­

المنشور

صبية عابثة أم أجندة سرية؟‮!‬

أتابع منذ وقت طويل وتحديدا منذ لحظة ولادة المشروع الإصلاحي،‮ ‬طبيعة وجوهر ما‮ ‬يكتب وما تتم ممارسته في‮ ‬الشارع السياسي،‮ ‬حيث تلاحقت الندوات والمسيرات والاحتجاجات وتبادل فيها الحالمون بمشروعهم الأوسع‮ “‬المسجات”؟ مفادها حزب الله‮.. ‬حزب الله والعبارة واضحة معناها حينذاك مع رياح المشروع الإصلاحي‮..‬
“‬ووقفوا على مسارح وأندية وربطوا على جبينهم عصابات وشعارات اسلاموية صارخة جهادية،‮ ‬جعلتهم‮ – ‬ولو أمنية‮ – ‬أن‮ ‬يكونوا‮ ‬يملكون الضاحية الجنوبية في‮ (‬بيروت البحرينية‮). ‬وترعرع هذا الحلم مع تضخم الذات وقراءة الواقع بالمقلوب ورؤية المشروع الإصلاحي ‬برؤية ‬ينتابها التشكيك والريبة،‮ ‬ما أدى إلى العجالة في‮ ‬رغبة تحريك الشارع والضغط عنوة،‮ ‬ولي‮ ‬عنق الواقع بهدف فرض الأجندة الخفية خشية من تسارع المتغيرات فيفلت منهم ملف المحاسبة تيمناً‮ ‬بجنوب أفريقيا؛ فكانت قراءتهم للحقائق التاريخية خاطئة،‮ ‬وفهمهم للعصيان المدني‮ ‬اعور،‮ ‬وفاقدا للحكمة والصبر،‮ ‬لكونهم لم‮ ‬يستوعبوا لا التاريخ ولا معنى التوازنات الداخلية،‮ ‬بل راهنوا على جر الشارع معهم وتلبسوا تارة بالطائفة وتارة بملفات ساخنة تعيش على الإثارة والانتقام،‮ ‬بهدف إعادة ذاكرة المجتمع إلى حقبة الماضي‮ ‬في‮ ‬وقت‮ ‬يسعى الشارع للعيش داخل النقلة الإصلاحية‮”. ‬
كان التحريض ونهج العنف مكشوفينِ‮ ‬في‮ ‬خطاب تلك المجموعات‮ ‬يعززها زهو الذات ودعم المنابر‮ – ‬بوعي‮ ‬أو دون وعي‮ – ‬بأنها تدافع عن حقوق تاريخية وتمييز‮ ‬يمارس ضدها،‮ ‬فما كان من تيار العنف والتصعيد وخلق الاضطرابات إلا مواصلة نهجه بعد أن وجد نفسه بعد فك الارتباط بالمقاطعة النيابية،‮ ‬والقبول بالدخول في‮ ‬العملية السياسية،‮ ‬مفضلا مواصلة نهج المعارضة العنيفة دون أن‮ ‬يمتلك شجاعة الإفصاح عنها،‮ ‬ولكنه ترجمها فعليا وفكريا وتنظيميا بقبوله البقاء في‮ ‬أقبية العمل السري،‮ ‬وهذا دليل كاف بأن تلك المجموعات لديها أجندة سرية وترغب في‮ ‬الحفاظ على جسدها التنظيمي‮ ‬الذي‮ ‬تم استعادة تكوينه بعد تمزق التسعينات‮. ‬
وعلى الرغم من تقلص قوته؛ فان إثارة الغبار والعمل وسط المجموعات المقتنعة بالمشاركة مستفيداً‮ ‬من حالة نفاد الصبر واستغلال محدودية الوعي‮ ‬السياسي‮ ‬بين الأعضاء والمؤيدين،‮ ‬وبتوظيف وتعميق المشاعر الطائفية بخطاب تقليدي‮ ‬في‮ ‬محاولة جذب الشريحة الواسعة من الشباب الذين سرعان ما‮ ‬ينفد صبرهم،‮ ‬ولديهم الاستعداد لكل تحريض عاجل‮ ‬يأتيهم من خطيب‮ ‬يوم الجمعة فوق منبر بعيد أو قريب أو من خلال تعليمات داخلية وتناقل الأوراق أو موقع الكتروني‮ ‬ما زال‮ ‬يغذي‮ ‬الفضاء السياسي‮ ‬في‮ ‬البحرين بروح الكراهية والانتقام،‮ ‬بل ويحاول التشكيك في‮ ‬المشروع الإصلاحي‮ ‬بحيث تم تقسيم العالم إلى موالاة ومعارضة؛ فاختلط علينا المصطلح،‮ ‬إذ أصبح المشاركون في‮ ‬الحياة النيابية هم دعاة الموالاة والذين قرروا المقاطعة هم المعارضة الفعلية‮!! ‬
ويصبح دعاة العصيان العنيف وخطاب التطرف هم فرسان اللحظة؛ فخطابهم أسهل للعبور نحو عاطفة منفعلة وجمهور متأزم بقضايا كثيرة دون أن‮ ‬يسأل نفسه عن الإجابات العميقة لتلك الأزمات وآلية حلها‮. ‬وهل قدم لنا دعاة المعارضة العنيفة بكل مللهم مواقف محددة وعملية وسلمية‮ ‬يقرها القانون ولا تعرض السلم الأهلي‮ ‬للاهتزاز والمواجهات العنيفة وتزج الناس المسالمين في‮ ‬لعبتهم الخطرة والمروعة؟
‬وبدلا من أن‮ ‬يمسكوا بكرة النار من الانفلات نراهم‮ ‬يقذفون بها وهم ملثمين بعد أن منحهم بعض المثقفين أوسمة البطولة دون أن‮ ‬يدركوا أن المفردات التاريخية العظمى ليست بالعنطزة الكتابية ولا بتوزيع المصطلحات والنعوت،‮ ‬وإنما أن نكون صادقين مع أنفسنا في‮ ‬لحظة تورط الوطن والمشروع الإصلاحي‮ ‬والفضاء الديمقراطي‮ ‬الجديد،‮ ‬وتحديد حقيقة الموالاة للوطن أو الصمت عن المخاطر‮  ‬بحجة ان الصمت حكمة المؤمن‮! ‬بينما التبرير له جريمة‮ ‬غير معلنة عندما‮ ‬يتم سؤالنا لماذا لم‮ ‬يخرس لسانكم لحظتها عن تحديد مواقف شجاعة مع أو ضد حول حالة جر البلاد إلى الاضطرابات العنيفة وإدخالنا في‮ ‬أزمات لا نتائج من ورائها إلا الخسران الكبير لكل شيء ومن كل شيء‮. ‬
ما حدث مؤخرا في‮ ‬كرزكان والمعامير دفعني‮ ‬لاستعادة وتكملة التأمل القديم حول المعارضة السرية التي‮ ‬يقبلها وتقبلها الجمعيات العلنية؛ فتمنحها بطاقة مرور واعتراف دون أن تسألها لماذا الاختفاء وراء الكواليس المظلمة،‮ ‬فأنتم تورطوننا بعلاقاتكم المتقلبة والمثيرة،‮ ‬فلماذا لم تحلوا كل تلك الإشكالية؟ هذا السؤال‮ ‬يعكس نفسه في‮ ‬كل الأعمال التي‮ ‬تمت مؤخرا بعنفها وتلاوينها حيث لم‮ ‬يصدر بيان واحد عن تلك المجموعة المخربة وبإخفائها هويتها لا‮ ‬يمكن أن تكون إلا جهة تخاف من ورطتها والكشف عن هويتها،‮ ‬بل وحتى وان تلبست بعنوان جديد‮ ‬يخفي‮ ‬قناعها ووجهها الحقيقي‮. ‬
إن الأعمال خلال الأشهر القليلة الماضية ليست منفصلة،‮ ‬وإنما حلقة متصلة لها عناوينها وغاياتها وأجندتها السرية؛ فالحلقات اللامركزية تنظيميا واختيار الجغرافيا والتوقيت والأسلوب وتوزيع المهمات والاتصالات وآلية التحرك والتشويش على الأمن بالتمويه باستبدال المناطق لكي‮ ‬يتم توريط بعض القرى،‮ ‬وإدخالها في‮ ‬المواجهات عنوة عن طريق ممارسة العنف في‮ ‬دائرة محيطها الجغرافي‮ ‬واستغلال توترات بعض القرى الإسكانية كالمعامير والأراضي‮ ‬ككرزكان والمالكية،‮ ‬بحيث‮ ‬يتم توظيف الانفعالات السكانية وتعاطفها مع الأفعال المروعة باعتبارها دفاعا عن حقوق منتهكة ومتراسا للعنف الطائفي‮ ‬المشروع‮. ‬
كل تلك العناصر لا‮ ‬يمكن أن تنتج عن عقل شاب طري،‮ ‬وإنما عن خبرة سياسية مصابة باليأس وتسعى للتصعيد عن طريق التهييج والإثارة، ‬ويسعدها أن تتناقل وكالات الأنباء أخباراً‮ ‬متطايرة،‮ ‬فيخدعها الإعلام المثير الهادف بأجندته لإدخال البحرين في‮ ‬قفص اللعبة‮. ‬والأكثر مثيرا حينما تتوهم أنها نجحت بفرض أجندتها لمجرد التقاطها خلافا هنا وهناك فتمنح رموزها قيمة عليا فتنثره على مواقعها لكي‮ ‬تنفخ روحا من الأمل بنجاح الأجندة ومرور الملفات،‮ ‬كما أرادتها سهلة وطيعة وفي‮ ‬فترة قياسية،‮ ‬كما تتوهم المعارضة لفلسفة البؤرة الصغيرة القادرة على إشعال البلاد حريقا بمجرد أن تتنقل مجموعات ملثمة فتحرق هنا وتروع هناك،‮ ‬بل ويفلت العنان من سيطرة قيادتها حينما‮ ‬ينفعل الشباب أكثر من انفعال وأوامر القادة؛ فيتم التورط في‮ ‬لعبة اكبر من حجم المستطاع فيتسع الرتق على الراتق‮. ‬
ما نتمناه من الجهات الرسمية هو أن تعي‮ ‬أن سكان تلك المناطق هدف للتوريط،‮ ‬بحيث كلما تم التعامل معهم كمتهمين وممارسة العقاب الجماعي ‬مع المناطق بعيدا عن الحذر في‮ ‬مطبات تلك الأخطاء،‮ ‬فان ذلك‮ ‬يعزز من تكتيك دعاة العنف والإرهاب،‮ ‬فهم‮ ‬يشعرون أن توسيع دائرتهم الضيقة هو البحث عن حالة الالتفاف لمشروعهم المتآكل مع تنامي‮ ‬المشروع الإصلاحي‮ ‬في‮ ‬اتجاهات تنموية وبداية تحريك الضائقة الإسكانية والمعيشية والوظيفية‮. ‬

صحيفة الايام
6 مايو 2008

اقرأ المزيد

عن ديموقراطية العيش في‮ ‬زمن الغلاء‮


في أكثر من دولة عربية انطلقت مناشدات من قبل مسئولين حكوميين تطالب أهل الاختصاص والاقتصاد بالتقدم بحلول لمساعدة الحكومة والمواطنين في قضية ارتفاع أسعار المواد  الغذائية  وتآكل القيمة الشرائية للعملة ومدى سلامة ارتباطها الدائم بالدولار تحديدا .
 الأمم المتحدة أطلقت ما أسمته ” خلية أزمة ” لمواجهة تحديات ارتفاع الأسعار المتأتية من ارتفاع أسعار النفط وتراجع سعر صرف الدولار والإنتاج الكثيف للوقود الحيوي ، ذاك على المستوى الدولي إما على المستوى المحلي فالمواطن العادي البسيط غير معني بتقصي أسباب ارتفاع الأسعار وهي كثيرة وبعضها واضح وطبيعي ومعلن وآخر خفي ولا يخلو من تآمر على الدول النامية والفقيرة ، وقد نجد العذر والمبررات لسقوط مواطني الدول الفقيرة في لجة العوز والفاقة ، لكنه أمر غير مبرر إطلاقا في الدول النفطية التي هي أيضا استفادت من هذه الموجة وتضاعفت مداخليها النفطية وتضخمت موازناتها ، لكن نصيب المواطن لم يتجاوز الفتات ، ولا ندري على أي أساس تم رصد 40 مليون دينار كمعونة لمواجهة ارتفاع الأسعار ولعام واحد فقط ، أي بمعدل دينار ونصف في اليوم ؟ وهي نسبة ضئيلة ولا تتناسب مع معدل التضخم الحاصل حاليا .  وما مدى صحة إن علاوة الغلاء ستتواصل إلى العام 2013 فقط .
 إن واحدا من أسباب ارتفاع الغذاء في العالم هو ارتفاع أسعار النفط ، وقد جنت الدول النفطية الكثير وهي مسائل لا تخفى على احد ، فالأرقام تعلن يوميا ، وإذا لم يكن هذا هو الوقت الملائم لتفعيل أدوات الرقابة الشعبية والتمثيلية والذهاب إلى المساءلات الحقيقية والمحاسبة وأين ذهبت هذه الزيادة وكيف جرى توظيفها وما نصيب الفئات المتعددة وتلك الأشد فقرا فيها ، فمتى يجيء هذا الوقت ؟
 إن إعلاء صوت مطالب المشاركة الشعبية في الرخاء والخير المتحقق من ارتفاع مداخيل النفط أهم من الهاء الناس في المجالس النيابية بالاستجوابات الهزلية ، نعم نريد مساواة في تلك المداخيل التي دخلت الخزانة مثلما نتساوى ونكتوي جميعا بنار ارتفاع الأسعار والغلاء ، أي ديموقراطية في السراء والضراء ، جميعنا اليوم يتحدث عن ارتفاع أسعار الغذاء ويغفل أن ارتفاع النفط قد سبقه ، ونحن دولة نفطية ، ثم إذا لم يكن هذا هو الوقت الملائم لتعزيز العدالة الاجتماعية والتفتيش عن مواطن الفساد ومكافحته فمتى إذن ؟
 موجة تصاعد الأسعار تخلق سبل إثراء جديدة لطبقة محددة بعينها في الدول التي تعاني من خلل في أنظمة العدالة الاجتماعية كما تخلق أيضا طبقة معوزة ومعدمة تعجز الرواتب والمداخيل الهزيلة عن مواكبتها .
  أمس في احد الأسواق قالت لي سيدة لم اعد اشتري احتياجاتي ولكن اشتري السلع التي حافظت إلى حد ما على أسعارها القديمة ، لكن هذه السلع بالكاد تكون موجودة وان وجدت فسترتفع تباعا إن آجلا أم عاجلا .
  الحديث اليوم يجب أن يركز على تغيير أو إعادة النظر في مجمل هياكل السياسات الاقتصادية والإسكانية والمعيشية ومبالغ المساعدات الممنوحة للمحتاجين ،  وثمة دول كثيرة بدأت تتحدث اليوم عن تغيير سياسات الدعم الحكومي وقصره على من يحتاجون إليه فقط ، ودعم الأجور دعما دائما وليس بمبالغ مقطوعة وسن الضرائب العادلة .  الاقتصاديون في أكثر من بلد عربي يرون إن اختبار الديموقراطية والمساءلة يتجلى في هذه الأوقات قبل اندلاع الاضطرابات والعصيان المدني الذي نرى نماذجه حولنا ، وهي دروس لنا جميعا.   لقمة العيش العصية تذكر بالقول المأثور الخطير والمنذر بالعواقب التي قد لا تحمد عقباها: 
                                         ”عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج شاهرا سيفه” 
 
الأيام   5 مايو 2008

اقرأ المزيد

اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 ــ 4)

لعل الاحتفال عالميا باليوم العالمي لحرية الصحافة هو مناسبة يمكن انتهازها أيضاً لإلقاء نظرة سريعة عابرة على أحوال صحافتنا العربية بوجه عام والخليجية منها بوجه خاص، والبحرينية منها بوجه أخص.. وهي أحوال أظن لا يختلف اثنان على ما بلغته من ترد وتخلف، إن لم نقل انحطاط، قياساً بأحوالها على مدى عقود طويلة منذ ولادتها خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى تخوم الربع الأخير من القرن الآفل (السبعينيات). والمفارقة أن هذا التردي آخذ في الازدياد طردياً كلما تقدم العالم في العلم والمعرفة ووسائل الاتصال، واستتباعاً كلما تقدمت نتيجة لذلك الصحافة العالمية.
إن غياب هامش الحريات الصحفية الكافي المنسجم مع تطورات العصر، كجزء من غياب الحريات العامة، ووقوع معظم صحافتنا العربية تحت هيمنة الدولة العربية الشمولية، أو شبه الشمولية، على اختلاف أنظمتها السياسية الجمهورية وغير الجمهورية، أو وقوعها تحت أسر الأحزاب المؤدلجة أو الجماعات والأفراد ذوي التفكير الشمولي، فضلاً عن فساد جل هذه المؤسسات الصحفية بالتوازي مع غياب تمتعها بالاستقلال الكافي سواء تجاه الدولة أو الأحزاب، أو تجاه الجماعة أو الفرد المسيطر عليها.. كل ذلك أدى الى هذا التخلف المطرد المريع الذي تشهده الصحافة العربية، وبضمنها صحافتنا الخليجية.

لذا ولما كان الحال هو كذلك فلا غرابة ألا تبرز من حياتنا الصحفية العربية نماذج من المؤسسات الصحفية المتميزة في الحريات الصحفية، ومن الصحفيين المغاوير الذين يتسابقون على خوض المغامرات الصحفية الحقيقية سواء من أجل الخبر المتفرد في مناطق الحروب وأعمال العنف، أم من أجل تدبيج الكلمة الحرة اللاذعة في نقد الفساد والقمع وممارسات العسف وانتهاك حقوق الإنسان مادامت المؤسسات الصحفية العربية التي يفترض بأنها ميكروسكوب كبير لكشف الفساد في المجتمع والدولة هي نفسها ينخرها الفساد من الداخل، ومادامت هي الناقدة لمصادرة حرية الكلمة والتعبير من قبل الدولة أو المؤسسات الاجتماعية النافذة، هي نفسها تصادر هذه الحرية تجاه كتابها وصحفييها.

ولكن ألا تقتضي الأمانة الصحفية القول في هذه المناسبة، مادمنا نتحدث عن اليوم العالمي لحرية الصحافة، إن صحافتنا البحرينية، وعلى الرغم من ريادة البحرين خليجياً في نشأة وتطور الصحافة، باتت اليوم هي في مؤخرة الصحافة الخليجية من حيث التدهور مقارنة بكل الصحافة اليومية بدول مجلس التعاون بلا استثناء؟ والمفارقة هنا في هذا التردي لا تكمن فقط فيما يشهده العالم من تطور في تقنية ووسائل الاتصال العالمية والذي أدى نتيجة لذلك إلى تطور الصحافة العالمية، بل تكمن المفارقة أيضا، كما قلنا، في ريادة البحرين صحفيا على مستوى خليجنا العربي، وفيما أضحت تتمتع به من هامش نسبي في حرية الصحافة غير مسبوق في ظل مرحلة الانفراج السياسي التي دشنها جلالة الملك مقارنة بما كان وضعها قبل ذلك، كما وتكمن المفارقة فيما شهدته الحياة الصحفية اليومية من ازدياد في عدد الصحافة المحلية حتى بلغ إجماليها 6 صحف في بلد هو أصغر البلدان العربية حجماً في المساحة والسكان.

ويمكننا أن نعدّد أبرز المظاهر الممثلة لهذا التردي المتفاقم الذي تشهده صحافتنا المحلية فيما يلي: 1ــ انضمام كوادر شبابية عديدة إليها، ولاسيما في المؤسسات الصحفية الجديدة منها، من دون أن تكون تمتلك الحد الأدنى من الموهبة والثقافة السياسية والإعلامية التي تؤهلها لاحتراف العمل الصحفي، وكل ذلك قد انعكس بدوره على المظاهر السيئة التي سنأتي على ذكرها تباعاً. 2 ــ تخلف في أسلوب صياغة الخبر و«الكبشن« وعناوين المانشيتات الرئيسية والفرعية والإخراج عموماً، وضعف في مستوى معظم الأعمدة اليومية أو الأسبوعية ومثلها المقالات وكثيرا ما ترى عنوان الخبر هو من الركاكة أو البهاتة الروتينية بما لا يعكس قوة وأهمية الحدث داخل متن الخبر، والعكس صحيح فكثيرا ما يأتي العنوان مثيراً جذاباً قوياً بينما متن الخبر لا يشي بحدث مهم أو غير اعتيادي. 3 ــ طغيان أسلوب الأدلجة أو التأدلج المسيّس الذي يتملك رئيس التحرير أو إدارة التحرير ليس فقط على المانشيتات وعناوين الأخبار الرئيسية وعلى الأخص المحلية منها، بل حتى على موضوعات الافتتاحيات الرئيسية، وبعض أعمدة الصحيفة اليومية للكتاب البارزين فيها. 4 ــ ترتيباً على ما يميز صحافتنا المحلية بدرجات متفاوتة من طغيان أدلجة اخبارها المحلية وفق أهواء وميول وأمزجة رؤساء التحرير فقد طغى عليها بقوة نتيجة لذلك أسلوب الردح اليومي، وانشغل أو تخصص عدد من كتاب الأعمدة اليومية بوظيفة هذا الردح والذي من مظاهره المناكفات والقذائف اليومية المتبادلة بين كتاب أعمدة هذه الصحيفة وكتاب أعمدة تلك الصحيفة، بدلا من التفرغ للوظيفة الأساسية للعمود في النقد والتحليل السياسي الموضوعي للأحداث المحلية والخارجية، وأخطر ما في مظاهر الردح هنا أن معظمه مسخر للتسعير الطائفي في المجتمع وإثارة النعرات المذهبية.
وأنت راجع معي كل الصحافة الخليجية، من دون استثناء، إن وجدت فيها هذا الحجم من مظاهر الردح والمشاجرات المسفة التي تسود صفحات كل أو معظم صحافتنا وإن بدرجات متفاوتة. وفي بعض الأحيان ينوب بعض كتّاب الأعمدة “المهرة” عن رؤساء التحرير لخوض حروب ردحية بالوكالة ضد بعضهم بعضاً. كما يتجلى ذلك في تناغم مانشيتات الصحيفة مع موضوعات تلك الأعمدة أو مع موضوع رئيس التحرير أو الافتتاحية. 5 ــ خضوع معظم أو كل صحافتنا التي تتباهى باستقلاليتها وهما لوصاية ورقابة الدولة وإن بدرجات متفاوتة، والأنكى من ذلك تلاعب كل إدارات ورؤساء التحرير بالهامش المتاح تبعاً ليس لأهوائهم وتوجهاتهم السياسية فحسب، بل تبعاً لقرابتهم وصلاتهم بالنافذين في الدولة والمجتمع والمؤسسات الاقتصادية، بحيث ترى بعض الصحف، رغم ما يطبع رؤساء تحريرها من أهواء وتعصب يمارسون أقصى الهامش المتاح في نقد الدولة وبعضهم يقلصه الى أدنى من الهامش المتاح ابتغاء مراضاة النافذين فيها. 6 ــ ضعف مستوى التحليل السياسي للخبر اللهم استثناءات محدودة جلها من الكوادر العربية. 7 ــ غياب أو تدني مستوى الكاريكاتير السياسي في الغالب الأعم لصحافتنا اليومية، وكذلك غياب ذائقة الوعي بأهمية الصورة سواء سياسية أم بيئية أم اجتماعية والعجز عن إبرازها في المكان المناسب. 8 ــ طغيان طوفان الأخطاء المطبعية والنحوية والاملائية بالجملة في كل صحافتنا، وربما الاستثناء الأقل في ذلك “أخبار الخليج” وهي شهادة غير مجروحة على أي حال لأن الجميع يقر بهذه الحقيقة.
 
صحيفة اخبار الخليج
5 مايو 2008

اقرأ المزيد

تشريعات مستنيرة لصحافةٍ‮ ‬حرة

يُحسب للبحرين أنها أحيت اليوم العالمي‮ ‬لحرية الصحافة بعددٍ‮ ‬من الفعاليات المُحملة بدلالات ايجابية،‮ ‬بدأتها الكلمة التي‮ ‬وجهها جلالة ملك البلاد،‮ ‬مؤكداً‮ ‬فيها على أن الصحافة شريك أساسي‮ ‬في‮ ‬عملية البناء الديمقراطي،‮ ‬وداعماً‮ ‬لفكرة أن‮ ‬يضمن التشريع المنظم للصحافة والنشر حريات أوسع في‮ ‬التعبير،‮ ‬وحماية للصحافيين من الإجراءات المعيقة‮.‬ وبدوره أظهر وزير الإعلام اهتماماً‮ ‬بالمناسبة من خلال الحفل الذي‮ ‬أقامته الوزارة لأعضاء الجسم الصحافي‮ ‬وكتاب الرأي‮ ‬في‮ ‬صحفنا المحلية،‮ ‬والذي‮ ‬دعا فيه الوزير الصحفيين للاستثمار في‮ ‬الحُرية المتاحة،‮ ‬حيث لا صحافة مؤثرة وفاعلة بلا حرية،‮ ‬كما أن الحرية ذاتها لا تزدهر بدون دور الصحافة الحرة‮.‬
وعلى الصعيد الأهلي‮ ‬أطلقت جمعية الصحافيين حملتها للتوقيع على ميثاق‮ “‬صحافيين ضد الطائفية‮”،‮ ‬وهو ميثاق‮ ‬يأتي‮ ‬في‮ ‬وقته لأنه‮ ‬يساهم في‮ ‬بناء ثقافة الوحدة الوطنية،‮ ‬ونبذ نزعات التحريض الطائفي‮ ‬والتشظي‮ ‬المذهبي‮ ‬الآخذة في‮ ‬التزايد،‮ ‬خاصة مع تعدد المنابر الصحافية والإعلامية،‮ ‬ومع هبوب الرياح الساخنة للطائفية الآتية من الجوار،‮ ‬لتنفخ في‮ ‬الجمر المتواري‮ ‬تحت الرماد‮.‬ هذه المؤشرات الايجابية التي‮ ‬أظهرتها البحرين في‮ ‬يوم الحرية الصحافية،‮ ‬بحاجة إلى ترجمات عملية،‮ ‬لنعبر من النشيد الرومانسي‮ ‬الممجد لهذه الحرية،‮ ‬إلى التجليات الفعلية لهذا النشيد في‮ ‬الواقع‮.‬ ومع تقديرنا لما تحقق لحرية الصحافة في‮ ‬بلادنا من فضاءات أوسع للتعبير بعد إقرار ميثاق العمل الوطني،‮ ‬ومن تعددٍ‮ ‬في‮ ‬الصحف،‮ ‬إلا أننا نظل نتطلع للمزيد من هذه الحريات،‮ ‬التي‮ ‬نريد لها أن تكون محمية بتشريع واضح‮ ‬يترجم الرغبات في‮ ‬أفعال‮.‬
‬أتطلع،‮ ‬بصفتي‮ ‬كاتباً‮ ‬صحافياً،‮ ‬شأني‮ ‬شأن بقية زملائي‮ ‬وزميلاتي،إلى أن أفتح الجريدة كل صباح فأجد أن مقالي‮ ‬نُشر كاملاً،‮ ‬وان الجريدة لم تضطر،‮ ‬لهذا السبب أو ذاك،‮ ‬أن تحذف منه فقرة أو سطوراً‮ ‬أو حتى عبارات،‮ ‬فذلك‮ ‬يشعرني‮ ‬بالاطمئنان إلى أن حال حرية التعبير عندنا بخير، ‬وأن الكلمة الوطنية المسؤولة والمتزنة محمية،‮ ‬لأنها ضرورية،‮ ‬فكلما قلت مساحة المسكوت عنه أو‮ ‬غير المرغوب‮  ‬في‮ ‬الحديث عنه،‮ ‬كلما تيقنا أن الأمور تسير في‮ ‬الاتجاه الصحيح‮.‬ التقرير السنوي‮ ‬لمنظمة‮ “‬فريدوم هاوس‮” ‬يقول أن وضع الحريات الصحافية في‮ ‬بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا‮  ‬يظل هو الأسوأ في‮ ‬العالم،‮ ‬لكنه‮ ‬يلاحظ أن هناك تحسناً‮ ‬ملموساً‮ ‬طرأ في‮ ‬هذا المجال،‮ ‬لأن عدد الصحافيين الذين أظهروا جرأة في ‬تخطي‮ ‬الخطوط الحمراء التي‮ ‬وضعتها الحكومات آخذ إلى الازدياد‮.‬
لكن‮ ‬يظل أن المطلوب هو تقنين هذا التحسن من خلال تطوير التشريعات الضامنة للحريات عامة،‮ ‬وللحريات الصحافية خاصة،‮ ‬فأي‮ ‬مساس بحرية الصحافة‮ ‬يعني‮ ‬أن الحريات الأخرى ستطالها ذات القيود‮ ‬،‮ ‬بالنظر إلى التداخل بين مكونات البنية التشريعية المتصلة بالحريات العامة،‮ ‬فلا‮ ‬يمكن لمجتمعٍ‮ ‬يُقيد حرية الصحافة ووسائل الإعلام أن‮ ‬يكون حُراً‮.‬ ولا تنحصر معوقات الحريات الصحافية في‮ ‬القيود المنصوص عليها في‮ ‬قوانين النشر والمطبوعات وحدها،‮ ‬وإنما تشمل أيضاً‮ ‬القواعد‮ ‬غير المكتوبة،‮ ‬والتي‮ ‬يمكن لها أن تكون أشد ثقلاً‮ ‬من أحكام القانون‮.‬
 
صحيفة الايام
5 مايو 2008

اقرأ المزيد

مقترح وثيقة “نواب ضد الطائفية”

تدشين جمعية الصحفيين البحرينية وثيقة‮ “صحفيون ضد الطائفية”،‮ ‬تأتي‮ ‬ضمن إسهامات الجمعية جنباً‮ ‬الى جنب مع مؤسسات المجتمع المدني‮ التي‮ ‬أقامت العديد من الفعاليات المهمة تصب في‮ ‬ذات الموضوع،‮ ‬كان آخرها مؤتمر الحوار الوطني‮ ‬لمعالجة الورم السرطاني‮ ‬الذي‮ ‬بدأ‮ ‬يدخل في‮ ‬جسد الأمة كل الأمة،‮ ‬من شرقها العربي‮ ‬الى مغربها‮.‬
وبما إننا في‮ ‬البحرين،‮ ‬البلد الصغير،‮ ‬القومي‮ ‬العروبة،‮ ‬لا ننفك عن مؤثرات الوضع الدولي‮ ‬والعربي‮ ‬البائس،‮ ‬فانعكاساته تستشري‮ ‬بين المجالس والمناطق والقرى،‮ ‬تغذيها الأصوات النشاز،‮ ‬الذين بدؤوا‮ ‬يدقون نواقيس الخطر،‮ ‬لذلك استشعر الصحفيون هذا الأمر فدشنوا وثيقة وقع عليها ‮٠٠٢ ‬صحافي‮ ‬وصحفية رفضوا اي‮ ‬صيغة مذهبية تكتب في‮ ‬خبر أو مقال‮.‬
وهنا أود ان أقدم اقتراحاً‮ ‬بصفة مستعجلة الى نوابنا الأعزاء،‮ ‬أرجو ان‮ ‬يصوت عليه النواب كافة،‮ ‬كما حدث في‮ ‬الاقتراح المستعجل وتوافق عليه النواب جميعا ما عدا نائبا،‮ ‬لوقف حفلة الفنانة هيفاء وهبي،‮ ‬لأن مقترحي‮ ‬أهم وأفضل،‮ ‬من مقترحكم‮ ‬يا سادة‮.‬
ما أود ان أقدمه ليس مجرد كلام إنشائي،‮ ‬ولكن ارجو ان‮ ‬يتبناه احد من النواب‮.‬
المقترح هو ان‮ ‬يحذو النواب حذو الصحفيين بتدشين وثيقة‮ “‬نواب ضد الطائفية”‬،‮ ‬لأن الكثير من التصريحات والمواقف وحتى التصويت لا تؤخذ فيه مصلحة المواطن والوطن،‮ ‬بل‮ ‬ينم عن نزعة طائفية بغيضة،‮ ‬لن‮ ‬يقوى شعبنا على فتق صغير منها،‮ ‬لسبب بسيط ان كل شعبنا لا‮ ‬يستطيع ان ‬يتخلى عن جسمه الآخر‮.‬
المذهبان الكريمان جزء من هوية بلدنا وشعبنا،‮ ‬ولا ندعو أبدا لإلغائهما،‮ ‬ولكن لا نريد لأحد ان‮ “‬يبدّع‮” ‬الآخر أو‮ “‬يرفض‮” ‬الآخر،‮ ‬لأن‮ “‬البدعة‮” ترمى على أي‮ ‬شخص خالف في‮ ‬الرأي‮ ‬تحت الشعار العام الذي‮ ‬يتخذه البعض أساسا للحكم على الآخر وهو‮ “‬مرحوم من وافقني،‮ ‬ملعون من خالفني”.‬
هذا ما وددنا ان نقترحه،‮ ‬ولكم الحق في‮ ‬ان ترفضوه إن رأيتم انه ليس هناك أصوات نشاز في‮ ‬مجلسكم‮.‬

صحيفة الايام
5 مايو 2008

اقرأ المزيد

المنطقة تخسر معركة المواهب

جاء في‮ ‬البحث الذي‮ ‬أجرته شركة‮ ‘‬Heidrick‭ & ‬Struggles‭’‬‮ ‬بالتعاون مع وحدة المعلومات الاقتصادية‮ ‬‭(‬Economist Intelligence Unit‭)‬‮ ‬التابعة لمجلة الإيكونومست البريطانية،‮ ‬أن المملكة العربية السعودية ومصر حلّتا ضمن الدول الخمس الأكثر فقرًا في‮ ‬مؤشر المواهب العالمي‮ Global Talent Index‭)‬‮ ‬) الجديد الذي‮ ‬يشمل مسحًا لثلاثين دولة في‮ ‬العالم‮.‬
ليس هذا وحسب،‮ ‬وإنما توقع البحث أن تبقى الدولتان في‮ ‬موقعهما دون تقدم حتى خمس سنوات قادمة‮. ‬وبحسب الشركة المنفذة للبحث‮ ‘‬هيدريك أند ستراجلز‮’ ‬التي‮ ‬تصنف ضمن أكبر خمس شركات في‮ ‬العالم في‮ ‬مجال الأبحاث والدراسات،‮ ‬فإن المنطقة شهدت معدلات نمو عالية في ‬السنوات الأخيرة،‮ ‬إلا أنه لم‮ ‬يكن للرضا الذاتي‮ ‬‭(‬Complacency‭)‬‮ ‬للمواهب مكان في‮ ‬ذلك النمو‮. ‬وإن بلدان منطقة الشرق الأوسط العربية تخسر معركة المواهب ما‮ ‬يتوجب عليها المسارعة لوضع استراتيجية للجذب والاحتفاظ بالكوادر المتميزة إذا أرادت الاحتفاظ بزخم التقدم‮.‬
وكشف البحث عن أن المواهب تتوجه إلى حيث تدفع لها أجور أعلى،‮ ‬حيث ستحافظ الولايات المتحدة على زيادتها كأكبر دولة في‮ ‬العالم استقطابًا للكوادر النوعية حتى عام‮ ‬‭,‬2012‮ ‬إلا أنها تواجه منافسة شديدة على هذا الصعيد من جانب الصين التي‮ ‬ستتقدم إلى المرتبة السادسة في‮ ‬مؤشر المواهب العالمي‮ ‬‭(‬GTI‭)‬‮ ‬في‮ ‬السنوات الخمس المقبلة‮. ‬في‮ ‬حين ستحافظ الهند على موقعها الحالي‮ ‬في‮ ‬المرتبة العاشرة وذلك بفضل نوعية التعليم والتجهيز الفني‮ ‬وتعبئة قوة عملها في‮ ‬الإنتاج المادي‮ ‬والخدمي‮.‬
وتسير الأمور ببطء في‮ ‬الشرق الأوسط وإن كانت بلدانه ستسجل تقدمًا طفيفًا في‮ ‬السنوات الخمس المقبلة،‮ ‬حيث ستخطو كل من السعودية ومصر خطوة واحدة إلى الأمام تاركتين هذه المرة البرازيل وتركيا خلفهما،‮ ‬حيث ستحتل السعودية المرتبة التاسعة في‮ ‬عام‮ ‬2012‮ ‬فيما‮ ‬يتعلق بنوعية جامعاتها ومعاهدها التعليمية،‮ ‬كما أنه من الممكن أن تساعد مداخيلها النفطية العالية في‮ ‬استقطاب الكوادر الموهوبة ما قد‮ ‬يرتفع تصنيفها في‮ ‬مجال استقطاب المواهب من المرتبة‮ ‬23‮ ‬إلى المرتبة‮ ‬‭.‬20‮ ‬
‬وكان هذا المؤشر قد استحدث مؤخرًا لقياس سبعة جوانب تنموية في‮ ‬عدد منتخب من بلدان أقاليم العالم المختلفة‮. ‬وتشمل هذه الجوانب الديموغرافيا،‮ ‬نوعية التعليم الإلزامي،‮ ‬نوعية الجامعات ومدارس الأعمال،‮ ‬نوعية بيئة تنمية المواهب،‮ ‬التعبئة والمرونة النسبية لسوق العمل، ‬اتجاهات الاستثمارات الأجنبية المباشرة،‮ ‬مدى الاستعداد لاستقطاب الكوادر الموهوبة‮.‬
في‮ ‬ذات السياق كشفت إحصاءات الجامعة العربية عن أن هجرة العقول العربية تكلف الاقتصاد العربي‮ ‬نحو‮ ‬200‮ ‬مليار دولار‮.‬
وتستقطب الدول المتقدمة‮ (‬الغربية خصوصًا‮) ‬فئة الاختصاصيين والعمال المهرة بصورة انتقائية بحيث‮ ‬يشكلون إضافة نوعية لطاقاتها الإنتاجية‮. ‬وقد بلغ‮ ‬عدد من استقطبتهم الدول الغربية من العقول العربية في‮ ‬عام‮ ‬450‭ ‬2004‮ ‬ألفًا‮. ‬
وعلى الصعيد الخليجي،‮ ‬أوضحت مجموعة‮ ‘‬داتا ماتريكس‮’ ‬‭(‬Datamatrix Group‭)‬‮ ‬التي‮ ‬نظمت قبل أيام‮ (‬18‮ ‬‭- ‬19‮ ‬ديسمبر‮ ‬2007‮) ‬مؤتمرًا في‮ ‬دبي‮ ‬حول نقص القيادات الفذة في‮ ‬بلدان مجلس التعاون‮ ‬‭(‬GCC Executive Talent and Skills Shortage Summit‭)‬‮ ‬بأن بلدان مجلس التعاون تتجه،‮ ‬وهي‮ ‬تجتاز مرحلة من تشييد المشاريع الإنمائية الضخمة،‮ ‬نحو مواجهة مشكلة في‮ ‬نقص الموارد البشرية عالية الكفاءة والخبرة. فالجامعات الخليجية لا تُخرج سوى القليل من المواهب الفذة الذين‮ ‬يمكن أن تستقطبهم الشركات متعددة الجنسية والشركات الخليجية الخاصة ذات الإمكانات والطموحات الاستثمارية المتنامية،‮ ‬ناهيك عن أن القطاع الحكومي‮ ‬يستقطب جُلّ‮ ‬هؤلاء‮.‬
صحيح أن دول مجلس التعاون حققت قفزة كبيرة في‮ ‬نوعية التعليم الخاص والتعليم العام في‮ ‬السنوات العشر الأخيرة بفضل انتشار أعداد الجامعات والمعاهد والكليات والمدارس الخاصة وزيادة مخصصات التعليم الحكومية،‮ ‬ما نتج عنه ازدياد أعداد حملة الشهادات العليا والاختصاصيين‮ .. ‬إلا أن كل ذلك لا‮ ‬يوازي‮ ‬حجم ونوعية الطلب في‮ ‬أسواقها‮.‬
‮ ‬ولذلك فإنه‮ ‬يتعين على دول مجلس التعاون أن تضع استراتيجيات جديدة خاصة بكيفية بناء والمحافظة على قوة العمل التنفيذية النوعية،‮ ‬في‮ ‬ذات الوقت الذي‮ ‬يجب عليها أن تنفذ سياسات عملية لتطوير قاعدة وطنية من الكوادر المحلية الموهوبة لشغل المناصب الهامة في‮ ‬أجهزة الدولة ومؤسساتها وشركاتها ومؤسسات وشركات القطاع الخاص‮.‬
 
صحيفة الوطن
4 مايو 2008

اقرأ المزيد

مسيرة الأول من مايو.. العابرة للطوائف الجامعة للشعب العامل

‘مطارقكُم هُنّ جَرسُ الزّمانِ…. يُدَقّ فيسمعُ حتى الحَديدُ ‘
محمد مهدي الجواهري
تجسّدت الهموم الواحدة والغايات المشتركة لمُكوّنات المجتمع البحريني المعاصر في المسيرة العمالية السّامقة التي شهدتها شوارع العاصمة عصر يوم الخميس الفائت، الأول من مايو/أيار، في وضح النهار وللسنة السادسة على التوالي منذ التدشين الرسمي للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين سنة ,2002 كون عيد العمال السنوي عطلة رسمية وشعبية ويشارك فيه المواطنون عمال بلدهم – بشكل أو بآخر- في تظاهرة رائعة منسجمة تتسم بالانضباط والنظام والشعارات الواقعية الجامعة البعيدة عن التشنج الطائفي/المذهبي والنشاز المناطقي/الفئوي، الّلذين يعملان – كالسوس – في نخر مكونات مجتمعنا التعدّدي السّمح لغايات أنانية لا علاقة لها بالوطنية الحقّ!
ولعل مسيرة عمالية كهذه، تجوب شوارع الحاضرة ‘المنامة’ كفيلة بالتأثير الايجابي على الرأي العام وإرسال رسائل محدّدة إلى حِرفيي التفرقة ومهندسي التخريب من جهة وإلى الوعي الجمعي للمواطنين قاطبة من جهة أخرى، مفادها أن الطاعون الطائفي/المذهبي سيتناثر أشلاؤه آجلا، على صخرة الوحدة الوطنية المنبثقة من وحدة النسيج العمالي في مملكة البحرين الفتية!
تزامن موعد المسيرة العمالية بعد لأيٍ من التئام المؤتمر الأول للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، الذي قيل عنه الكثير من الآراء المتفاوتة، بين مَن ينشد المثالية المفرطة ومَن يفترض حياداً تاماً غير مُسيّس واستقلالية. إلى آخر المعزوفات الصادقة، لكنها القادمة من باب الرغبات والأماني، التي لا توجد أصلا في الحياة الواقعية، المتّسمة بالنّدية وهيمنة الأقوى والالتزام الفكري والعقائدي للعناصر النقابية كونهم مواطنين يحملون بالضرورة فكراً سياسياً أو عقائدياً حتى وان لم ينتموا – فرضاً- إلى أية جمعية سياسية. في هذا الصدد لابد من الإشارة إلى أنه لا يهم كثيراً، مَنْ هي القوى السياسية المسيطرة الآن على الجسم القيادي وذلك لأنه من الطبيعي أن تتصارع الجمعيات/ الأحزاب السياسية على أهم مفاصل الحياة الاقتصادية والإنتاجية في المجتمع (اتحاد عمال البحرين) بُغية السيطرة والحضور، المرهونين بقوة كل جهة سياسية ومكانته في خريطة ميزان القوى في المجتمع في الوقت الحاضر. لكن كون الاتحاد العمالي مدرسة كبرى لتهذيب النقابيين الأكفاء المخلصين، بُغية تطويرهم، وعياً، تفانياً وموقفاً، والذين لابد أنهم سيكتشفون لاحقا ضرورة الوعي والبصيرة الطبقيين المنطلقين من الرؤية العلمية الصحيحة بمنأى عن الانتماءات الفرعية الأخرى سواء كانت تعود لطائفة أو قومية. فالعمال بطبعهم والتصاقهم اليومي بعملية الإنتاج وبهموم الحياة وشموليتها هم أمَمِيّين بالسليقة. ولعل ‘وحدة الحركة العمالية’ و’الإخلاص للمصلحة العمالية’ هما القيمتان الأساسيتان اللتان يجب أن لا تفارقا مخيّلة النقابيين ولو للحظة واحدة بل يجب أن يحافظوا عليهما كما يحافظون على بؤبؤة أعينهم!
لعل أهم التحديات الموجودة الآن على أجندة الأمانة العامة الجديدة للاتحاد تتلخص في ملفات صعبة، لا تتحقق إلا بالتضامن والوحدة العمالية وبالتعاون والتنسيق مع مختلف قنوات الضغط المجتمعي والمجتمع المدني إضافة إلى السلطة التشريعية بهدف إقناع الحكومة، بضرورة الالتزام بالمواثيق الدولية والعربية والتصديق على الاتفاقيات الملزمة مثل بند 135 المعني بحماية النقابيين من الفصل والمضايقة الوظيفية والمهنية. البند 87 المعني بالحريات النقابية وبحق التشكيل النقابي في مؤسسات الدولة المحمي أساسا بمرسوم ملكي بقانون رقم 33 والبتّ القانوني فيه بغية إبطال تعميم ديوان الخدمة المدنية المناهض والمعارض (يا للغرابة) للمرسوم الملكي المذكور! إضافة إلى الأولوية القصوى لمحاولة تحقيق وشرعنة الحدّ الأدنى للأجور المتصاعدة بنفس نسبة التضخم السنوي، الأمر الذي يصبّ في مصلحة مختلف قطاعات المجتمع حيث تحافظ القوة الشرائية على وتيرتها المعتادة مما يعزز الوضع الاقتصادي و يصب في الاستقرار الاجتماعي المنشود.
لعله من المفيد للقارئ الكريم، أن نمر سريعا على نبذة تاريخية عن السبب الذي كان وراء اختيار هذا اليوم – بالذات للاحتفال – عيداً تقديرياً وتضامنياً، على مستوى العالم، لكادحي العالم ومنتجي الخيرات المادية الحياتية. لعل الصدفة التاريخية وحدها (وما أكثرها) كانت وراء اختيار هذا اليوم، الذي لا علاقة له بأية أفضلية وتقديس له أو سواه من الأيام.. فأيام التاريخ متشابهة!
يقال إن الفكرة وُلدت في أصغر القارات ‘أستراليا’، التي كانت تاريخيا عبارة عن سجنٍ كبيرٍ لعتاةِ متمردي بريطانيا وقد تكاثر هؤلاء المتمردون بأبناء وأحفاد، تحولوا مع مرور الزمن إلى عمال سخرة أسهموا في بناء القارة البكر. ويبدو أن درجة الاستغلال الطبقي كان مُرَكّزا لأسباب عديدة ولذلك استقوت الحركة العمالية المطلبيّة، التي كانت على رأس أجندتها ‘يوم عمل 8 ساعات’، الشعار الذي كان يعتبر في القرون السالفة اقرب إلى الجريمة! حدث أن قرر العمال هناك في استراليا في يومٍ من العقد السادس، القرن التاسع عشر (1856) تنظيم يوم احتفالي، دون أن يفكروا في حينه أن يُحتفل سنويا، ولكن فقط التوقف عن العمل في ذلك اليوم بمطلب وحيد، ‘يوم عمل 8 ساعات’. أصبح ذلك الهدف المطلبي والتاريخي الأول الذي حددته ‘الأممية الأولى’ التي تأسست في سنة 1864 في لندن. انتقلت الفكرة التضامنية والمطلبية كالنار في الهشيم إلى العالم الجديد/ قارة أميركا الشمالية، التي تحول إليها مركز الثقل العمالي السياسي والمطلبي من أوروبا سريعا مواكبا التحول الصناعي هناك، حيث تبناها المؤتمر الرابع لاتحاد المنظمات النقابية في الولايات المتحدة وكندا في سنة 1884 الذي عقد في مدينة شيكاغو، محددا يوم الأول من مايو 1886 موعدا للإضراب العام. وما حان الموعد إلا وتوقف في حدود ربع مليون عامل أميركي عن العمل في ذلك اليوم، خاصة في المدينتين الصناعيتين ‘شيكاغو’ و’بوسطن’، الأمر الذي تسبب في تدخل قوات الأمن وسريان القمع والمقاضاة القانونية والوقوف بحزم أمام أي تجدد مطلبي مماثل بعد أن اُعدم قادة الإضراب العمالي في ‘شيكاغو’ في نوفمبر/تشرين الثاني .1887 لكن سرعان ما تجدد المطلب الأساس – على أية حال- سنة 1888 في اجتماع حدد الأول من مايو من (1890) يوما خاصا مستمرا وسنويا للاحتفال التضامنيّ العالمي والمطلبيّ العمالي، الذي تزامن مع مؤتمر عالمي للعمال عقد في باريس، كان شعاره الأساس، ‘ثماني ساعات يوم عمل’ وبحضور أكثر من 400 مندوب من مختلف القارات. وما تلا ذلك من الإضرابات الكبيرة والمستمرة على مستوى العالم وانتزاع مطلب الـ 8 ساعات للعمل اليومي تباعا وفي سنوات لاحقة، بعد أن تحول الأول من مايو/أيار من كل عام إلى رمزٍ عمالي عالمي بقرار من مؤتمر’الأممية الثانية’ في يوليو/ تموز ,1899 أدى إلى التقليد التضامني السنوي السّاري حتى الآن، والذي سيظل بالطبع مادام التناقض بين العمل ورأس المال موجودأ على أجندة التاريخ البشري.

صحيفة الوقت
4 مايو 2008

اقرأ المزيد

اليوم العالمي لحرية الصحافة (2 ــ 4)

لربما تكون الولايات المتحدة هي واحدة من أبرز الدول الديمقراطية الغربية العريقة التي ينال فيها الصحفيون تقديرا متميزا من الدولة والمجتمع لصيانة وحماية حقوقهم المهنية والسياسية بصرف النظر عن رؤاهم ومواقفهم السياسية، وبصرف النظر عن كل ما يؤخذ على هذه الدولة من ممارسات تناقض الحقوق الصحفية المكتسبة أو وجود قصور وعيوب في منظومة الحقوق والحريات الصحفية. يكفي ان نعرف ان الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم، على الارجح، التي يتمكن فيها صحفي من اسقاط رئيس دولة قبل ان يكمل حتى نصف مدته من الولاية الثانية، ألا هو الرئيس الامريكي الاسبق نيكسون الذي عندما تمكن بعض صحفيي الـ “واشنطون بوست” من كشف فضيحة تجسس الحزب الجمهوري الذي ينتمي اليه نيكسون على مقر الحزب الديمقراطي أثناء العملية الانتخابية التي انتهت باعادة انتخاب هذا الرئيس لولاية ثانية في أوائل سبعينيات القرن الماضي، فقد اضطر للاستقالة بعد تفاقم تداعيات الفضيحة.
أما عشاق المغامرات الصحفية الذين هم أشبه بمغامري متسلقي الجبال والبنايات الشاهقة والذين هم مولعون بتغطية أخبار بؤر الحروب والتوتر ومناطق أعمال العنف والارهاب، فجزء كبير منهم صحفيون أمريكيون كما نعلم. ومن التبسيط المخل اتهام جميعهم بأنهم مجرد مخبرين أو عملاء للسي. آي. ايه. وربما لا يمضي شهر الا ويسقط منهم على الاقل قتيل أو مختطف أو أسير أو جريح في مختلف مناطق بؤر الصراعات العسكرية وأعمال العنف في العالم ومثلهم بالطبع عديدون من دول غربية عديدة في العالم. واذا كانت مؤسسات البريد في جميع دولنا العربية حتى “الديمقراطية” منها اعتادت ألا تصدر طوابع بريد جديدة إلا لتكريم رجالات النخب والاسر الحاكمة، أو في بعض الاحيان لابراز معالم لبلدانها أو الاحتفاء بمناسبات محددة، فان مؤسسة البريد الامريكية هذا العام ادراكا ما لتكريم الصحفيين والصحافة الحرة من سمعة عالمية تكسبها الدولة الامريكية كدولة ديمقراطية اختارت عشية اليوم العالمي للصحافة تكريم خمسة من مشاهير صحفييها الذين ضحوا وأظهروا شجاعة استثنائية غير اعتيادية لتغطية أحداث عدد من المواقع الساخنة والحروب.
وجاء التكريم من خلال اصدار سلسلة من الطوابع البريدية التي تحمل صور المكرمين، وهم كل من: مارثا جيلهورون، وجون هيرسي، وجورج بولك، واريك سيفاريد، وروبن سالازار. علما بأن تكريمهم الذي تصادف مع عشية اليوم العالمي للصحافة انما جاء في اطار الاحتفالات بمناسبة مرور قرن على تأسيس نادي الصحافة. الصحفية جيلهورون على سبيل المثال كانت بمثابة مقاتلة صحفية في معارك الحرب الاهلية الاسبانية لتغطية أخبار هذه الحرب، ثم معارك الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام، والصحفي هيرسي كان من أبرز من تتبع الآثار الفعلية الخطيرة لجريمة بلاده بالقاء القنبلة الذرية على هيروشيما.
وهكذا اضطلع الصحفيون الثلاثة الاخرون المكرمون بمهام أخرى مماثلة جسور لا تقل خطورة. ولا أعرف لماذا لم يشمل التكريم صحفيي فضيحة ووترجيت الشهيرة فلربما سبق ان جرى لهم تكريم أو أكثر في مناسبات سابقة. مما لا شك فيه ثمة حوافز ودوافع شجعت هؤلاء الصحفيين الامريكيين وغيرهم على القيام بمغامراتهم الصحفية الخطرة لعل من أبرزها المناخ المتقدم في حرية الصحافة وما تملكه من ضمانات دستورية وتشريعية تكفل حماية هذه الحرية، علاوة واستتباعا لذلك انتماؤهم لمؤسسات صحفية كبرى عريقة وحرة ومتطورة وان كان كل ذلك لا يقلل من قيمة روحهم المقدامة على حب خوض المغامرة الصحفية وعدم المبالاة بعواقبها الوخيمة على حياتهم.. ولكن كل ذلك لا يبرر بأي حال من الاحوال غياب مثل هذه النماذج بالمطلق في صحافتنا العربية اللهم النزر القليل جدا.
ولعل الامانة التاريخية تقتضي في هذا المقام التذكير بالمغامرة الصحفية التي قام بها الزميل السابق في “أخبار الخليج” عدنان الموسوي حينما أقدم على مغامرة التسلل الى داخل الكويت أثناء الاحتلال العراقي للكويت عام 1990 لتغطية أخبار المقاومة الكويتية وجرائم هذا الاحتلال، ومن ثم العودة متسللا ثانية الى بلاده. وفي كل الأحوال ليس ما يميز حياتنا الصحفية العربية، بوجه عام وحياتنا الصحفية الخليجية بوجه خاص، غياب فقط مثل هذه النماذج الصحفية المقدامة المغامرة في تغطية أخبار مواقع الحروب وأعمال العنف والاضطرابات لأسباب عديدة موضوعية وذاتية، بل غياب المؤسسات والجهات التي تكرم الصحافة العربية والصحفيين العرب بناء على معايير موضوعية نزيهة متجردة لا معايير محسوبية وشللية ومتحيزة.
 
صحيفة اخبار الخليج
4 مايو 2008

اقرأ المزيد

البحــــرين‮ ‬ ليست للأغنياء فقط

عنوان هذا المقال هو نص شعارٍ‮ ‬كُتب على بعض اليافطات التي‮ ‬رفعها عمال ونقابيو المنبر التقدمي‮ ‬في‮ ‬مسيرة الأول من مايو،‮ ‬عيد العمال العالمي،‮ ‬التي‮ ‬نظمت عصر‮ ‬يوم السبت الماضي‮.‬ وهذه المسيرة الاحتفالية باتت تقليداً‮ ‬سنوياً‮ ‬في‮ ‬البحرين منذ العام ‮١٠٠٢‬،‮ ‬حتى قبل صدور قانون العمل النقابي،‮ ‬حين تقدم القائد الوطني‮ ‬الكبير الراحل أحمد الذوادي‮ ‬مسيرة عمالية كبيرة نظمها المنبر التقدمي‮ ‬وشاركت فيها فعاليات عمالية ونقابية متعددة،‮ ‬انتهت بخطابٍ‮ ‬معبر ألقاه الذوادي‮.‬ بعد شهور من ذاك أطلقت حرية العمل النقابي‮ ‬بمرسوم من جلالة الملك،‮ ‬مما مهّد الطريق أمام تشكيل النقابات العمالية في‮ ‬مختلف المواقع،‮ ‬كما صدر مرسوم ملكي‮ ‬باعتبار الأول من مايو عطلةً‮ ‬رسميةً‮ ‬في‮ ‬البحرين أسوةً‮ ‬بالبلدان الأخرى وتقديراً‮ ‬لمكانةِ‮ ‬ودور طبقتنا العاملة‮.‬ وهذه التطورات الايجابية بالغة الأهمية،‮ ‬تُقيدنا قليلاً‮ ‬إلى الوراء،‮ ‬ففي‮ ‬العام ‮٤٧٩١‬،وفي‮ ‬دور الانعقاد الأول للمجلس الوطني‮ ‬آنذاك تقدم نُواب كتلة الشعب باقتراح بقانون باعتبار الأول من مايو عطلة رسمية في‮ ‬البحرين‮.‬ حينها لم تكن الحكومة وحدها من وقف ضد الاقتراح،‮ ‬إنما تصدى له،‮ ‬أيضاً،‮ ‬نواب الكتلة الدينية الذين لم‮ ‬يروا فيه سوى استيراد لفكرة دخيلة علينا من بلدان أخرى،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن أن الأول من مايو،‮ ‬كما قالوا،‮ ‬يؤجج صراع الطبقات وتناحرها،‮ ‬فيما المطلوب هو تعاون هذه الطبقات‮!‬ علينا،‮ ‬بعد هذا،‮ ‬أن نُلاحظ مدى التطور الذي ‬قطعته طبقتنا العاملة في‮ ‬أن تجعل من هذا اليوم عُطلة رسمية لها،‮ ‬اذا ما تذكرنا المسار الطويل الذي‮ ‬قطعته فكرة الاحتفال بالأول من مايو، ‬منذ أن كانت مجرد احتفالات سرية تقام على شكل رحلات للمزارع على أيدي‮ ‬نشطاء الحلقات السرية الأولى لجبهة التحرير الوطني ‬في ‬منتصف القرن العشرين،‮ ‬ثم إلى مهرجان خطابي‮ ‬في‮ ‬نادي‮ ‬البحرين بالمحرق عام ‮٤٧٩١‬،‮ ‬وأخيرا إلى مسيرات علنية تطوف شوارع البحرين،‮ ‬وتشارك فيها أطياف العمل السياسي‮ ‬والنقابي‮ ‬في‮ ‬البلاد‮.‬ وأمر‮ ‬يبعث على الفخر والاعتزاز أن تحمل مسيرة الأول من مايو في‮ ‬البحرين كل مظاهر الاحتفاء والتعبير التي‮ ‬نجدها في‮ ‬المسيرات العمالية بهذا اليوم في‮ ‬مختلف بلدان العالم من أعلام ويافطات وشعارات وهتافات‮.‬ وعودة إلى ما رفعته مسيرة هذا العام من شعارات نجد تجليات الفكرة الأممية النبيلة لهذا اليوم،‮ ‬التي‮ ‬تجسد وحدة شغيلة العالم في‮ ‬النضال ضد الاستغلال،‮ ‬ومن أجل ظروف معيشة أفضل والعدالة الاجتماعية والمساواة‮.‬ وعلى الصعيد العام فان القضية التي‮ ‬تواجه عمال وشغيلة العالم،‮ ‬بمن فيهم عمال وكادحو البحرين،‮ ‬هي‮ ‬غلاء الأسعار وتردي‮ ‬مستوى المعيشة،‮ ‬بسبب معدلات التضخم المرتفعة وتدني‮ ‬الأجور‮.‬ إن الحديث‮ ‬يدور عن ازدهار عام تشهده البحرين،‮ ‬يتجلى في‮ ‬مظاهر العمران والأبراج الشاهقة التي‮ ‬تنهض في‮ ‬العاصمة وسواها،‮ ‬لكن‮ ‬يظل أن هذا”الازدهار” ‬محصور في‮ ‬شريحة محدودة من الأثرياء والمتنفذين،‮ ‬فيما تعاني‮ ‬الغالبية الساحقة من المواطنين من تدهورٍ‮ ‬مضطردٍ‮ ‬في‮ ‬أحوالها المعيشية،‮ ‬وهو أمر‮ ‬يؤكد مصداقية المطلب الذي‮ ‬رفعه المنبر التقدمي‮ ‬في‮ ‬مسيرة الأول من مايو بألا تكون البحرين للأغنياء فقط‮.‬
 
صحيفة الايام
4 مايو 2008

اقرأ المزيد

يوم البعث… ستون عاما على موتي… فهل سأبعث من جديد؟

لملمت كتبي وأوراقي .. وعقدت العزم لأكتب ألف كتاب .. وكتاب .. علها تجسد لوحات التاريخ من حاضري ، وادقق صفحات الماضي .. ليقرأ من بعدى أولادي وأحفادي .آلام شعب داست أطرافه الأنذال .. هذا الزمان عامر بجراح .. وانين .. وألم لم يقطع حاضرة وصل الماضي ..
تجلت صفحات الأدب من شعر وقصص .. فاح منها عبق  من العز والمجد .. جراحا .. وآلاما قد تعجز عن رسمها ريشة فنان ..  قد يذهب الدهر منا سدى، ونحن نئن ولم نكمل لوحتنا الأولى  بعد !! … ترى هل يحضرنا شخص ما .. أو معجزة تكمل نهاية المشهد ؟! 
شاهدت بعقلي مشاهد .. داعبت وجدي وعزفت على أوتار الفؤاد ، ما خلت ألحانه من سلم عذب لم يسترقه سمعي من قبل ،  قد لا يكون من بعده عذوبة الحان .
في محطة من عزم الرجال سطرت بقلمي صفحات .. أرّختً فيها لمدينتي .. فكوت فؤادي في كل سطر دمعة جدلتها مقل الآباء ، والأجداد .. قسماً برب الجلالة  منهم من قال لي : خذوا من أولادي .. ولو كان جميعهم ، واعتبروني عاقرا .. أصابه العقم والجدب ولم أنجب بعدى أولادا .. شيدوا قبري تحت شجرة الكرم والتين والعناب .. لا تتركوني أقضى حسرة فخذوا من لحمي .. من شراييني واصنعوا قنبلة تفجر أسوار مغتصب مدينتي ، لأشق من طريقها عودتي . ولملموا لحمي ودثروه هناك تحت التراب . هذا عهد على أنفسهم قطعوا .. لو ما عادت الديار لهم ان يعودوا لها ولو بالأكفان ..
أيا أهل فلسطين ردوا على وصية ،تركوها على صفحات كتابي ، فاستصرخني الصمت ، وما عدت بهمة ، سوى البوح بما طوته الأيام .. ألا تسمعون مثلي الصوت القادم من خلف التراب ؟ أم ستسلمون وصايا منبتكم لمجالس الجلاد؟
دوسوا على جبروت الغاصب الجلاد قبل ان يصيبكم الوهن وتطويكم صفحات النسيان .. حق العودة دستور لنا .. لا ؛ بل هو تاريخ عفتي ، وكتاب مقدس غير رهينة ولن يخضع لمساومة أو حسابات .
أيها الكتاب ..أيها الشعراء … أيها الخطباء .. افردوا لي صفحات كتبكم .. منابركم اخطّ عليها سطور محنتي فقد فاضت جراح شعبي وآلامه ولم تعد حاضرة في خاطرة أهل الخطب والروايات!!
ستون عاماً على موتي .. فمتى سأبعث من جديد ؟
أكتبوا كلماتي على صدور صفحاتكم .. انظموا بيوت الشعر .. أفسحوا مجالسكم … لقد مضت ستون عاما على نكبتي …على موتي ..
توالت الأيام والسنون ، ومازالت قراراتهم تراوح مكانها باردة … جوفاء !!
حاكموني أنا الضحية .. وصافحوا ..احتضنوا .. قبلوا أيادي الجلاد !!
هلوا علينا كسرب الجراد .. فمن أي منبع جئتم يا معشر الرذيلة … أيها الرعاع ؟!
قبلوا وجنات عروستي وأنا مازلت أقف بعقب الباب !!
يا ساستي .. يا قادتي .. حذار ان يغرر بكم الأبكم السفاح ، فانتم أهل الحذاقة واللباقة .. فحذار
أجوف مازال يغتصب جدار غرفتي .. هدم حظيرتي .. حتى مآذن مسجدي دنسوا
والآن يتلوى تحت جدار قبلتي فحذار هذا الأبكم السفاح …   
 
بتصرف

اقرأ المزيد