التعيين التي تهدر فيها المعايير ترشيحاً واختباراً واختياراً على حساب قواعد الجدارة والاستحقاق ، بحسبان أن كان الأمر قد اقتصر على التعيينات والوظائف . ماذا يعني أن يقال بأن فلان ” مسنود ” لا يطاله القانون، وأنه محصن ضد أي نوع من المساءلة والمحاسبة، وقادر على فتح الدواليب التي يصعب فتحها ؟! ماذا يعني ونحن نقرأ بين الفينة والأخرى أخباراً عن وقائع تشير الى تسلط نافذين، أو مسنودين تعدوا على حق خاص، أو ملك عام، أو خرجوا على مقتضيات ما يستوجب المواجهة والردع بحزم القانون وشدته دون صدى يذكر . ماذا يعني أن يشكوا البعض مرّ المعاناة من مسؤول أو مدير يقال إنه ” مسنود ” أو يختبىء وراء منصب ليتحكم في مصائر الناس والآف المراجعين ويمارس سلب الحقوق أو يكيل بمكيالين ويقدم المستحق على غير المستحق دون أن يساءله أو يحاسبه من يفترض أن يساءل ويحاسب ، فقط لأن هذا المعني مسنوداً من هذا أو ذاك . ماذا يعني أن يمعن البعض في إيهام من حوله بأنه مسنود من ” كونكريت مسلح ” وأن له اتصالات بكبار، ليتخذ من هذا الإسناد معبراً لتمرير الكثير من المخالفات والصفقات والتجاوزات وإخراس من يحاولون التصدي له . لعل ذلك يعني أو ما يعنيه أننا في حاجة إلى المسارعة في وضع الأمور في نصابها الصحيح، لأن استمرار هذا الشرخ ليس من المصلحة العامة بأي معيار، ونعتبر كل طرف من الأطراف التي يفترض أنها معنية والتي تسكت عن هكذا أوضاع له نصيب من المسؤولية ينبغي أن يتحملها . وذلك يعني أيضاً أننا لازلنا في حاجة إلى المزيد من العمل والجهد لعمل كل ما يحول دون استغلال المنصب والسلطة ويمنع ارتكاب الأخطاء التي تجر على البلد وأهله الكثير من المآسي . كما ان ذلك يعني أننا لازلنا في حاجة إلى استراتيجية واضحة الأهداف والمنطلقات والآليات التي تجعل من محاربة هذه الممارسات والفساد في صدارة الأولويات، وبنفس القدر من الأهمية ذلك يعني أننا لازلنا في حاجة ملحة لإرساء حكم القانون وإدخال الإطار القانون الواضح في أعمال السلطة التنفيذية، وإخضاع كل المسؤولين المسنودين وحتى الذين يستندون على ” حيطة مايلة ” لإحكام القانون والضوابط الإدارية بشكل شامل وشفاف وبدون تمييز أو استثناء . نعلم جيداً بأن الإصلاح الإداري بات مطلوباً وأن الرؤية الاقتصادية مرحلة 2030 لابد أن تضع ضمن أولوياتها هذا الإصلاح ِ الذي نفترض أننا به سوف نتخطى مرحلة عدم التقيد بتطبيق القوانين والأنظمة وهو الأمر الذي شكل عقبة رئيسية أمام تكافؤ الفرص والمساواة بين الجميع، مما يفتح مجالاً واسعاً للمحسوبيات والمساومات والتدخلات أياً كان نوعها، ومثل هذا الإصلاح لجعل تحديث الإدارة والدولة حقيقة متجددة باستمرار لاشك أنه موضع ترحيب في كل الأوقات، ولا يجوز في أي حال من الأحوال حرمان البلاد من إجراءات إصلاحية ادارية حقيقية باتت ملحة لمنع التطاول على القانون والحد من الفساد وحتى وأن خرج فاسد أو مفسد، أو إنسان عديم الذمة والكفاءة وأدعى أنه مسنود .
 
صحيفة الايام
5 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

اسمه في الحصاد.. ومنجله مكسور!!

العنوان أعلاه مثل عراقي يوصم به الكسالى غير المنتجين، سواء أكانوا في المصانع والمعامل، أم في المؤسسات الخدمية، الفكرية منها والعضلية، تماماً كما الذين يعملون في حقل الزراعة… فقط تأملوا من حولكم ستجدون ما يحلو لكم من هذه النماذج.
؟؟؟
عندما يرى الرئيس علي عبدالله صالح في حكم اليمن تشبيه بـ’الرقص مع الأفاعي’، وهي عملية يمارسها الرئيس منذ 31 عاماً، لكن الثعابين هناك في تزايد وفق وكالة أنباء ‘رويترز’، يبقى السؤال: ما الذي يجعل شخصا يمارس الرقص مع ‘الثعابين’، وهي بالمناسبة مقارنة مقززة لوصف شعب يحكمه بـ’الأفاعي’ منذ ,1978 ألا يخاف ‘الرجال’ من لدغة ثعبان سامة توصلهم مباشرة إلى القبر، أم أن كرسي الحكم، أيا كان، وفي أي ظرفٍ كان ‘أفضل من سهرة مع أجمل الجميلات؟!’.
؟؟؟
في محاولة لتنشيط الذاكرة، التي باتت ظلالها ضعيفة باهتة، استذكرت أحداث ‘المفتش العام’، الرواية التمثيلية للكاتب الروسي الساخر نيكولاي غوغول، التي ينهيها بقول مختار المنطقة: على مَنْ تضحكون؟، ويجيب على سؤاله بنفسه: ‘نضحك على أنفسنا!!’.
وتتحدث الرواية التمثيلية هذه عن تسرب إشاعات إلى مختار المنطقة بأن ‘مفتشاً بعثته الحكومة يطوف في أنحاء إقليمه متنكراً ليرى كيف يقوم حكامه بالأمر والنهي بين الناس، وعلى أي وجه يؤدي موظفو الحكومة أعمالهم’.
عندما كبرت الإشاعة وانتشرت بين الناس، قام المختار بدعوة أولي الأمر في دائرته ليفاوضهم في هذا النبأ الذي أخذهم على حين غرة، وليخفي مساوئ إدارته عن المفتش، فاجتمع في بيته قاضي المحكمة، ومفتش التعليم، وطبيب المستشفى، ووكيل الصدقات، ورئيس الشرطة، الذين ارتعبوا من الخوف من هول ما أنبئوا، لأن أمرهم سينكشف لا محالة بمجيء هذا المفتش المتنكر، تماماً كما أصيب المختار بهذا الهلع، حتى انه تراءى له في حلمه: ‘فأران أسودان أشد السواد، ضخمان أقصى الضخامة!!’.
على كل حال، انتهت أحداث الرواية التمثيلية لمفتش وهمي عززته إشاعة لينصب نصاب على نصابين، ولذلك أجاب المختار على سؤاله: إذاً، نضحك على أنفسنا.
؟؟؟
ملاحظة:
أحد القراء الأعزاء واسمه صادق، علّق على افتتاحية ‘ملف نهاية الأسبوع’ الخاص بالشؤون العربية والدولية قائلاً: ‘بصراحة لا أدري لماذا؟ أول ما قرأت المقال تذكرت البيك وليد جنبلاط (طبعاً البيك في البحرين له علاقة بالجعة وليس العجة)، ما الرابط بينك وبين شخصيته؟ لست أدري!…. ما خصنا يصطفلوا هم مع بعضهم في لبنان، العراق، اليمن، الصومال، إيران، بوليفيا، كيفهم، ولكن ماذا عن العجة البحرينية!؟ خط أحمر!؟ تخاف الاقتراب منه!؟ لا يتواءم مع مصالحك الآنية!؟’.
مشكلتي أيها الأخ، ملتزم بالكتابة عن الشؤون العربية والدولية وفق المهام الصحافية الموكلة إليّ، وتجاوز هذه المهام ‘خط أحمر’، كما تفضلت، أما الكتابة في الشؤون المحلية و’عجتها، أو جعتها إن شئت’، ربما تجدها في مكان آخر على صفحات الصحيفة غير المشهد السياسي، وإن أردتني إرشادك، فهناك صفحة الرأي تحت مسمى: ‘اتجاهات’، وكذلك هناك أعمدة متفرقة خاصة بالشؤون المحلية لكتاب محترمين قد تختلف أو تتفق معهم، والأمر راجع إليك.
أيها الأخ صادق، أرجوك لا توكل إليّ مهاما إضافية لا أتقاضى عليها راتباً، فيكفيني ما فيني، سواء كنت شجاعاً أو جباناً، أراعي مصالحي الآنية، أم عندي ‘نكرات ذات’، أو ‘أطبخ عجة، أم أحتسي جعة’، فهذه أمور شخصية، وشكراً على غيرتك للكتابة عن هموم الناس الفقراء في وطني البحرين، مع بالغ التقدير.
 
صحيفة الوقت
4 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد