أتابع منذ وقت طويل وتحديدا منذ لحظة ولادة المشروع الإصلاحي، طبيعة وجوهر ما يكتب وما تتم ممارسته في الشارع السياسي، حيث تلاحقت الندوات والمسيرات والاحتجاجات وتبادل فيها الحالمون بمشروعهم الأوسع “المسجات”؟ مفادها حزب الله.. حزب الله والعبارة واضحة معناها حينذاك مع رياح المشروع الإصلاحي..
“ووقفوا على مسارح وأندية وربطوا على جبينهم عصابات وشعارات اسلاموية صارخة جهادية، جعلتهم – ولو أمنية – أن يكونوا يملكون الضاحية الجنوبية في (بيروت البحرينية). وترعرع هذا الحلم مع تضخم الذات وقراءة الواقع بالمقلوب ورؤية المشروع الإصلاحي برؤية ينتابها التشكيك والريبة، ما أدى إلى العجالة في رغبة تحريك الشارع والضغط عنوة، ولي عنق الواقع بهدف فرض الأجندة الخفية خشية من تسارع المتغيرات فيفلت منهم ملف المحاسبة تيمناً بجنوب أفريقيا؛ فكانت قراءتهم للحقائق التاريخية خاطئة، وفهمهم للعصيان المدني اعور، وفاقدا للحكمة والصبر، لكونهم لم يستوعبوا لا التاريخ ولا معنى التوازنات الداخلية، بل راهنوا على جر الشارع معهم وتلبسوا تارة بالطائفة وتارة بملفات ساخنة تعيش على الإثارة والانتقام، بهدف إعادة ذاكرة المجتمع إلى حقبة الماضي في وقت يسعى الشارع للعيش داخل النقلة الإصلاحية”.
كان التحريض ونهج العنف مكشوفينِ في خطاب تلك المجموعات يعززها زهو الذات ودعم المنابر – بوعي أو دون وعي – بأنها تدافع عن حقوق تاريخية وتمييز يمارس ضدها، فما كان من تيار العنف والتصعيد وخلق الاضطرابات إلا مواصلة نهجه بعد أن وجد نفسه بعد فك الارتباط بالمقاطعة النيابية، والقبول بالدخول في العملية السياسية، مفضلا مواصلة نهج المعارضة العنيفة دون أن يمتلك شجاعة الإفصاح عنها، ولكنه ترجمها فعليا وفكريا وتنظيميا بقبوله البقاء في أقبية العمل السري، وهذا دليل كاف بأن تلك المجموعات لديها أجندة سرية وترغب في الحفاظ على جسدها التنظيمي الذي تم استعادة تكوينه بعد تمزق التسعينات.
وعلى الرغم من تقلص قوته؛ فان إثارة الغبار والعمل وسط المجموعات المقتنعة بالمشاركة مستفيداً من حالة نفاد الصبر واستغلال محدودية الوعي السياسي بين الأعضاء والمؤيدين، وبتوظيف وتعميق المشاعر الطائفية بخطاب تقليدي في محاولة جذب الشريحة الواسعة من الشباب الذين سرعان ما ينفد صبرهم، ولديهم الاستعداد لكل تحريض عاجل يأتيهم من خطيب يوم الجمعة فوق منبر بعيد أو قريب أو من خلال تعليمات داخلية وتناقل الأوراق أو موقع الكتروني ما زال يغذي الفضاء السياسي في البحرين بروح الكراهية والانتقام، بل ويحاول التشكيك في المشروع الإصلاحي بحيث تم تقسيم العالم إلى موالاة ومعارضة؛ فاختلط علينا المصطلح، إذ أصبح المشاركون في الحياة النيابية هم دعاة الموالاة والذين قرروا المقاطعة هم المعارضة الفعلية!!
ويصبح دعاة العصيان العنيف وخطاب التطرف هم فرسان اللحظة؛ فخطابهم أسهل للعبور نحو عاطفة منفعلة وجمهور متأزم بقضايا كثيرة دون أن يسأل نفسه عن الإجابات العميقة لتلك الأزمات وآلية حلها. وهل قدم لنا دعاة المعارضة العنيفة بكل مللهم مواقف محددة وعملية وسلمية يقرها القانون ولا تعرض السلم الأهلي للاهتزاز والمواجهات العنيفة وتزج الناس المسالمين في لعبتهم الخطرة والمروعة؟
وبدلا من أن يمسكوا بكرة النار من الانفلات نراهم يقذفون بها وهم ملثمين بعد أن منحهم بعض المثقفين أوسمة البطولة دون أن يدركوا أن المفردات التاريخية العظمى ليست بالعنطزة الكتابية ولا بتوزيع المصطلحات والنعوت، وإنما أن نكون صادقين مع أنفسنا في لحظة تورط الوطن والمشروع الإصلاحي والفضاء الديمقراطي الجديد، وتحديد حقيقة الموالاة للوطن أو الصمت عن المخاطر بحجة ان الصمت حكمة المؤمن! بينما التبرير له جريمة غير معلنة عندما يتم سؤالنا لماذا لم يخرس لسانكم لحظتها عن تحديد مواقف شجاعة مع أو ضد حول حالة جر البلاد إلى الاضطرابات العنيفة وإدخالنا في أزمات لا نتائج من ورائها إلا الخسران الكبير لكل شيء ومن كل شيء.
ما حدث مؤخرا في كرزكان والمعامير دفعني لاستعادة وتكملة التأمل القديم حول المعارضة السرية التي يقبلها وتقبلها الجمعيات العلنية؛ فتمنحها بطاقة مرور واعتراف دون أن تسألها لماذا الاختفاء وراء الكواليس المظلمة، فأنتم تورطوننا بعلاقاتكم المتقلبة والمثيرة، فلماذا لم تحلوا كل تلك الإشكالية؟ هذا السؤال يعكس نفسه في كل الأعمال التي تمت مؤخرا بعنفها وتلاوينها حيث لم يصدر بيان واحد عن تلك المجموعة المخربة وبإخفائها هويتها لا يمكن أن تكون إلا جهة تخاف من ورطتها والكشف عن هويتها، بل وحتى وان تلبست بعنوان جديد يخفي قناعها ووجهها الحقيقي.
إن الأعمال خلال الأشهر القليلة الماضية ليست منفصلة، وإنما حلقة متصلة لها عناوينها وغاياتها وأجندتها السرية؛ فالحلقات اللامركزية تنظيميا واختيار الجغرافيا والتوقيت والأسلوب وتوزيع المهمات والاتصالات وآلية التحرك والتشويش على الأمن بالتمويه باستبدال المناطق لكي يتم توريط بعض القرى، وإدخالها في المواجهات عنوة عن طريق ممارسة العنف في دائرة محيطها الجغرافي واستغلال توترات بعض القرى الإسكانية كالمعامير والأراضي ككرزكان والمالكية، بحيث يتم توظيف الانفعالات السكانية وتعاطفها مع الأفعال المروعة باعتبارها دفاعا عن حقوق منتهكة ومتراسا للعنف الطائفي المشروع.
كل تلك العناصر لا يمكن أن تنتج عن عقل شاب طري، وإنما عن خبرة سياسية مصابة باليأس وتسعى للتصعيد عن طريق التهييج والإثارة، ويسعدها أن تتناقل وكالات الأنباء أخباراً متطايرة، فيخدعها الإعلام المثير الهادف بأجندته لإدخال البحرين في قفص اللعبة. والأكثر مثيرا حينما تتوهم أنها نجحت بفرض أجندتها لمجرد التقاطها خلافا هنا وهناك فتمنح رموزها قيمة عليا فتنثره على مواقعها لكي تنفخ روحا من الأمل بنجاح الأجندة ومرور الملفات، كما أرادتها سهلة وطيعة وفي فترة قياسية، كما تتوهم المعارضة لفلسفة البؤرة الصغيرة القادرة على إشعال البلاد حريقا بمجرد أن تتنقل مجموعات ملثمة فتحرق هنا وتروع هناك، بل ويفلت العنان من سيطرة قيادتها حينما ينفعل الشباب أكثر من انفعال وأوامر القادة؛ فيتم التورط في لعبة اكبر من حجم المستطاع فيتسع الرتق على الراتق.
ما نتمناه من الجهات الرسمية هو أن تعي أن سكان تلك المناطق هدف للتوريط، بحيث كلما تم التعامل معهم كمتهمين وممارسة العقاب الجماعي مع المناطق بعيدا عن الحذر في مطبات تلك الأخطاء، فان ذلك يعزز من تكتيك دعاة العنف والإرهاب، فهم يشعرون أن توسيع دائرتهم الضيقة هو البحث عن حالة الالتفاف لمشروعهم المتآكل مع تنامي المشروع الإصلاحي في اتجاهات تنموية وبداية تحريك الضائقة الإسكانية والمعيشية والوظيفية.
صحيفة الايام
6 مايو 2008