­

المنشور

المال العام العربي بين التقشف والتبذير

منذ سنوات طويلة وعلى امتداد ما يقارب الثلاثة العقود ونيفا اعتادت الشعوب العربية رفع حكوماتها شعارات التقشف وتقليص الإنفاق كلما وجدت هذه الحكومات نفسها في ضائقة مالية أو عجز مالي غير محتسب أو غير متوقع أو لتخبط أي منها في أزمة اقتصادية، لكن قلة من الحكومات العربية هي التي تلتزم التزاما حقيقيا ولو بأدنى الحدود بتلك الشعارات التقشفية في أوقات الأزمات المالية والاقتصادية التي تمر بها بين الفينة والأخرى، إذ تظل الإجراءات التقشفية التي تقدم عليها معظمها إجراءات محدودة وشكلية لا تمس الكثير من أوجه الإنفاق التبذيرية غير الضرورية التي تكبد موازنات الدولة العربية أموالاً طائلة.
والأنكى من ذلك حينما يجرى تبرير ضغط النفقات المخصصة للتوظيف أو زيادة المرتبات باسم التقشف والأزمة المالية، في حين أن مظاهر البذخ والصرف التي ما انفكت تقوم بها مؤسسات ووزارات الدولة العربية، وعلى الأخص الخليجية، منذ عصر الطفرة النفطية، هي أكثر مما تعد أو تحصى ومازالت متواصلة كأنها في عز الازدهار النفطي من دون أن يطاولها أي تقنين أو مراجعة ومن ذلك على سبيل المثال، لا الحصر، تسابق دول مجلس التعاون على استضافة المؤتمرات والاجتماعات الدورية وغير الدورية في مختلف الظروف والأوقات، ولا يقتصر الأمر على استضافة إقامة الوفود وتأمين الوجبات الثلاث اليومية لها، بل عادة ما يصحب ذلك استضافتها على عدة ولائم غداء أو عشاء دسمة عامرة بكل ما لذ وطاب من الطعام.
أكثر من ذلك فإن دول مجلس التعاون هي من أكثر الدول العربية كرما وسخاء في استضافة حتى الندوات والحلقات التدريبية والدراسية والمؤتمرات التي تعقد على مستوى الجامعة العربية ومنظماتها المتخصصة مهما كانت ظروف مستجدات الأوضاع المالية التي تمر بها بين الحين والآخر.
أما عن مظاهر التبذير والإسراف في الصرف على الأثاث والأدوات والأجهزة المكتبية ذات أحدث المواصفات والموديلات التي لا ضرورة لها فحدث ولا حرج، دع عنك الصرف على وسائل النقل والسيارات المتعددة، ناهيك عن امعان العديد من الوزارات في رصد بنود في موازناتها للعمل الإضافي الذي لا لزوم له سوى اعتباره من قبيل المكافآت المخصصة للموظفين المحظيين لدى الإدارة العليا في الوزارات والمؤسسات العامة.
ولعل الاستمرار في الصرف على مآدب المجاملات والعلاقات العامة التي يدعى إليها الموظفون أو تخصص للصحفيين، بما في ذلك الغبقات السنوية الرمضانية أو غبقات الأعياد وغيرها هي من أكثر مظاهر الاستهتار بالمال العام وتبذيره حتى في أوقات الأزمات المالية التي تشتد خلالها الحاجة إلى التقشف من دون أدنى احساس بالمسئولية الوطنية العليا.
وأخيراً وليس آخرا فلعل واحداً من أبرز مظاهر تبديد المال العام في جل الدول العربية الذي مازال مستمرا على قدم وساق من دون أدنى ترشيد هو ما يصرف على تنظيم البرامج والاحتفالات البهرجية في المناسبات الوطنية الكبرى من أموال طائلة لا ضرورة قصوى لتكبيد الخزانة العامة بها في حين يمكن بكل بساطة الاستمرار في تنظيم تلك البرامج والاحتفالات مع ترشيد الإنفاق عليها إلى أدنى مستوى ممكن. وعلى سبيل المثال فقد أجرت إذاعة الـ “بي. بي. سي” حواراً في صبيحة يوم الفاتح من سبتمبر مع مراسلها الليبي في طرابلس اتسم بالصراحة والشفافية وذلك بمناسبة الاحتفالات الضخمة غير المسبوقة التي أقامتها طرابلس بمناسبة مرور 40 عاماً على ثورة الفاتح وسأله المذيع عما يعرفه من تقديرات لإجمالي ما تم صرفه على تلك الاحتفالات فاعترف المراسل بأنها تصل إلى أكثر من مليار دولار تقاضت الشركة الفرنسية المتعهدة بتنظيم تلك الاحتفالات النصيب الأكبر، وحينما سألته مذيعة الـ “بي. بي. سي” عما إذا الدولة هي التي تكفلت بتلك النفقات الهائلة شعر المراسل بالحرج وقال إنها ليست من أموال الدولة بل تبرعات من أموال الشعب الليبي لثورته. يحدث ذلك فيما اضطرت طرابلس إلى دفع بضعة مليارات من الدولارات ثمناً لكسر الحصار الغربي المفروض عليها على خلفية اتهامها بالتورط في تفجير طائرة لوكيربي.

صحيفة اخبار الخليج
8 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

الليبرالية والإسلام السياسي (2 – 2)

إن العلاقات المعقدة بين ما هو وطني وقومي، وما هو إنساني، بين تكريس حرية الأفراد داخل الإنتاج والثقافة، لا تتحقق لدى كل التيارات.
ومن هنا فإن الليبرالية التي تريد حريات يجب أن تقوم بقراءاتها ودرسها، سواء في المجتمع الذي تعمل من أجل تغييره، أم داخل الماضي والتراث، اللذين يحكمانها ولا تستطيع أن تتجاهلهما.
والحريات التي تدعو إليها يجب ألا تكتفي بالحريات الثقافية والاجتماعية، من دون الحريات الاقتصادية والسياسية، فمن دون شبكة الحريات تغدو مختلة، وهذا أيضاً يبعثر فئاتها الوسطى في الاقتصاد والثقافة والحياة الاجتماعية بعضها بعضا، وهي كلها قوى واحدة تصارع بعضها بعضاً لأسباب فكرية.
وإشكالية الجماعات المذهبية السياسية (التي تـُسمى لدى الليبرالية الإسلام السياسي)، ليست فقط في الصراع مع الحريات الاجتماعية خاصة عند النساء وتجاه الثقافة الحديثة ونشر العقلانية، بل هي في تكونها بشكلٍ غيرِ إسلامي عام وطني، أي انها تكونت كجماعاتٍ مذهبية سياسية مرتبطة بالسلطات في البلدان الإسلامية، فهي نتاج الدول، وما هو نتاج الدول تقل معرفته بفهم الحرية، فهي تشكلت لدى الحكومات التقليدية في المنطقة، سواء في إيران أو السعودية أو مصر أو غيرها، وتشكلت في زمن الانقسام الوطني في كل بلد، وهي تحملُ الانقسامات لبلدان أخرى كذلك، وقد كانت دائماً ناتجة من هذه الإدارات الحكومية.
فهي دائماً موالية لدول، ولم تستطع أن تكون معارضة إسلامية مجردة، لمصالح المسلمين الكلية، تنقدُ الخطأ أينما يكون، فهي دائماً تابعة لدولة. لسانها طويلٌ في جهةٍ ومقطوع في جهة أخرى، والتابعُ لا يصيرُ معارضاً بل يغدو دائماً متهماً بالتبعية للغير، وإذا بزتهم القاعدة على إجرامها فلأنها غدت (ذات لسان لا يقطعهُ أحد).
أي أنها تجد نفسها دائماً محل تفكيك لصفوف المسلمين والمواطنين عامة وليس لتشكيل وحدة بينهم، وسواءً على مستوى القومية والوطنية أم على مستوى الجنس(ذكوراً وإناثاً) أو على مستوى الثقافة: (قِدمٌ فيه الإيمان وحداثة فيها الكفر).
ومن خلال حركات سياسية كهذه تتفكك الشعوب وتتفتت حركاتُ التغيير.
هناك تعميمٌ صحيحٌ يتعلقُ بمحافظة الحركات المذهبية السياسية الذكورية وانتمائها إلى الطبقات القديمة التي سيطرت على المسلمين في العصور السابقة فيما بعد الحضارة التي سادت فيها هذه المذاهب، وأبقتهم متخلفين، وقادت صراعات كذلك ضد الهيمنة الأجنبية، وضد الحداثة، وهي تشمل المعارضات المذهبية والحكومات المذهبية كذلك، وهي هي نفسها لا تتبدل سواءً ظهرتْ في هذا البلد أو ذاك، لأن مضمونها الأساسي لا يتبدل، بسببِ سيطرةِ شيوخ الدين الكبار بمناهجهم التقليدية، والنادر منهم من قاومها وانتمى إلى الإغلبية الشعبية.
ولهذا فإن التعميمات ماعدا ذلك تكون محفوفة بالمخاطر، وكل بلد يحتاج إلى تحليل وكل حالة لها ظروفها، وفيما أن الحركات المذهبية تنقل لافتاتها وتجاربها من بلد إلى آخر، وتشتغل على استعادة المجتمع المحافظ، وبقاء العلاقات الذكورية المتسيدة المهيمنة، وحالات الانغلاق الديني، فإن كل بلاد لها صراعاتها وخصوصياتها.
فبعضها يرتبط بفئات وسطى تريد التحرر، وبعضها يرتبط بقوى سيطرة حكومية تريد الانغلاق، أو أشكال أخرى متداخلة.
كل تنظيم ديني له قوة مستبدة فوقية لا تريد تشكيل حركات حرة على مستوى: تحرر النساء، وتحرر الثقافة العقلية من الأنماط المذهبية والأغلال، وبتشكيل الحريات هنا تفقد سيطرتها على الأتباع وعلى منتجات هؤلاء الأتباع.
لكن الحداثة لا تستهدف الفجور، والحريات لا تريد الفوضى والإباحية، بل تريد تصنيع المجتمع وتحويل قواه إلى عاملين، وبدلاً من جلب القوى الأجنبية لماذا لا نتحول نحن إلى صناع؟ لماذا نستورد دائماً الأجهزة؟ ثمة مجتمعات متخلفة مثلنا قامت بالتصنيع الواسع.
تـُفهم الحداثة عادة من قبل القوى السطحية في الجانبين الديني والعصري بأنها مجرد حريات شكلية وفردية خارجة من كل القوانين.
يعكس الجانب “النهضوي” الرغبة الشديدة في الإنتاج، وليس في التركيز في صراع الحجاب والسفور، وفي العادات العبادية، وضرورة إبعاد المسائل عن الصراعات الجانبية هذه، والليبراليون يتدفقون بقوة في الحديث عن هذا ويصوغون هجمات مستمرة ضد الحجاب والعقوبات التي تقوم بها أنظمة الاضطهاد الدينية بشكل متعسف، وغيرها من المظاهر ورغبتها هي في زوال مثل هذه الظاهرات.
وفيما أن الاضطهاد شيءٌ جائر لكن الحجاب هو لباس شخصي للمرء له حرية في لبسه أو عدم لبسه، ونقول للمرء لأن ثمة رجالا مسلمين يتحجبون كذلك(الطوارق). أي هي مسائل راجعة إلى الاختيارات والعادات، ولكل إنسان أن يقرر ما يلبس من دون إساءة للذوق، وهي الحرية الفردية المطلوبة من دون أجهزة تفرض اللباس.
أما قضايا الاضطهاد والعقوبات والحدود فهي مسائل تتعلق بمدى تطبيق حقوق المواطنة، وقد قامت الدولُ منذ انتهاء عهد الخلفاء الراشدين بنفي الحقوق عمليا وبالاستبداد بالأملاك العامة وتخصيصها فتقع الحدودُ في شكوك وتعود للحقوقيين يقرأونها بموضوعية مفترضة.
أي أن المسألة بحاجة إلى تغيير عميق وإلى إعادةِ الأملاكِ العامة للمسلمين لتنمو آثارها في حياتهم وبعد ذلك تتكيف العقوبات والقوانين مع هذا التغيير.
وبغض النظر عن إيماننا أو عدم إيماننا بهذه العادات والمواريث فإن الديمقراطية العصرية تتطلب احترامنا لأصوات الناس، ولعدم تحولنا إلى شيوخ دين تقليديين يعيدون السيطرة نفسها لكن بأشكال حداثية ويجبرون الناس على التزام اللباس المحدد والأشكال المقبولة لدى الحكومة وعادات الحداثة المقدسة.
وبهذا فإن العلانية وعدم الإجبار ورفض قيام البابوية وفصل الدين عن السيطرة الحكومية الاستبدادية، سواء تجلت في حزب أم في دولة، من دون شطب تراثنا، وتوجه الأحزاب لتطوير الإنتاج وإيجاد الثورة الاقتصادية وتطوير حياة الناس المعيشية وتقليص البيروقراطية وتخفيت أصوات الحكومات في الاقتصاد والتحكم، هو ما يمكن أن يشكلَ خطوطاً عريضة للقوى الليبرالية المختلفة سواءً كانت من أصول ليبرالية وتقدمية أم من أصول دينية. فثمة مجرى للحرية مشترك لتطوير الشعوب يمكن أن يتجمع فيه كثيرون.
وبدلاً من أن نكون كرات تتقاذفنا أرجلُ اللاعبين من الشرق والغرب في كل مرحلة، وقوى الهيمنة من كل صوب، لتتجمع العناصر الفكرية والسياسية لمجرى عريض مشترك يحفر في الحرية ويؤسس لدول متقدمة.

صحيفة اخبار الخليج
8 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

حاجتنا لهيئة تخطيط

في المجلس الرمضاني الأخير لـ «الأيام» دار حديث عن مدى جدوى وجود هيئة للتخطيط في البلد، وهذا الحديث يذكرنا بالجدل الذي دار منذ شهور حين طرحت الفكرة في مجلس النواب، ولعلنا نتذكر أن الحكومة دخلت يومها في محاججات قانونية ودستورية لرفض المقترح النيابي بتشكيل هيئة للتخطيط. يومها قلنا إن هذه المحاججات لن تطال جوهر الموضوع، ولن تقنع أحداً، لا داخل المجلس النيابي ولا خارجه، بمدى جدية ما تقوله الحكومة. إن وجدت إشكالات ذات شبهة قانونية أو دستورية، كما تقول الحكومة، وهو قول لا يأخذه الكثيرون، سواء من النواب أو من سواهم، مأخذ الجد، فإنه بالإمكان حلها لتحقيق غاية أهم، هي أن تكون لنا في هذا البلد هيئة تخطيط مركزية، كما هو الحال في البلدان المتقدمة وحتى غير المتقدمة، التي تعمد في بعض الحالات إلى تشكيل وزارة مستقلة للتخطيط. بل أن الهروب إلى مثل هذا النوع من المحاججات ليس سوى مخرج يُراد به التهرب من استحقاق كبير على الحكومة أن توفي به، وهو حاجة البلد إلى مثل هذه الهيئة، للحد من مظاهر التخبط والعشوائية في أداء الأجهزة الحكومية التي يكاد كل واحد منها أن يعمل بمعزل عن بقية الأجهزة، لذلك نرانا أمام هذا الحشد الذي لا يُعد ولا يُحصى من أشكال التضارب بين أداء الإدارات الحكومية المعنية. نظرة طائر سريعة حولنا تُرينا أوجهاً كثيرة لغياب ما يمكن أن ندعوه بالانسجام والتكامل في أداء الوزارات المختلفة، وأحياناً في أداء الوزارة الواحدة، وهذا يبدأ من أبسط الأمور وأكثرها مباشرةً، ليبلغ القرارات والمسائل ذات الطابع الاستراتيجي. فعلى سبيل المثال تُباع القسائم السكنية وتُشَّيد عليها البيوت الجديدة، وبعد ردحٍ من الزمن تبلط الشوارع في المنطقة المعنية، وما هي إلا فترة وجيزة وإذا بالمعاول تعيد حفر الشوارع التي أنفق عليها ما أنفق لإقامة المجاري، وهو أمر يستغرق شهوراً وربما أعوام، ثم يعاد سد الحفر كيفما اتفق، والنتيجة أننا نجد الشوارع حتى في المناطق السكنية، بما فيها الجديدة منها، مليئة بالحفر والأخاديد والمطبات. هذا مثل بسيط جدا، ويومي جداً، ومباشر جداً، عما يعنيه غياب التخطيط في البلاد، فما بالنا إذا جرى الحديث عن قضايا التنمية والتحديث الكبرى، والرؤى الاستشرافية للمستقبل، والاستعداد المبكر لاستحقاقاته وتقلباته، للدرجة التي تجعلنا نسأل: هل لدينا أكثر من سيناريو في هذا المجال، تبعاً للتوقعات المختلفة لمسار الأمور، فنعتمد السيناريو الأنسب تبعاً للطريقة التي تسير بها الأمور. الأجدى من هذا السجال الذي يُصور على أنه قانوني، هو أن تعترف السلطة التنفيذية بجدية الحاجة إلى جهاز معني بالتخطيط المركزي في البلد، وهو مطلب قطاعات وفعاليات واسعة في المجتمع، سواء كان هذا الجهاز هيئة أو وزارة أو مجلساً، فالعبرة في المضمون والصلاحيات لا في التسميات. أما التذرع في رفض هذا المقترح بالقول أن لدينا من الأجهزة الحكومية ما يكفي ويزيد، وان إنشاء جهاز للتخطيط سيعني إضافة كلفة مالية جديدة فمردود عليه، فالمطلوب التخلص من الكثير من الأجهزة غير الضرورية، وما أكثرها، وليس التذرع بوجودها لرفض هيئة نحن في أمس الحاجة إليها.
 
صحيفة الايام
8 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

ماذا بإمكاننا أن نكتب .. وماذا نقول ؟!

كنت منذ وقت طويل – كوني كاتباً على اقل تقدير واتعاطى مع الصحافة بشكل متزن ومقنع – ولكنني كنت اطرح سؤالا يلازمني.. هل أنت كاتب حر؟ في عالمنا العربي خاصة. وعندما تكتب هل تشعر بأنك مضطر للمجاملة أو البحث عن المسالك الآمنة؟ لماذا تضغطنا الكتابة الحرة، سواء رقابة ذاتية أو خارجية، سياسية ومؤسساتية وثقافية بيئية تفرضها أنماط ثقافية سائدة في مجتمع متخلف وطائفي ومتزمت. كثيرا ما تدور في الروح والعقل أسئلة منهكة، بل وتجد تبريرا لها لدى كتاب كلمة آخرين مثلك؛ هم بشر تضغطهم الحاجة ولقمة العيش، ويفضلون المشي بمحاذاة الجدار الآمن. غير أن هناك طابورا من الأقلام تتفنن في كل جريدة حسبما تقتضيه “الكلمة المأجورة”. مثل هؤلاء الكتاب والصحفيين هم طابور من الفاسدين الأقرب لأخلاقية الموظف الرفيع في الجهاز الفاسد وبلا ذمة. ورغم أن مساحة الحريات الكتابية – والى حد ما – مختلفة من بلد إلى آخر – اتسعت مجالاتها وأسقفها، ولكنها عند نقطة ما تصطدم الكلمة الحرة النقدية أمام ذلك الجدار الشاهق والأسوأ عند بوابة الموظف البيروقراطي المرتعب فوق مقعده من غضب مرؤوسيه فيطير المقعد وتطير معه الوجاهة الاجتماعية. ما يهم من يعانون من ضغط الحياة من القراء ماذا تكتب وترضي من؟ المهم أن يصبحوا هم معك وبك بشرًا يقرأون كلمة حرة في عالم يموج بمواقع الانترنت الحر إلى ابعد مساحاته في الحرية وفي قول ما لا تستطيع الصحافة “المقيدة” النصف حرة أو اقل من ذلك فعله في زمن الثورة المعلوماتية. ما نراه اليوم أمامنا من سيل المكتوب والمنقول من الأخبار يجعلنا نرتبك عندما نود كتابة موضوع يرضي ضميرنا ويقنع الجمهور بحياديتنا ونزاهتنا في تقصي الحقيقة والبحث عن حلول منصفة لكل ما هو متناقض بين أطراف متصارعة. ما فجرّ عندي هذا الشعور السلبي مؤخرا تلك الأزمات المستعصية والسيئة في البلدان العربية، التي كلما دخلت الأنظمة فيها صراعا دمويا وعنيفا مع شعبها أو شرائح منه أو حتى كتل وتيارات، نجد أنفسنا نتوقف أمام ذلك السؤال المضطرب ماذا نكتب وماذا نقول؟ ولو مررنا بشريطنا الإخباري العربي لوجدنا أن مساحة ما نقوله وما نسمعه ربما يغضب جهات رسمية اعتادت أن تسمع خطابا يمجد الزعيم والقائد والتاريخ المجيد للانجازات، فيما تربكنا الأخبار الأخرى القادمة لنا من المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق مدنية وسياسية لدى الشعب، الذي تعتبره شعبك العربي الكبير، فهل تركن إلى الصمت الأبدي لكونك عجزت عن قول الصدق وخنت ضميرك الحر؟ أم تسبح في فضاء سياسي واسع بحيث تبذر ولو قليلا من مادة الوعي الإنساني لكون قناعاتك إن الحقوق الإنسانية دوليا في هذا القرن ستكون مختلفة. وبأن من تعاطوا الحياة السياسية الرسمية وتجمدوا فوق مقاعدهم دهرا، عليهم إعادة النظر والقراءة التاريخية لواقعنا الراهن، فلا احد من الساسة العقلاء يلجأ إلى جبل الماضي ومجده ليحميه من “الطوفان”. ربما الثروة والسلطة تخلق قوة الفساد ومجالاته، وتبني حصون عالية من مؤسسات العنف والقوة المجسدة في أجهزة الأمن والجيش وطابور الموظفين الفاسدين، الذين كلما رتقت ملابسهم أعادوا خياطتها لرئيس جديد قادم في تلك المؤسسة. محنتنا إننا لا نستطيع أن نكتب كما يكتب كاتب حر في عالم حر، بل ولا يتيح لنا أصحاب الشأن أن نقول تلك الحقيقة إلا عندما تتوتر تلك الثنائيات السياسية والمصالح بــين البلديــن أو الطرفين. فماذا بإمكاني أن اكتب بنقد موضوعي عن ما يدور في اليمن من صراع دموي بين النظام والحوثيين، من وجهة نظر ثالثة، مختلفة لا تنتظر بيانا رسميا ولا رئيس تحرير بائس يحاول طمس الحقيقة في قناة فضائية ، مثلما لن نلجأ إلى الدفاع عن حركة لم تهتم بكيفية إدارة الصراع مع النظام فكان الضحية الأولى لثنائية هذا الجنون هو الناس الأبرياء. هل نتفق على مفردة التطهير والإبادة؟ بالطبع لن نقبلها كمراقبين لضمير الكلمة لأن الغضب السياسي لا يطهر العالم كما إن التصريح الجنوني من الحوثيين بوهمهم أنهم قادرين على حرب الاستنزاف، لن تجد نفعا حتى وان تم اتهام طرف ثالث بتزويدهم، فبدت المسألة واضحة تثير استغرابنا.. هل هي حرب ضد حركة سياسية تتمظهر بالطائفية والأمامية أم حرب ضد طائفة بكاملها بحرمانها من حقها المشاركة المتساوية على أسس دستورية ومواطنة، فاليمن كوطن حق للجميع، فما حدث في اضطرابات الجنوب وكان بالإمكان أن تشتعل جباله كما تشتعل جبال صعدة لولا اقتناع الجنوبيين بضرورة المواجهة على أسس المعارضة المدنية. ماذا لو انتقلت الحرب الأهلية إلى مواقع مختلفة من اليمن؟ هل سينفع بعد التدمير والدمار العودة إلى خطاب تقليدي “تعالوا نجلس للحوار” ولكن الحوار قد تأخر وكان ينبغي أن يتم مبكرا لحقن دماء الناس. هل نكتب بخطاب ورؤية ثالثة ليست مع هذا وليست مع ذاك ولكن الطريق الثالث اللصيق بالحقيقة، حيث إن الأنظمة العربية تدخل في نفق الأزمات تدريجيا حتى وان لم تتم المواجهة بالسلاح بين الشعب والنظام. ما يحدث في مناطق عربية عدة من تجاوزات لحقوق الإنسان واعتقال الناس وإجبارهم تحت التعذيب على الانحناء والقهر بأكثر مما هم عليه خارج السجن، لن ينتج وطنا هادئا وراضيا ومستكينا إلا في الظاهر، ولكن.. تحت الرماد هناك مرجل يغلي لهيبا ينتظر الانفجار. لا اعرف كيف يساق الإنسان إلى قاعات المحاكم تحت قوانين الطوارئ وقضاة من العسكر ثم ترفع الحكومة عقيرتها بأن هؤلاء مجرد إرهابيين أو مشاغبين تجاوزا القانون، في وقت ما عادت الدولة دولة قانون!! وبمثل ما نحاول إقناع أنفسنا نتوهم إننا قادرين على إقناع الغرب بجريرتنا العظمى وتناقضات أنظمتنا العجيبة التي نخرها الوقت ففي كل جزء من أجزاء النظام وجسده هناك أورام كبرى تعّده للموت إن لم يستأصل الأورام الخبيثة الممكن علاجها مبكرا.
 
صحيفة الايام
8 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

عَلَم الوفاق

على منصة القاعة الرئيسية في المنبر التقدمي عَلمان. سيجد الرائي  انه في أقصى الطرف الأيمن من المنصة علم مملكة البحرين بلونيه الأبيض والأحمر، وفي أقصى طرفها الأيسر سيجد علماً أبيض يحمل شعار” لوغو” المنبر التقدمي الذي يمثل طيراً محلقاً باتجاه زرقة السماء، إضافة إلى اسم المنبر.
لم يخطر في أذهاننا، ولا في أذهان أي زائر لنا أن علم المنبر التقدمي الواقف في الطرف الأيسر بديلاً لعلم مملكتنا الحبيبة، ولا انه يعلوه مكانة، فالعَلم الوطني للبلاد هو رمز الوطن وعَلم الجميع بصرف النظر عن الموقف الذي يقفونه من أداء الدولة، أو هكذا يفترض.
وأذكر أثناء أنشطتنا الطلابية والشبابية يوم كنا شباباً حين نشارك في مهرجانات الشبيبة والطلبة في العالم، وكان متعذراً على بعضنا حتى العودة للبحرين في فترة قانون أمن الدولة، كنا نحرص على أن نرفع علم وطننا البحرين في مقدمة وفودنا التي تطوف الساحات أو استادات الافتتاح لهذه المهرجانات، وقد وُجد يومها من يجادلنا: كيف ترفعون علم السلطة في هذه المناسبات، وردنا كان واضحاً وقاطعاً انه عَلم البحرين، حكومة وشعباً، بما في ذلك المعارضين من أبناء هذا الشعب.
وحين تتخذ جمعية الوفاق، أو غيرها من الجمعيات السياسية، عَلماً يحمل شعارها وتضعه بجانب عَلم المملكة فذلك لا يعني أنها تهين أو تسيء للعلم الوطني، فالوطن وعَلمه للجميع، ولكن من حق جميع الأحزاب في العالم أن تكون لها أعلامها ورموزها وشعاراتها، التي تعبر عن هويتها، والتي يعتز بها أعضاء هذه الأحزاب ومناصريها، دون أن يرد في أذهانهم أنها بديلاً لأعلام أوطانهم أو أنها تعلوها مكانة.
وقلنا مراراً أننا ضد رفع أية أعلام ورموز لدول أجنبية في كافة المناشط السياسية، لما يثيره ذلك من حساسيات ومن لغط حول مسألة الولاء الوطني، لكن عَلم الوفاق أو شعارها، كما هي أعلام وشعارات الجمعيات السياسية الأخرى، ليس أعلام أو شعارات دول أجنبية. لذلك تبدو باعثة على الاستغراب هذه الحملة الإعلامية الواسعة ضد الوفاق لأنه ظهر في الصور التي تمثل زيارة سمو ولي العهد لمقر الجمعية علمها إلى جانب علم المملكة.
كان المفروض أن يجري التوقف أمام المغازي الايجابية لزيارة ولي العهد للجمعية ولمجمل زياراته للمجالس الرمضانية في التواصل مع مختلف مكونات المجتمع، وأن يشاد بما لذلك من آثار طيبة على صعيد تعزيز التواصل الذي تحتاجه البحرين الرسمية والشعبية في هذه الظروف وفي المستقبل، باعتبار ذلك هو النهج الصحيح والمطلوب، لمد جسور الثقة والتغلب على مناخات الشك والحذر التي تشيع حين تعم القطيعة.
لكن البعض اختار أن يفتعل مشكلة، ويجعل منها موضوعاً للإثارة الإعلامية التي ينشغل بها الناس، فلا يعودوا يرون البعد الآخر للموضوع، وبدلاً من أن يجري السجال مع الوفاق حول دورها السياسي أو أدائها النيابي أو البلدي، اختزل في قضية ثانوية، وفي جدال لا يصمد أمام المحاججة الجدية.
مثل هذا التوجه يطمس ما هو ايجابي ومشجع على التفاهم وربما الحوار، ويدفع بالأمور نحو مناخات التشنج وافتعال المعارك الوهمية، وإشغال الناس بالعَرضي والهامشي، فيما أمامنا تقف مهام كبرى جديرة بالمثابرة في التصدي لها. 
 
خاص بالتقدمي

اقرأ المزيد

المجالس في مركز صنع الرأي السياسي

روى أحد شيوخ الناشطين السياسيين في البحرين رسول الجشي ذات مرة أن أميركياً زار البحرين فيما بين أواخر التسعينات وقبل مبادرة جلالة الملك الإصلاحية، وخرج بانطباع أن الرأي السياسي الشعبي في هذه البلاد يُصنع في ما أسماه بـ (3) – المساجد، المآتم والمجالس الشعبية (الديوانيات). والانطباع صحيح إلى حد بعيد. ولا يزال هذا الثالوث يلعب أدواره، لكن بطبيعتين مختلفتين. رغم ما كان للمؤسسات الدينية من دور فاعل في استنهاض وتعبئة الجماهير، خصوصا في ظروف غياب القوى والمؤسسات الديمقراطية، إلا أنه كما كان كذلك ظل يطغى عليها طابع الاتصال في اتجاه واحد، أي أن الجماهير تستمع، تتلقى فقط. كما أنها بحكم تكوينها المذهبي ظلت طائفية الطابع أيضاً. أما المجالس رغم أن روادها أقل بما لا يقاس، لكنها كما كانت كذلك ظلت وسيلة للاتصال التفاعلي في الاتجاهين بحيث يمكن أن يكون الشخص مرسلاً ومتلقياً في آن. وهي شعبية حقاً إذ أنها، ومهما صنفنا صاحبها لا تقتصر على طائفة أو منطقة بعينها، ولا حتى على اتجاه سياسي معين. ولذلك فقد صارت محافل للنقاشات الحرة الساخنة ومطارحة وتبادل الرأي والرأي الآخر، ما ولد وأطلق مبادرات سياسية هامة كالعريضتين النخبوية والشعبية في السنوات الأولى من التسعينات. غير أن مجالس بهذه الطبيعة كانت تعد على أصابع اليدين.
بعد إطلاق العملية الإصلاحية كان من الطبيعي أن يبدأ مركز الثقل في صناعة الرأي السياسي العام بالتحول تدريجياً من ثالوث (3) إلى رباعي ميمي (4) آخر – المنظمات السياسية، سواء التقليدية التي طفت من السرية إلى العلن، أو التي طرأت على الساحة السياسية لأسباب مختلفة في زمن الإصلاح، المجتمع المدني، وخصوصاً النقابات والجمعيات الحقوقية، النسائية، الشبيبية، وغيرها، مؤسسات الصحافة والإعلام والمؤسسة التشريعية المنتخبة.
الثالوث والرباعي الميمي متعايشان في الوقت الحاضر. لكن ثالوث (3) يشهد تفاقم تناقض مكوناته. فبينما لم تتغير طبيعة المؤسسات الدينية والخطاب الديني – السياسي إلا ما ندر، بل إن غالبيتها أصبح يغالي في الانغلاق على الذات تحت حجة ظاهرها عدم التمكين وجوهرها الفزع من الرأي الآخر، فإن المجالس منذ بداية الألفية شهدت تطوراً كبيراً على المستويين الكمي والنوعي. وغدا كثير منها ليس مجالا للأحاديث العفوية، بل للنقاشات الأكثر تنظيماً وتوجيهاً والتي أصبحت تعكس وعيا جماهيريا أكثر سعة وعمقاً. وفي السنوات الأخيرة درج عدد من المجالس الشعبية على برمجة مجالسه بشكل مسبق فصارت تأخذ شكل ندوات ومحاضرات متخصصة أو شكل مواجهات مباشرة مع مسؤولين في الدولة أو الأحزاب الوطنية أو الجمعيات الحقوقية والمهنية.
التطور الأكثر أثراً في حياة المجتمع هو أن المجالس الشعبية أصبحت تكتسب أهمية خاصة في شهر رمضان المبارك، بل إنها اكتسبت تسميتها الخاصة – المجالس الرمضانية. وصارت في السنوات الأخيرة تتصدر قائمة (ميمات) صنع الرأي السياسي الشعبي. وحتى أن أجهزة ووسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية أصبحت تجد مادتها الغنية في النقاشات الدائرة في المجالس الرمضانية. وإليها يسعى ممثلو التنظيمات السياسية لطرح رؤاهم في مختلف القضايا. وفيها وجد ممثلو السلك الدبلوماسي الأجنبي مجالاً للتعرف على قضايا المجتمع البحريني عن قرب. كما وجد كثير من مسؤولي الدولة في المجالس الرمضانية مجسا لنبض حياة المجتمع وقضايا وهموم المواطنين. كما وجد معهد البحرين للتنمية السياسية في هذه المجالس أرضا خصبة لأداء وظيفته ورسالته الاجتماعية، حيث درج منذ رمضان الماضي على تنفيذ برنامج ‘الثقافة السياسية في المجالس الرمضانية’. وللأفراد طموحاتهم الخاصة أيضاً، فالمجالس مجال خصب لكي يروّج من ينوي خوض الانتخابات النيابية أو البلدية 2010 نفسه، أو لأولئك الباحثين عن مكانة اجتماعية أو وظيفية.
وأيا كان الموقع الجغرافي أو انتماء القائمين عليها إلا أن المجالس الشعبية والرمضانية خصوصاً لم تعد تعرف الحواجز المناطقية والقبلية والطائفية والسياسية، بل إن الجميع يحاور الجميع بين جدرانها. أما الاقتحام النوعي الجديد فهو أن قلة من المجالس بدأت تكسر حتى حاجز الفصل بين الجنسين لتضمهما في مشهد يشهد على أن المجالس تسجل ظاهرة جديدة من الرقي الحضاري لمجتمعنا. وبهذا أثبتت المجالس الشعبية أنها أكثر ثالوث صنع الرأي السياسي الشعبي لما قبل الإصلاحات قدرة على التكيف لتصبح عاملاً فاعلاً إلى جانب (4) في صنع الرأي السياسي والتأثير على صنع القرار السياسي في عهد الإصلاحات. بل إن المجالس تجد كل ألقها لتتصدر العوامل الأخرى في شهر رمضان المبارك.
أجد أن أذنيّ تطربان حقاً لسماع المثل الذي يردده تلفزيون البحرين هذه الأيام ‘اللي ما تعلمه المدارس تعلمه المجالس’.
 
صحيفة الوقت
7 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

بازار تسليع المرأة سياسيا

الى ما قبل سنوات قليلة خلت من أواسط العقد الأول الحالي من الألفية الجديدة كانت الجمهورية الاسلامية الايرانية بعيدة كل البعد عن اي تفكير يخطر ببال صناع القرار فيها لتوزير اي امرأة أو اسناد حقيبة وزارية لها بغية توظيف ذلك خارجيا لكسب رصيد سمعة دولية بانفتاح النظام على المرأة ومساواتها بالرجل وتمكينها سياسيا، بما في ذلك اشراكها في صنع القرار السياسي.
واذا كان الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي المعروف باتجاهه الديني الاصلاحي المستنير لم يجرؤ أو لم يفكر في تطعيم حكومته بتوزير امرأة، أو لنقل لم ير ضرورة تفرض ذلك، بل لمجرد الدلالة على ليبراليته وانفتاحه على المرأة، فمن باب أولى ألا يفكر في ذلك البتة الرئيس المحافظ الحالي محمود أحمدي نجاد.
في ذلك الوقت كانت غالبية دول المنطقة الخليجية قد وجدت ضالتها في توظيف توزير المرأة بعدد محدود من الحقائب الوزارية (حقيبتان أو ثلاث على الأكثر) لكسب رصيد سمعة دولية في الدلالة على انفتاحها الحضاري على المرأة أو لتلميع مشاريعها الاصلاحية، لكن يبدو ان الرئيس محمود احمدي نجاد الذي دشن ولايته الثانية الجديدة وسط اعنف وأخطر انقسام ايراني حول شرعية انتخابه راقت له هو الآخر فكرة تلميع حكومته ببضعة وجوه نسائية بغية تعزيز رصيده داخليا وخارجيا، فمادام سيضمن بأن هذه الوجوه النسائية لن تكون مشاغبة أو انفتاحية من شاكلة نساء خاتمي في المناصب الادارية التنفيذية الادنى من منصب وزير، وانها ستكون مطواعة منقادة لتنفيذ سياساته وايديولوجيته المحافظة بأمانة مهما كانت نزعاته الموغلة في التزمت ومصادرة حقوق المرأة فما المانع من توزيرها لتحقيق كسب مجاني لتعزيز رصيده السياسي؟
بهذا المعنى فانه يصعب القول بكل بساطة ان اقدام الرئيس نجاد على ترشيح ثلاثة وجوه نسائية ضمن تشكيلته الحكومية المقترحة المقدمة للبرلمان قد كان مخططا له من الاصل او انه جاء في سياق طبيعي خال من الاغراض السياسية لما يعرف، مثلا، عن محمود أحمدي نجاد من اهتمام بشئون وقضايا المرأة ولما يؤرقه من تهميشها وعدم تمكينها سياسيا، ومن ثم تحقيق رغبته المحمومة الجارفة لانصافها ومساواتها بالرجل، هو الذي لم تخطر بباله هذه الفكرة اطلاقا عند تشكيل الحكومة السابقة فكيف اكتشف الآن فجأة وبلا مقدمات وجود كفاءات من النساء المحافظات الموهوبات المغيبات الجديرات بالتوزير في الحكومة الجديدة؟
ولا شك في ان الاعتراضات التي واجهها الرئيس نجاد لتطعيم تشكيلته الحكومية ببضعة وجوه نسائية قد أضفت بهارات مرغوبة على الظهور بمظهر المكافح المنافح العنيد المصمم على ادخال المرأة في تشكيلته الحكومية، ومن بين الثلاث النساء اللاتي رشحهن نجاد لشغل حقائب التعليم، والشئون الاجتماعية، والصحة، حظيت الدكتورة مرضية وحيد داست بثقة برلمان النظام لشغل الحقيبة الأخيرة.
واذا كانت السير الذاتية لكل من هؤلاء النساء لا تخلو من مفارقات ساخرة لتبنيهن ثقافة ومواقف على الضد من حقوق المرأة، فلعل في اسم وسيرة الوزيرة المحظية بالثقة (مرضية) ما يشي بالكثير من تلك المفارقات والدلالات الرمزية المكثفة الساخرة لربما ابرزها كونها طبيبة متخصصة في علاج عقم النساء، وبهذا يكون الرئيس محمود أحمدي نجاد قد ربح على حلبة السياسة الدولية الحصول على ميدالية ذهبية كأول رئيس في الجمهورية الاسلامية الايرانية يمكن المرأة من الوصول الى الحكومة.
يبقى ان نشير الى ان هذه الوزيرة ذاتها المحظية مرضية هي زوجة رئيس تحرير صحيفة “كيهان” المثير للجدل بكتاباته المستفزة لدول المنطقة حسين شريعتمداري مستشار مرشد الجمهورية.
وبصرف النظر عما قد تنطوي عليه خطوة نجاد بتوزير بضع نساء لم تفز منهن سوى واحدة من أبعاد سياسية ينظر اليها مجرد توظيف فج أو تسليع للمرأة في بازار الصراعات السياسية، لا يقل استغلالا عن تسليعها تجاريا في سوق الدعارة والإعلان، إلا أن المحافظين الايرانيين سجلوا بذلك نقطة “حضارية” لصالحهم على محافظي ومتزمتي أغلب البلدان الاسلامية سواء ممن هم في السلطة أم في المعارضة.
 
صحيفة اخبار الخليج
7 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

الليبرالية والإسلام السياسي (1 – 2)

في مخاض تحول الرأسماليات الشرقية تقع في تناقض بين القيود والحريات.
رأسماليات الدول المسيطرة تنشئ قيوداً أساسية حول الثروة الرئيسية وحول الحريات والثقافة، باعتبار الدين أحد الأشكال الرئيسية للثقافة.
كما أن الرأسماليات الخاصة رأسمالياتُ نتاجِ الدول ونتاجات العائلات التجارية التي أتاحت لها التجارة قديماً إمكانيات اقتصادية قبل ظهور الدول الرأسمالية الحكومية بهيمنتها الشاملة.
وهي لهذا تعيش على ليبرالية محدودة تتركز على التجارة وحرية الأموال.
لا يمكن لليبرالية أن تزدهرَ إلا بازدهار الملكيات الخاصة لوسائل الإنتاج الكبيرة، وهذه غير ممكنة حاليا، ويمكن أن تصيرَ في المستقبل، ولهذا فإن الليبرالية الكاملة غير ممكنةٍ، وتجري في مخاض تطور المجتمعات الشرقية لتثوير وسائل الإنتاج ولجعلها في المستويات العالمية، وهي بحاجة إلى تثوير العلاقات الاجتماعية، ولتجعل النساء والرجال يعملون بازدهار كامل، كما هي بحاجة إلى أن تزدهر معارفهم لتكون بمستوى علوم العصر وتقنياته.
ولهذا فإن الرأسماليات الحكومية التي تحجزُ تطورَ قوى الإنتاج في أشكالٍ بيروقراطيةٍ مُعرِقلةٍ، منتجةٍ ومهلكةٍ للثروة في آن، تساندُ علاقات اجتماعية كبيرة ولا تريدها أن تنمو وأن تتحرر، كالأنماط القبلية والمذهبية والأبوية، وتحجم كذلك الحريات الفكرية والاجتماعية.
وأي تطورٍ تريدهُ هو في ملاءمةٍ مع الأشكال الاقتصادية العامة، لكن الحياة الاقتصادية تتطور بأشكال خاصة كثيرة، والازدهار الديمقراطي الغربي والثقافة الليبرالية العالمية يقتحمان كلَ مكان، مما يؤدي إلى تزحزحِ أشكالِ الجمود والاستبداد الشرقية المختلفة.
وأي جمود عنيف في هذا الصدد يؤدي إلى جنون اجتماعي واضطراب سياسي كبير، فقوى الإنتاج تريد التغيير وأشكال الملكيات الحكومية والبنية الاجتماعية التقليدية، تعرقلان التطور.
ولهذا فإن الأحاديث عن الليبرالية في المجتمعات العربية الإسلامية يتخذ طابع الغموض والعموميات، فلا تـُعرف أحجامُ الحرياتِ المطلوبة وأين، وتتناقض قوى اجتماعية عديدة حولها، تبعاً لمستويات تطور كل منها. فكلُ شيءٍ يدور عبر الغموض والتداخل الاجتماعيين.
وقد كانت دائماً القوى الحكومية معنية بمستوى معين من الحريات الاقتصادية والاجتماعية، بسبب ظروف الدول المضطرة للعلاقات الدولية والتجارة، حتى في الدول العربية الإسلامية القديمة كانت الدولُ أكثرَ مرونةٍ تجاه العلاقات الاجتماعية فتبيحُ حرياتٍ عديدة في هذا الجانب، وتضيق على الحريات السياسية والفكرية بصورة أشد، لكنها لا تسير للحد الأقصى وأن تتبنى الحرية كلية.
في حين كانت الجماعات الدينية أكثر تشدداً تجاه العلاقات الاجتماعية، فهي تعتبرُ الأسرَ العائلية مركز سيطرتها الاجتماعية، وتغدو الأحوال الشخصية وقضايا الفقه المتعلقة بها، حصنها الحصين، ومن دونها لا تبقى لها سلطة، وإذا جرى ذلك تنتزع الدولُ كلَ السلطات منها، في حين أنها تجاه الحريات السياسية أقل تشدداً لأن ذلك باتجاه الدول لا باتجاهها.
لكن الاختراق العالمي التحرري هو موجه كثيراً نحو العائلة، فهو الباب السري الذي يجرى من خلاله كل انقلاب سياسي، التي تغدو حرية الأفراد فيها هي جوهرها الحقيقي، باعتبار هذه الحرية تطورا رأسماليا، مفككاً للقبيلة وللمذهبية والوطنية الجامدة والحزبية المغلقة، وإذا كان إنتاج ذلك غربيا معتمدا على إنتاج متطور، فهو في الشرق يغدو أحياناً أقرب للتحلل والضياع الفردي لكونه لا يرتكز على إنتاجية أفراد بل على استيراد فوقي واستهلاك.
لقد ظهر كلٌ من الليبرالية والإسلام السياسي كقشرتين على جلد المجتمع، في لحظة ظهرت العائلة والدولة والكيانات الحديثة، الموجهة للتطور من قِبل الغرب، وأي ظاهرة سطحية “وليدة” لابد أن تكون مليئة بالشعارات العامة، وخالية من الدرس، وذات حماسة، وكانت إحداها تريد الحرية والأخرى تريد الماضي، الأولى تريدُ العصرَ والأخرى تريدُ التراث، إحداها قادمة مع البضاعة الغربية والثانية نتاج الأدوات السياسية القديمة التي هيمنتْ على المسلمين من دون أن تـُحدثهم.
أي أنهما تشكلتا كنقيضين، لا يُدركان أن ثمة وحدة بينهما، وهي وحدة لا يصنعُها سوى التطور غير المرئي لهما.
ومن خلال التضاد المجرد الحاد بين ما يُسمى “الليبرالية” و”الإسلام السياسي”، سنجدُ أنفسنا بين حداثيين معادين لتاريخ المنطقة وتراثها، وبين حركاتٍ سياسيةٍ تتلبسُ الإسلامَ لتعارض الحداثة، وهما بناءان هشان قابلان للاستغلال من قبل القوى العالمية والمحلية المتنفذة.
في بداية ما سُمي العصر النهضوي الحديث كانت رافعة السيطرة الغربية مهمة لليبرالية، لكي تركضَ في ساحة الشرق، ثم كان صعودُ “الاشتراكية” فرملة وطنية شرقية لهذه الليبرالية التي أُعيدتْ للقعر، فكان أن صُعد “الإسلامُ السياسي” كعدوٍ للاشتراكية، فقد كانوا بحاجة إلى نقيض، وليس إلى قريب، ثم وجدوا انه من الضرورة أن تصعد الليبرالية بعد أن تعملقَ الإسلامُ السياسي.

صحيفة اخبار الخليج
7 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

نور حسين ونداء إلى وزير التربية

نتوجه بنداء إلى سعادة وزير التربية والتعليم الأخ الدكتور ماجد النعيمي، بصفته رئيسأ لمجلس أمناء جامعة البحرين للتدخل في قضية الطالبة في كلية إدارة الأعمال بالجامعة، نور حسين الشيخ علي والتي اتخذت إدارة الجامعة ضدها قراراً تعسفياً، من وجهة نظرنا.
ومع أن لائحة المخالفات المسلكية لطلبة الجامعة تتضمن سلسلة طويلة من العقوبات التي تتدرج في قسوتها، فان مجلس التأديب اختار العقوبة قبل الأخيرة من حيث القسوة، وهي التي تسبق الفصل من الجامعة مباشرة، بإلغاء تسجيل نور في مقررات الفصل الدراسي الثاني 2008- 2009، الذي سبق لهها أن اجتازته، ونالت درجات عالية في مواده.
وللتوضيح فان نور حسين هي عضو في مجلس إدارة جمعية الشبيبة البحرينية، وفي قائمة الوحدة الطلابية  بالجامعة، وسبق لها أن ترشحت في انتخابات مجلس الجامعة عن كليتها، والقرار المتخذ ضدها جاء بناء على توصية اتخذتها لجنة تحقيق شكلت في الجامعة على خلفية اتهامها بتوزيع بيان صادر عن القائمة الطلابية التي  تمثلها بمناسبة يوم الطالب العالمي تضمن مطالب طلابية ونقداً لبعض أوجه القصور في الجامعة.
للأسف الشديد فان لجنة التحقيق مع نور نحت منحىً أمنياً،  مع أن البيان موضوع التحقيق ليس مغفل التوقيع وهو يحمل اسم القائمة الطلابية التي أصدرته، والتي لا تخفي نور عضويتها فيها، بل وتَرشُحَها باسمها في انتخابات مجلس الجامعة، وهذا يرينا أن البعض في الجامعة وفي خارجها لا يريد أن يستوعب ما جرى في هذا الوطن الغالي من تحولات مهمة بفضل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، ولا يريد أن يصدق أن البحرين قد تغيرت خلال السنوات الماضية، وأنه آن الأوان لمن تستحوذ عليهم ذهنية قانون أمن الدولة أن يعيدوا النظر في طريقة تصرفهم.
ويذكر في هذا السياق أن نور رفضت التوقيع على محضر التحقيق معها من قبل لجنة التأديب، نظراً لأنه اشتمل على أقوال لم ترد على لسانها، كما جرى تجاهل بعض ما أدلت  به من أقوال وأجوبة على أسئلة أعضاء اللجنة، فجاء المحضر غير معبر بصورة أمينة عما دار في التحقيق.
ولم تتعاط الطالبة المتضررة من القرار بانفعال، إنما خاطبت رئيس الجامعة الدكتور إبراهيم جناحي برسالة مهذبة، سلمتها له شخصياً منذ نحو شهرين، وشرحت فيها إن ما ورد في البيان الذي عوقبت على توزيعها له لا يعدو كونه تعبيراً عن هموم طلبة وطالبات الجامعة مما يجري تداوله يومياً، ولا يحمل إساءة لإدارة الجامعة ولأي مسؤول فيها أو تحريضاً ضدها، ويأتي في إطار حرية النقد والتعبير التي يكفلها ميثاق العمل الوطني ودستور مملكة البحرين، وبما ينسجم وروح المشروع الإصلاحي.
وكان رئيس الجامعة ودوداً في لقائه معها، وأبدى كل التفهم لقضيتها، ووعدها بمعالجة الموضوع، لكن للأسف الشديد فان نور فوجئت بأن قرار لجنة التأديب قد أصبح نافذاً، مما يؤخر تخرجها من الجامعة فصلاً دراسياً كاملاً، وبطريقة تؤثر على مستقبلها المهني وعلى الوضع النفسي لها ولأفراد عائلتها.
ونحن على ثقة من أن الدكتور ماجد النعيمي، لما نعرفه فيه من حس وطني وإنساني ومن تفهم لحرية التعبير سيبذل ما في وسعه لإنصاف نور حسين، وسيتدخل لإعادة النظر في القرار التعسفي المذكور.
 
صحيفة الايام
7 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

دول مجلس التعاون والطاقات المتجددة‮ »‬2‮-‬2‮«‬

مناقشاته على مدى‮ ‬يومين لتشخيص والتعرف على مصادر الطاقة المستقبلية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية‮. ‬
هل ستواصل مصادر الطاقة الهيدروكربونية‮ (‬النفط والغاز تحديداً‮) ‬دورها الانفرادي‮ ‬والقيادي‮ ‬في‮ ‬تأمين الطاقة في‮ ‬دول المجلس،‮ ‬وفي‮ ‬تأمين مصادر تمويل برامج وخطط التنمية،‮ ‬أو سيصار إلى إدخال مصادر طاقة جديدة مثل الطاقة النووية التي‮ ‬حظيت في‮ ‬الآونة الأخيرة باهتمام‮ ‬غير عادي‮ ‬من قبل الحكومات الخليجية،‮ ‬أم الطاقات المتجددة،‮ ‬لاسيما الطاقة الشمسية المتوفرة مقوماتها على مدار العام‮.‬
ومن بين الأوراق البحثيـة العلميـة التي‮ ‬عُرضت في‮ ‬المؤتمـر،‮ ‬ورقة قدمها العالم د‮. ‬فرانز تريب،‮ ‬ذهب فيها إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي،‮ ‬وبسبب ما تتمتع به من مستوى سطوع عال للشمس،‮ ‬فإن بإمكانها الاستعانة بالتقنيات الحديثة لإنتاج عشرات آلاف الميغاوات من الطاقة الكهروشمسية،‮ ‬بما‮ ‬يفي‮ ‬بحاجتها من الطاقة ويفيض،‮ ‬ويمكنها بالتالي‮ ‬تصدير هذا الفائض إلى الدول الأوروبية التي‮ ‬لا تتمتع بسطوع شمسي‮ ‬عال ومنتظم وعالي‮ ‬الكلفة ترتيباً‮.‬
وأكد د‮. ‬تريب أن التقنيات الحديثة قادرة على توليد‮ ‬250‮ ‬ميغاوات من سطح لاقط بمساحة كيلومتر مربع،‮ ‬وأن الطاقة الشمسية لها خاصية أخرى،‮ ‬هي‮ ‬قابليتها للتخزين‮. ‬واعتبر أن الجدوى الاقتصادية في‮ ‬إنتاج الطاقة الكهروشمسية تتحقق بقيم المكافئ الحراري‮ ‬عند سعر‮ ‬60‮ ‬دولاراً‮ ‬لبرميل النفط‮.‬
وذكرنا في‮ ‬المقال السابق أن دول مجلس التعاون اتفقت في‮ ‬شهر ديسمبر‮ ‬2006‮ ‬على تطوير برنامج نووي‮ ‬سلمي‮ ‬مشترك،‮ ‬وأطلقت بعد ذلك محادثات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإعداد دراسة حول جدوى إنشاء مفاعلات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية في‮ ‬دول المجلس‮. ‬إلا أن دول المجلس اندفعت بصورة انفرادية لإنشاء مفاعلات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية‮. ‬فالمملكة العربية السعودية التي‮ ‬شرعت منذ نحو عقدين في‮ ‬إجراء أبحاث حول استخدام المواد النووية في‮ ‬التطبيقات الطبية والصناعية والزراعية،‮ ‬هي‮ ‬الآن بصدد دراسة جدوى استخدام تكنولوجيا المفاعلات النووية في‮ ‬إنتاج الطاقة للأغراض السلمية‮. ‬بينما وقعت دولة الإمارات العربية المتحدة اتفاقاً‮ ‬مع فرنسا لإنشاء مفاعلات نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية،‮ ‬مع استيراد اليورانيوم المخصب لتشغيل هذه المفاعلات‮.‬
والحال انه لا‮ ‬يمكن فصل هذا التحول الخليجي‮ ‬الصريح نحو الطاقات المتجددة عن التدافع العالمي‮ ‬على الطاقات المتجددة الذي‮ ‬ميز السنوات القليلة الماضية،‮ ‬والذي‮ ‬سرّع من وتيرته،‮ ‬تصدر قضايا التلوث البيئي،‮ ‬والتغير المناخي،‮ ‬والأزمة الاقتصادية العالمية،‮ ‬وأجندات الاهتمام الرئيسية العالمية‮. ‬فضلاً‮ ‬عن صراع المراكز الاقتصادية العالمية الرئيسية على الفوز بقصب السبق في‮ ‬قطاع الطاقات المتجددة وتكنولوجياتها،‮ ‬وهو الاتجاه الذي‮ ‬وجد صداه في‮ ‬خطاب الرئيس الأمريكي‮ ‬باراك أوباما قبل بضعة أشهر،‮ ‬والذي‮ ‬ذكر فيه بصورة لا لبث فيها‮ ‘‬إن الدولة التي‮ ‬يمكنها الاستفادة بشكل جيد من مصادر الطاقة المتجددة هي‮ ‬من سيقود العالم‮’.‬
ولكن الطريق ليس سالكاً‮ ‬بالنسبة لدول مجلس التعاون فيما‮ ‬يتعلق بالطاقات المتجددة،‮ ‬فبخلاف عدم تحبيذها للاتجاه العالمي‮ ‬لتعظيم دور ومساهمة الطاقات المتجددة في‮ ‬العالم،‮ ‬على حساب مصادر الطاقات التقليدية،‮ ‬وركونها لحقيقة أن النفط سيبقى المصدر الرئيس لتوليد الطاقة في‮ ‬العالم على مدى السنوات الخمسين القادمة على الأقل،‮ ‬فليس هنالك حتى الآن سياسة،‮ ‬كي‮ ‬لا نقول إستراتيجية،‮ ‬واضحة بالنسبة للطاقة المتجددة بما‮ ‬يشمل عدم وجود برامج وحوافز لاستقطاب الاستثمار الخاص لهذا القطاع الحيوي‮ ‬والواعد‮. ‬من دون أن ننسى الكلفة الرأسمالية العالية للطاقة المتجددة مقارنة بكلفة إنتاج الطاقة المتولدة من الوقود الاحفوري،‮ ‬حيث تُقدر تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية على سبيل المثال حوالي‮ ‬3‮ ‬آلاف دولار لكل كيلووات مقارنة بـ‮ ‬400‮ ‬دولار للتوربينات الغازية،‮ ‬فيما تبلغ‮ ‬تكلفة إنتاج الكيلووات الواحد من طاقة الرياح نحو‮ ‬1000‮ ‬دولار‮.‬
ولكن هذه المصاعب والكلفة النسبية العالية لتأسيس المشاريع الجديدة في‮ ‬الطاقات المتجددة‮ ‬يجب أن لا تحول دون التوغل الخليجي‮ ‬بعمق في‮ ‬هذا المسار التنموي‮ ‬وعدم الاكتفاء ببعض الخطوات الرمزية،‮ ‬التي‮ ‬إن بقيت هكذا محبوسة في‮ ‬إطارها الضيق،‮ ‬فإنها لن تسهم في‮ ‬تأسيس قطاع جديد للطاقة هو قطاع الطاقة المتجددة،‮ ‬ليشق طريقه إلى جانب بقية القطاعات الاقتصادية الحيوية.
 
صحيفة الوطن
6 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد