حضرت مساء امس العرض الاول للفيلم البحريني اربع بنات، ويحكي الفيلم قصة اربع بنات يتخرجن من الجامعة ويخفقن في ايجاد عمل؛ فيلتحقن بقافلة العاطلين وتتبدد احلامهن المستقبلية في الوظيفة، وفي الاستقلالية المادية والاعتماد على الذات. ثم يتفتق ذهنهن عن انشاء مغسلة للسيارات وينجح المشروع، ولكن شابا متدينا قريبا من العائلة وطامحا في الاستيلاء على المغسلة يتصدى له ويحاربه ويؤلب الجماهير ضده ويحشد لتخريبه عبر وسمه بالفساد والحرام والفسق والفجور، تصير المغسلة وصاحباتها حديث اهل الديرة، خصوصا حين تنطلق عريضة شعبية ويجري اخذ تواقيع الناس عنوة من اجل افشاله،حين ينوي قائد العملية التخريبية حرق المغسلة، تصير اشياء واشياء.. ولا اريد ان افصّل وافسد عليكم متعة المشاهدة.
في صناعة السينما لا يزال امامنا كثير ولا نزال في موقع الابجدية، يجب ان نعترف، لكن، مما لا شك فيه، ان هذه المحاولات رغم تواضعها تشكل نواة جيدة. جرأة الشباب والجيل الجديد منهم في الدخول الى معترك المجال الفني تستحق الدعم والمؤازرة، بيد أن الطموح وعشق المهنة لا بد وان يرفدا بالدراسة والتأهيل، من دون هذا التأسيس الأوّلي فإن الاحتراف سيستغرق وقتا طويلا وسوف تتسم المحاولات بالوهن والضعف دوما، وسيتردد الممولون في خوض غمارها باعتبارها مغامرة غير مضمونة الارباح.
في كلمة الافتتاح التي القاها اكرم مكناس رئيس مجلس ادارة الشركة البحرينية للانتاج السينمائي التي انتجت الفيلم قال: إن هدف الشركة هو اتاحة الفرصة للمهارات والطاقات البحرينية الشابة لبناء قاعدة سينمائية للمواهب البحرينية. الفيلم تمثيلا واخراجا كله شباب في شباب، وكان قد شارك في مهرجان الخليج السينمائي في دبي ونال المركز الثاني، وفي الفيلم نرى الى شباب جدد يفرضون اسماءهم ويجربون حظوظهم من باب الهواية وحدها فقط، ونرى ان اداءهم لا بأس به كأعمال اولية، وكنا قد رأينا عملا اكثر تميزا هو فيلم حكاية بحرينية ونطمح ان يرتفع المستوى جودة وصنعا واتقانا مع كل فيلم جديد، ان كتاب النصوص والممثلون والمخرجون قلة في منطقة الخليج، الا ان توفر المال ورغبة رجال الاعمال واهل البزنس في تنويع استثماراتهم وفي تشجيع الشباب وارساء دعائم لصناعة سينمائية من شأنه ان يسرّع في انهاض هذ الحقل الابداعي الجميل.
تساءل ابراهيم العريس الناقد الفني والسينمائي اللبناني في ندوة له قبل عدة اشهر في بيت عبد الله الزايد: كيف اخفقت كل دول الخليج رغم ثرائها وارتفاع نسب التعليم وكل مظاهر العصرنة والتحديث التي رافقت عهد الثروة النفطية في تأسيس صناعة سينمائية ناهضة؟ربما كان الوعي الاجتماعي وادراك اهمية الفن ورسالته ودوره المجتمعي في التعبير عن الذات وفي التغيير لم يكن بمستوى حجم هذه الثروات، لكن المشاريع الجديدة والافكار الجديدة تحتاج دوما الى مغامرين والى شبكة من اهل الاختصاص والى شراكة مجتمعية، فيلم “اربع بنات” احد مغامرات شبابنا الجميلة، كم اسعدت بالحفاوة التي لقيها ابطال الفيلم البحريني وطاقمه ومعده ومنتجه، ونحن ندخل الى صالة العرض يملؤنا الشوق والفرح. فهل كثير علينا ان ننتج فيلما سينمائيا واحدا جيدا كل عام؟
صحيفة الايام
8 مايو 2008
فيلم “أربع بنات”
توضيح من نقابي قديم
يعد الأخ عباس عواجي واحداً من أبرز القادة التاريخيين في الحركة النقابية في البحرين، ولا نزال نتذكر صوره في الملصقات والمطبوعات التي كانت الحركة الوطنية تصدرها سراً، وهو في مقدمة المظاهرات العمالية في السبعينات مع رفاقه من الناشطين العماليين والوطنيين، للمطالبة باطلاق حرية العمل النقابي في البلاد وتحسين الأوضاع المعيشية للعمال.
وعباس عواجي، العضو في اللجنة المركزية للمنبر التقدمي حالياً والناشط في التحالف الوطني من أجل العدالة الانتقالية، هو الذي كان ضمن أول دفعة من المناضلين الذين طبق عليهم قانون أمن الدولة المشؤوم وقضى في المعتقلات سنوات عدة متواصلة، بدا مبتهجاً وسعيداً وهو يسير في الصفوف الأمامية من مسيرة الأول من مايو الأخيرة جنباً الى جنب مع أعضاء المنبر ومناصريه من الأجيال المختلفة، بمن فيهم الشبان الذين لم يكونوا قد ولدوا بعد يوم كان عباس يقيد المظاهرات ويشارك في تأسيس النقابات واللجان العمالية في سنوات الجمر.
يجدر بعباس أن يكون كذلك وهو يرى ثمار الغرس الذي زرعه هو ورفاقه وهم يطالبون بأن يكون الأول من مايو عطلة رسميةً في البحرين، وأن تكون للحركة العمالية نقاباتها المدافعة عن حقوقها، وهو ما تحقق الآن بفضل تلك التضحيات وبفضل ما أمنه المشروع الاصلاحي لجلالة الملك من حُريات ومكتسبات. وتعليقاً على ما نُشر في هذه الزاوية منذ يومين عن ذاكرة الأول من مايو في تاريخ حركتنا العمالية والوطنية كتب لي الأخ عباس عواجي (أبو بدر)، مضيفاً بعض المعلومات ذات الدلالة في هذا المجال.
يتذكر عباس انه فُصل من عمله في شركة “بابكو” في أبريل من عام ٣٧٩١ بسبب نشاطه العمالي، فالتحق بالعمل في احدى المنشآت، وكانت مناسبة الأول من مايو على الأبواب، حين شكل عباس ورفاقه فريقاً للتحضير لاحياء هذه المناسبة رغم القيود الكثيرة المفروضة على الحركة العمالية.
في الأول من مايو نفسه توقف العمال في المنشأة التي يعمل فيها عن العمل لمدة ساعة، حيث استدعاه مسؤول في المنشأة مهدداً اياه، ولكن سرعان ما انطلقت مسيرة قوامها نحو ٠٠٢ عامل من المقر القديم لوزارة العمل انتهت عند مسجد العبد، حيث وزع المتظاهرون الحلويات والمشموم الذي جُلب من البساتين.
يُعد عباس هذه المسيرة أولى الفعاليات العلنية التي أحيت الأول من مايو دون ترخيص من الجهات الرسمية، ليعقبها في العام التالي احتفال نادي البحرين في المحرق، في ظروف الحياة النيابية الأولى آنذاك. ومع أن الحياة النيابية كانت لا تزال مستمرة حين حلّ أول مايو في عام ٥٧٩١، لكن عباس عواجي، ومناضلين آخرين، كانوا قد أصبحوا في المعتقل منذ يونيو ٤٧٩١.
صحيفة الايام
8 مايو 2008
الكرة في ملعب نوابنا
قلناها مراراً ونقولها للمرة الأخيرة الصحفيون والكتاب ليس على “راسهم ريشه”ولا يدعون العصمة، و”أخطاؤهم” إن حدثت يمكن معالجتها والرد عليها في الفضاء وفي الساحة الصحفية المفتوحة، لا سيما، مع تعدد الصحف وتنوعها بما يكفل حرية الرد والتعليق في حدود الكتابة التي تكفل لجميع الإطراف نشر آرائهم بلا قيد وبلا شرط دونما حاجة إلى إشهار “سيف الحبس” والتهديد والتلويح به بمناسبة ومن دون مناسبة كما اعتاد البعض “ممن نعرف وتعرفون” أن يفعل إلى درجة تراكمت معها لدى النيابة القضايا المرفوعة والشكاوى الكيدية المدفوعة من هذه الجماعة التي أدمنت رفع القضايا والشكاوى وكأنها تعيش خارج الزمن البحريني الجديد “وهذا له دلالاته وأبعاده ولكنه موضوع آخر خارج سياق حديثنا اليوم”.
فالآن الحكومة انسجاما واستجابة لتوجيهات جلالة الملك ولتطلعات الصحفيين والكتاب ورغبة منها في الارتقاء بالصحافة البحرينية وإشاعة الطمأنينة في نفوس الكتاب والصحفيين في المملكة وافقت على إلغاء “عقوبة حبس الصحفي” تماما وهي خطوة تسجل للحكومة ولصالح الصحافة والصحفيين، ولكن تبقى الخطوة الاستكمالية الثانية التي ينتظرها الصحفيون وتنتظرها الصحافة من مجلس النواب ومن البرلمانيين؛ فالكرة الآن في ملعبهم والتاريخ سيسجل موقفهم بالسلب أو بالإيجاب فهذا راجع لهم ولتقديرهم ووعيهم بأهمية إلغاء هذه المادة وتأثيرها على أكثر من مستوى داخلي وخارجي، وبما له علاقة مباشرة على سمعة البحرين بالإيجاب في حالة موافقتهم على إلغاء المادة وبالسلب في حالة وقوفهم ضد إلغائها.
ومهما كانت المبررات “وهي على فكرة مبررات مردود عليها” التي قد يدفع بها بعض النواب وبعض الكتل التي لا تريد ولا ترغب في إلغاء هذه المادة “العار” والتي يعتبرونها سيفا مسلطا يشهرونه في وجه الكتاب والصحفيين كلما عنَّ لهم ذلك، ليدرؤوا به نقدهم ومساءلتهم ومراقبتهم المطلوبة من الصحفيين والكتاب كونهم “شخصيات عامة” تعمل بالشأن العام المتعلق بالقضايا الوطنية المختلفة ما يستلزم معه النقد والمتابعة والمساءلة بمنتهى الصراحة والوضوح ودون مجاملات، من اجل الصالح العام الذي لن يتحقق في ظل بقاء “مادة الحبس” يلوح بها من يهاب حرية الصحافة، ويخشى النقد العلمي والرأي الموضوعي.
بإلغاء هذه المادة من قانون الصحافة تدخل الصحافة البحرينية تاريخا جديدا، وإذا ما أبقاها البرلمان أو أعادها إلى القانون؛ فستنقلب المعايير انقلابا فاضحا وسيسجل التاريخ إن “بيت الشعب” ونواب الشعب وقفوا ضد صوت الشعب، ممثلا في الصحافة بوصفها صوت من لا صوت له، وبوصفها نبض الناس ومنبرهم المفتوح والذي مهما كانت الملاحظات عليه، لكنه يظل المنبر الذي لعب دورا وما زال، في هذه المرحلة الهامة والدقيقة من تاريخ البحرين، وهو دور لا يمكن أن يكون جزاؤه بقاء مادة الحبس في القانون، وهو ما دعا القيادة ومعها الحكومة إلى إلغاء هذه المادة.. فهل يلغيها النواب؟؟
هذا هو السؤال الذي يشغلنا كصحفيين وكتاب ليس لأننا نهاب “الحبس” أو لأننا نرغب أن نتميز بـ “الريشه”، بقدر ما نشعر إن في حبس الصحفي أو الكتاب هدرا لكرامة ضمير الوطن وصوت الشعب الذي تمثله الصحافة التي لا تدعي العصمة، ولكنها تدعو إلى سيادة ثقافة الرأي والرأي الآخر بديلا لثقافة الحبس تلك التي ما زال “البعض ممن نعرف وتعرفون” يحن اليها فيواصل في “الطالعة والنازلة” رفع شكاواه لعله يكمم الأفواه ويكسر الأقلام الحرة والوطنية التي لا تبالي في الحق لومة لائم، والتي تسعى لتأسيس ثقافة الحوار وثقافة النقد على خلفية ثقافة الاستنارة.
الأيام 7 مايو 2008
إلا رغيف العيش..
في لقاء جمع وزراء الزراعة العرب الأسبوع الماضي في الرياض تحت مظلة المنظمة العربية للتنمية الزراعية، بدا فيه وزراء الزراعة العرب في حال اولي غير مستوعب بعد للصدمة الغذائية المتأتية من ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، العرب الذين أخفقوا في تحقيق الحد الأدنى من التكامل الاقتصادي والذين أضاعوا في السابق فرص توجيه المال والاستثمار في المشاريع الزراعية والصناعية في الدول العربية التي تمتلك ميزات نسبية كمصر والسودان والعراق ولبنان والمغرب. خرج وزراء الزراعة بمقترح دراسة جدوى تأسيس صندوق طوارئ للمساعدة في تخفيف اثر الزيادة العالمية في أسعار الغذاء، الأمن الغذائي المهتز عالميا وعربيا سيرجح كفة الغذاء على مداه من قضايا، وقد وصف برنامج الأغذية العالمي ارتفاع الغذاء بأنه طوفان صامت إلا إن هذا الطوفان من شأنه أن يتسبب في أعلى موجة صاخبة ومدوية من الاضطرابات الشعبية وأعمال الشغب. وتقول التقديرات ان 100 مليون شخص مهددون بالفقر.
ينصح وزير الصناعة البحريني الدكتور حسن فخرو بتغيير نمط التعاطي التجاري الحالي ناصحا تجار المواد الغذائية في البحرين بالتوجه نحو الشراء الجماعي والانفتاح على الأسواق وإيجاد بدائل للسلع التي اعتادها الناس، وناصحا المستهلكين بعدم الإصرار على البقاء على علامة تجارية واحدة، داعيا المصارف وشركات التمويل إلى الدخول في مجال الصناعات الغذائية والزراعية لمواجهة الواقع الغذائي الجديد الذي يتبين فيه مدى انكشاف وانفضاح العالم العربي غذائيا مما يتطلب القيام بمجموعة من التدابير ذات الطابع العربي العام المشترك وأخرى محلية كتلك التي تطرق إليها وزير الصناعة.
ونعلم إن بلدا كالبحرين قد تبددت فيه رقعة الأرض الزراعية جرى تفتيتها ومن الصعب ربما الحديث عن أي زراعة من أي نوع، كان بعض المستثمرين البحرينيين قد درسوا استئجار أراض زراعية في السعودية ولا ندري مدى جدية المشروع والى أين وصل؟ وكنت قد أشرت في مقال سابق إلى أهمية التفكير في مجمل السياسات الاقتصادية الجارية حاليا وتقنين كل أنواع الدعم لكي يذهب للمستحقين له فقط، كذلك دعم الأجور ومؤازرة الاقتراح البرلماني بزيادة الرواتب والأجور للموظفين والمتقاعدين.
إن المتابع لتداعيات أزمة ارتفاع الأسعار يرى إن دولا عربية قد فرملت قطار التخصيص المنطلق بلا حدود من اجل استعادة الدولة لدورها في ضبط السوق، واشتغلت على خفض عجز الموازنة للجم التضخم المتواصل والمؤدي بالضرورة إلى تدهور المعيشة وتراجع التنمية، قد كان العالم كله ونحن معه سائرا على خط ونهج العولمة المترابط المتشابك، واعدا البشر بالخير والنماء والأسواق المفتوحة ورفع الدعم عن كل أنواع السلع لتسهيل التجارة الحرة، واستفاق العالم على حقيقة مروعة وهي أن أزمة اقتصادية واحدة كأزمة الرهن العقاري في أمريكا قد ألقت بظلالها على العالم كله، وأدت إلى تراجع قيمة أقوى عملة في العالم، وساهمت في هذا الارتفاع الكبير في الأسعار.
فإن العالم العربي وتكتلاته الإقليمية ومجلس التعاون الخليجي مدعو اليوم لتغيير سياساته الاقتصادية والقيام بإجراءات قصيرة المدى وأخرى بعيدة المدى تنهض على بعض من الاستقلالية والاعتماد على الذات، سلة الغذاء العربية موجودة إذا توفرت الإرادة السياسية وجرى ترجيح كفة الاقتصاد على السياسة والاختلافات والتناقضات وتوحدت الرؤى نحو مصلحة الشعوب، وإذا لم يكن وقت الشدة والتحولات هو الدافع للتغيير، فمتى إذن؟
الأيام 7 مايو 2008
تراثنا وآرائنا
قضايا الوطن لا يمكن تجزئتها وهي في مجموعها تشكل مدى الحب والولاء له ولأرضه . وقضيتنا مع التراث هي واحدة من هذه القضايا .
في بداية التسعينات وفي جمعية الآثار حاول الشاعر علي خليفة تأسيس جمعية للتراث بإيجاد مجموعة من الأشخاص يكونون سياج يحمي هذا التراث وكانت البداية دورات ومحاضرات لأساتذة في التاريخ ووزعت فيها شهادات وكان إلى جانب هذا النشاط ندوات لأشخاص أحبوا التراث وقدموا له مجهوداتهم وعلى رأسهم الملا محمد على الناصري الذي كان يلقى ترحيباً جماهيرياً في ندواته وعلى سبيل المثال ما كتبه حول عيون الماء في البحرين والصور التي عرضها لهذه العيون التي كان أكثرها قد اندثر وكانت مشروع كتاب وقد نشرت في أحدى الجرائد المحلية فقد نال استحسان من الحاضرين حتى إن صحفية شابة سألته أين تخصص فكان جوابه انه خريج منبر الملا عطية الجمري وانه كتب ما كتب بسبب اهتمامه وتعلقه بالتراث وعندما قدم موضوع أسماء القرى في البحرين كان الناصري قد أجرى عملية في عينيه فقرأ الدكتور عيسى أمين بالنيابة عنه بحثه وقد كانت جمعية الآثار تقدر كثيراً الناصري حتى أنها أقامت له حفل تأبيني عند وفاته . وقد ذكرنا في موضوعنا ” ذاكرة الحمام ” عن بركة الماء القادمة من قلعة الديوان والتي تصب في مساحة من الأرض أخذ الحمام أسمه منها إذ إن الناصري هو الذي كتب عنها ما قيل فيها من شعر وعن مساحتها وعمقها والمساحة المضللة منها وذلك نقلاً عن مشاهداته لها في الثلاثينات، ومن المعروف إن الناصري كتب في الأمثال الشعبية وأغاني الأطفال القديمة والأزجال والمهن القديمة.
على صعيد الأدب الشعبي استخرج أديب معروف بعض القصص التراثية وأعد منها برنامج لشهر رمضان وكان جهدا مبذولا لكنه نسب كتابة هذه النصوص إليه مما أثار حفيظة الملا الناصري فكتب رداً مما جعل الأديب يعتذر .
وان مشروع جمعية للتراث في تلك الفترة توقف لتدخل وزارة الإعلام .
إذا ما كان لنا أن نتحدث عن التراث فلا ننسى ما ضاع لنا منه، مثال ذلك بيت فاروق الذي هدم لإقامة مركز أبن سينا وصورة البيت موجودة داخل المركز.
يقول الباحث خالد البسام عن بيت فاروق عرشي..هو بيت ضخم في مدينة المنامة به مساحة اجتماعات واحتفالات واسعة وكان أكثر الاجتماعات الشعبية تعقد فيه وهو يقصد ما يتعلق بفلسطين 1947-1948م حتى أن أكثر الشخصيات السياسية التي برزت في الخمسينات كان لها دور في هذه الاجتماعات.
موضوع التراث والآثار يأخذنا إلى قصة رواها المفكر الإيراني علي شريعتي في كتابه العودة إلى الذات حيث يقول انه مع صديقاً له وفي زيارة إلى المتحف البريطاني لاحظ فزع هذا الصديق من حجر ٍٍ مكتوب عليه بالفارسية وموضوع بعناية في المتحف حيث قال انه لسنوات طويلة كان يذهب مع والده إلى أحدى المدن الإيرانية وانه كان يرى هذا الحجر على قبر شخصية تاريخية وان أهل المنطقة بسبب تقديرهم لهذه الشخصية و دون وعي لقيمة هذا الحجر جاءوا برخامة من النوع الممتاز ووضعوها على قبره والقوا بالحجر جانباً وهو يقول إن وصوله إلى المتحف البريطاني يعكس وعي الغربيين بالآثار والتراث وعلي شريعتي يعلق على ذلك بأن آثار المسلمين الأوائل من مكة والمدينة تم جرفها بالجرارات حيث أقيمت مكانها دكاكين الأشرطة والالكترونيات وهذا يعيدنا إلى ما قاله الدكتور علي الوردي إن كل التحف في مكة والمدينة تم الاستيلاء عليها عند زوال حكم الإشراف وتم نقلها إلى الهند حيث بيعت.
يقول علي شريعتي إذا ما وجد في فرنسا شارعاً ما سقط فيه مقاوم فرنسي ضد النازية يتم وضع لوحة تشير إلى ذلك المقاوم.
إنها أجراس الذاكرة الشعبية و هو يقول كذلك إن الفرق بين المفكر الرجعي والمفكر اليساري ليس في أن هذا يقلد القدماء وذاك الفلاسفة التقدميين. الفرق إن هذا غير واعي ومقلد وان ذاك واعً ومفكر ونحن نتذكر إن بلكريف في مذكراته خصص جانب من وقته لزيارة سوق الحراج حيث يشتري ما يعثر عليه من أشياء ثمينة ومنها الصحون المصنوعة من البورسلان النقي وهو عارف بقيمتها لمصلحته الشخصية طبعاً .
في الملتقى الثقافي تحدث أستاذ جامعي مختص بالفلك وذكر قائمة طويلة بالكتب والكتاب من البحرين ممن عاشوا قبل أربع مائة سنة وكتبوا في الفلك . وقد أثار استغراب الجمهور فلم يكن احد يظن إن هناك هذا الاهتمام في ذالك الزمان بوضع كتب تختص بالفلك هذا بالطبع إلى جانب الكتب ذات الطابع الديني وما وصلنا منها وهو كثير.
التراث ليس فقط كتب وهناك المهن الشعبية والألعاب الشعبية والحزاوي والأشعار لان في الدنيا خير كما يقولون فان التراث يتم لملمته من هنا وهناك وما يصل إلى أيدينا ليس ببسيط ونحن وان لم نجد المساحة الكافية لنكتب عن التراث فان هذا لايمكن إن يعطينا الحق فننسى ما قام به الباحث الدكتور جمال حيث جمع الكثير منه كما ذكر في محاضرة له بجمعية الملتقى الثقافي ويقول انه ظل سنوات يجوب القرى ويسمع الحكايات والأبيات الشعرية حتى أصبحت لديه حصيلة كبيرةً منه وسيصدرها في مجموعة من الكتب.
خاص بالتقدمي
حروب المياه .. حقيقة أم خيال..؟!
يحاول المتخصصون والمعنيون بقضايا المياه لفت انتباه العالم وحكوماته الى أن الأرض بكاملها ستكون مهددة بالعطش منتصف هذا القرن أى في عام 2050، الأمر الذي يرجع لعدد من الأسباب لعل أهمها، الارتفاع المتزايد لسكان العالم، والتلوث، وسوء استخدام المياه خاصة في نظم الري، وبسبب درجة حرارة الأرض الآخذة في الارتفاع، وهو ما يسمى بظاهرة الاحتباس الحراري والتي تزيد من مساحات الجفاف والتصحر.
وربما ذلك هو ما دفع مؤسسة الاستشارات الدولية “برايس-ووترهاوس-كوبرز” للتأكيد بأن النزاعات ستزداد حدة بسبب نقص المياه، فيما حذر آخرون من أن العديد من الحوادث الحدودية المرتبطة بالمياه قد تتحول إلى حروب مفتوحة بسبب النقص المتزايد في هذه الثروة الطبيعية.
وتعتبر منطقة الشرق الأوسط إحدي بقاع العالم التي لا تتوقف فيها ألعاب الحرب علي مدار العام وربما يرجع ذلك الي العقوبة القاسية التي حكمت بها الطبيعة عليه بأن يكون ليس فقط مخزنا لأكبر احتياطيات البترول في العالم ولكن أيضا من خلال كونه من أكثر مناطق العالم ندرة في المياه.. ومن المفارقات الغريبة كما يقول أحد الدبلوماسيين الغربيين أن الدول الغنية بالبترول في المنطقة كلما حفرت بحثا عن آبار للمياه صادفت آبارا للبترول.. ومنذ فترة ليست بالقصيرة يتنبأ أباطرة السياسة والدراسات المستقبلية بأن حروب القرن الواحد والعشرين لن تندلع بسبب البترول وإنما بسبب المياه..
العرب والمياه
أحيانًا حين نتكلم عن “ندرة المياه” أو “حروب المياه”، نتحدث عن تلك الأمور وكأنها أمر بعيد عنا، مع أن كثير من المؤشرات تؤكد أن الدول العربية مقدمة على خطر الشح المائي، فـ 90% من المنطقة العربية من المناطق الجافة، ومع أن الوطن العربي يمتلك 27 ألف كم من السواحل البحرية إلا أن ثماني دول غير عربية تتحكم في 85% من الموارد المائية العربية.
كما أن هناك تراجعًا ملحوظًا في حصة الفرد العربي من المياه، إذ كان متوسط نصيبه يصل إلى 3800م3 سنويا في عام 1950 انخفض إلى 1027 م3 في عام 1996، والآن أصبح أقل من 1000 م3، بينما يقترب مثيله الأفريقي من 5500 م3 سنويا، والآسيوي من 3500 م3 سنويا، ومن المتوقع أن ينخفض متوسط نصيب الفرد العربي من المياه إلى 464 م3 سنويا بحلول عام 2025.
ويفتقر الوطن العربي بشكل عام إلى الموارد المائية الغزيرة باستثناء بعض الأنهار كالنيل ودجلة والفرات، وأدى وقوع جزء منه في المنطقة الجافة أو شبه الجافة من العالم إلى ندرة الموارد المائية لديه؛ مما دفع بعدد من دوله ومنها دول الخليج إلى الاعتماد الكبير على الموارد غير التقليدية وأهمها تحلية المياه المالحة، ومعالجة مياه الصرف الصحي والزراعي.
ويندر أن توجد دولة عربية بمنأى عن ذلك، حتى مصر التي يحسدها الكثيرون على نهر النيل بحاجة إلى أكثر من 73 مليار متر مكعب من المياه لمشاريعها الزراعية التي تغطي 4% فقط من مساحة البلاد، ويقدر خبراء آخرون العجز في المياه الذي تعاني منه مصر بنحو 24 مليار متر مكعب سنويا.
وفي الوقت الذي يغطي فيه نهر النيل 95% من احتياجات مصر المائية، فإن هذا المورد أصبحت تهدده العديد من المخاطر، وعندما كان الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي يتقلد أعلى المناصب في الخارجية المصرية حذر عام 1988 من أن “النزاع المقبل في منطقتنا لن يدور حول السياسة بل حول مياه النيل”.
وفي الوقت الحالي، هناك قلق مصري متزايد من مطالب بعض دول حوض النيل بمراجعة اتفاقيات تقاسم مياه النيل، وعندما أعلنت كينيا عام 2003 عن نيتها الانسحاب من معاهدة حوض النيل، بالتزامن مع تمرير البرلمان الكيني بيانًا يطلب من الحكومة إعادة التفاوض على معاهدة حوض النيل، وبالتزامن أيضًا مع انسحاب وزيرة المياه الكينية مارثا كاروا من مؤتمر وزراء الري الأفارقة في إثيوبيا بشكل مفاجئ عائدة إلى بلادها (مع أنه كان من المقرر أن تصادق مع زملائها في دول حوض النيل على الوضع الراهن للمعاهدة).
عندما حدث ذلك، تخلت الدبلوماسية المصرية عن هدوئها المعهود ووصفت هذا الأمر بأنه “عمل خطير جدًا يرقى إلى إعلان حرب”، ووجهت مصر تحذيرًا قويا إلى كينيا، مؤكدة مرة أخرى أن انسحاب نيروبي المزمع من معاهدة حوض النيل يعد “خرقًا للقانون الدولي وإعلان حرب”، كما أعلن وقتها وزير الري والموارد المائية المصري محمود أبو زيد في تصريح عنيف لا يخلو من التهديد “أنه لا يستطيع أحد منع مصر من أي إجراء تريد اتخاذه للدفاع عن نفسها”.
وقد أصبح واضحًا من توقيت ظهور وإثارة الخلافات، إن قضية مياه نهر النيل باتت ورقة سياسية تريد بعض القوى الإقليمية والدولية استخدامها للضغط ليس فقط على مصر، ولكن أيضًا على السودان لتقديم تنازلات في قضايا سياسية.
وفي منطقتنا العربية، أيضًا لا يجب أن ننسي الخلاف الإسرائيلي اللبناني حول نهر الحاصباني الذي ينبع في لبنان ويصب في نهر الأردن، إذ تتهم تل أبيب بيروت بتحويل مجراه.
تفاقم الجفاف
تؤكد منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “الأونيسكو” ومركزها في باريس، أن ثلث أحواض الأنهار يتم تقاسمها بين أكثر من دولتين، كما يشير تقرير وزاري فرنسي إلى أن 15 % من بلدان العالم تتلقى أكثر من 50 % من مياهها من دول أخرى، وأن اثنان من اصل ثلاثة من الأنهار الكبرى أو الآبار الجوفية، أي أكثر من 300 في العالم يتم تقاسمهما بين دول عدة، وهو ما يعد بيئة مواتية لنمو النزاعات.
ويؤكد الكثير من الخبراء أن بؤر التوتر الإقليمية المرتبطة بالسيطرة على المياه ستزداد مع تفاقم الجفاف في مختلف أنحاء العالم، وفي ظل الخلافات على الأنهر الحدودية أو العابرة للحدود أو الآبار الجوفية المشتركة التي ترفض الدول تقاسمها.
ومع ذلك، فإن هناك الكثير من الخبراء الذين لا يستهان بآرائهم يرفضون ما يثار من تهويل حول “حروب المياه”، ويؤكد هؤلاء أن القول بإن حروب العالم المستقبلية ستخاض ليس لأجل النفط بل المياه: هو تنبؤ مشؤوم استنبطته كل من وكالة الاستخبارات الأمريكية سي أي آيه ووزارة الدفاع البريطانية، وحتى بعض المسؤولين في البنك الدولي.
ومن بين هؤلاء الخبراء البروفيسور أسيت بيسواس من مركز العالم الثالث من اجل إدارة المياه والحائز على جائزة استوكهولم الدولية للمياه في العام 2006 الذي وصف هذا التهويل بأنه “كلام فارغ”، مؤكدًا أن مياه الكرة الأرضية تكفي البشرية لفترة 100 عام أخرى, وأن العالم لا يواجه أزمة مائية بسبب ندرة المياه الطبيعية، ولكنه يواجه أزمة سوء إدارة للمياه.
ودحض أيضًا هؤلاء الخبراء والأكاديميون نبوءة “حروب المياه”، معتبرين أنها غير واقعية وبعيدة المنال وواهية بل و”خرافة”، وأنه على الرغم من أن مناطق مهمة في العالم بالفعل ستواجه في غضون عقد أزمات حادة في التزود بالمياه، إلا أن هناك العديد من الأحداث التي أثبتت أن الدول تحسن التعاون فيما بينها حول هذه المسألة، وأن الحكومات مصممة على حل هذه المشكلات من خلال الحوار.
وهكذا، فإنه من الواضح أن هناك إدراك بأن المياه شحيحة بالفعل على الأقل في بعض المناطق وستكون أكثر ندرة وحساسية، لكن هناك أيضًا تفاؤل بأن التعاون الإقليمي سيحول دون النزاع وأن الحوار سينقذ الأجيال المقبلة من حروب متوقعة، مع عدم التهوين في الوقت ذاته من أن هناك مشكلة يواجهها العالم ويجب التصدي لها بغض النظر عن تسميتها “ندرة مياه” أو “سوء إدارة للمياه”.
منقول من موقع آفاق
بين الكاريكاتير.. والنكتة السياسية
لا أحد يعلم بالضبط ما هو المستقبل الذي ينتظر الكاريكاتير السياسي الصحفي اذا ما غاب الجيل الحالي المتبقي من مبدعي الكاريكاتير العرب الكبار واستمرت هذه الحال من التدهور والركاكة والاسفاف لرسومات أغلب الرسامين الشباب الجدد، بل المخضرمين (من أعمار سن الثلاثينيات والاربعينيات مثلا). فما خلا استثناءات محدودة جدا من هاتين الفئتين العمريتين فإن الغالبية العظمى من رسامي الكاريكاتير الشباب والمخضرمين هم دون المستوى المطلوب من الثقافة والابداع في رسم الكاريكاتير السياسي. وتنذر المشكلة بتعاظم المأساة إذا ما علمنا بأن قلة من الفنانين الشباب اليوم هم من يستهويهم فن الكاريكاتير السياسي، رغم أهميته الفائقة في النقد السياسي والقدرة على تجاوز الخطوط الحمراء لهوامش حرية التعبير في كل البلدان العربية مقارنة بصعوبة تجاوز هذه الخطوط في الكتابة السياسية.
ان ندرة رسامي الكاريكاتير السياسي المبدعين من ذوي الثقافة السياسية الرفيعة ان هي إلا امتداد لمأساة عزوف شباب اليوم عن هذه الثقافة بمختلف ضروبها، وهذه واحدة من ابرز سمات التردي الحالي للمرحلة الراهنة التي نجتازها والتي تعاني منها كل الحركات السياسية العربية. لقد كان واحدا من ابرز وسائل ابداع التعليق المصاحب للكاريكاتير السياسي توظيف مقاطع من الاغاني الشهيرة لكبار مشاهير الفنانين العرب كأم كلثوم وفيروز وعبدالحليم حافظ، وشادية ومحمد عبدالوهاب، وناظم الغزالي، وفريد الاطرش وغيرهم في التعليق الموشى في تلك الرسوم مما يضفي على الكاريكاتير نكهة سياسية باعثة على الضحك من شر بلية موضوع رسمة الكاريكاتير.
ولكن اليوم لم يعد أحد من جيل الشباب والمخضرمين يتذوق هذا الاسلوب في فن الكاريكاتير، لا بل يجهل معظمه تلك الاغنيات المشهورة كما يجهل مغنيها الكبار. وفي المقابل لا توجد من بين اغاني المطربين الشباب والمخضرمين اغنيات ابداعية ثرية في الكلمات واللحن المرهف الجميل يمكن الاستعانة بها سواء من قبل جيل رسامي الكاريكاتير المبدعين الكبار ام من جيل الشباب والمخضرمين، حتى اضحى من يستخدم هذا الاسلوب اليوم من جيل الاوائل المتبقين مغتربا في رسومه اللهم القراء والمثقفين من ابناء جيله.. وبالتالي فهذا الأسلوب لتوظيف الاغنية في فن الكاريكاتير السياسي آخذ بدوره في الانقراض، وهو الأسلوب الذي يكاد العرب يتفردون فيه بين فناني الكاريكاتير السياسي العالميين.
ولربما لمسنا شيئا من التعويض عن هذا الانحسار الذي يشهده فن الكاريكاتير السياسي الرفيع في ظاهرة انتشار وشيوع النكتة السياسية على نطاق واسع في العالم العربي بعدما كانت تكاد تقتصر طوال عقود طويلة على المصريين المعروفين بريادتهم العربية والعالمية في هذا الفن الأدبي الشعبي بفضل سليقتهم وفطرتهم الاجتماعية التي جبلوا عليها قرونا طويلة. ومن الواضح ان ثمة تطورا غير مسبوق تشهده كل الأقطار العربية لذيوع النكتة السياسية الشعبية اللاذعة التي تعبر عن هموم رجل الشارع العربي أو عن الشرائح والطبقات المسحوقة، وقد تعاظم هذا الانتشار للنكتة السياسية بتعاظم الأزمات المزمنة التي تعاني منها الشعوب العربية بما في ذلك اشتداد وسائل قمع ومصادرة حقوقها وحرياتها السياسية والاجتماعية وخلافها.
وكلما كانت النكتة صادرة من القلب وقريبة من نبض المطحونين والمقموعين أو لنقل صادرة عن معاناة حقيقية لمبدعيها كانت صادقة ومعبرة، ولاسيما اذا ما كان صاحبها يتمتع بدرجة معقولة من الموهبة والوعي السياسي الشعبي والخفة. واذا كان الكاريكاتير السياسي متداولا أكثر بين القراء والمثقفين على اختلاف مستوياتهم فإن ميزة النكتة السياسية تكمن في قابلية شيوعها وتذوقها بين مختلف اوسع شرائح وفئات الشعب من أميين ومتعلمين ومثقفين على اختلاف مستوياتهم الثقافية والاجتماعية. ولعل اختراع وسائل الاتصال الجديدة، من انترنيت وموبايل على وجه الخصوص، ساهم في ازدياد شيوع النكتة في وقتنا الراهن قياسا بشيوعها المحدود أو البطيء قبل اختراع هاتين الوسيلتين الاتصاليتين.
كما ان مضمون النكتة ومدى مغزاها البليغ يعتمد على مستوى ثقافة مؤلفها او مبدعها، وبالتالي فهي تتنوع وتتفاوت في رسالتها السياسية تبعا لذلك، مثلها في ذلك مثل الأمثال الشعبية والفصحى. والحال ان النكتة السياسية غدت ليست وسيلة من وسائل التنفيس عن الاحتقان والكبت السياسي للمواطن العربي المقهور فحسب، بل يمكن ان تكون أداة مهمة في الاحتجاج السياسي مع تعاظم تهميش وقهر هذا المواطن ولاسيما إذا ما استطاعت وسائل الاعلام الجماهيرية من صحافة واذاعة وتلفزيون فضلا عن الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، ايلاء الاهتمام بالنكتة السياسية من خلال تنظيم البرامج والمسابقات الخاصة بها بغرض تشجيعها وتطويرها وتفعيل دورها في الترويح عن هموم المواطن العربي المقهور.. أضحككم الله جميعا.. وبيّاكم.
صحيفة اخبار الخليج
7 مايو 2008
على البرابرة أن يأتوا
يقال إن اليونانيين القدماء هم أول من أطلق كلمة “البرابرة” على الآخرين، أي على الأقوام الأخرى من غير اليونانيين، لأنهم لم يكونوا يتكلمون اللغة الإغريقية وإنما يبربرون بلغات أخرى. البرابرة بهذا المعنى كانوا هم الآخرين، الآخر الأقل مرتبة وتحضراً، وهم بهذا المعنى أيضاً العدو الفعلي الماثل أو العدو الكامن المحتمل، الذي يجب إقصاؤه من دون التخلي عن وجوده بوصفه غريماً يهيئ الأسباب والذرائع الضرورية كلما كان ذلك ضرورياً.
الشاعر قسطنطين كانافيس الذي عاش في الإسكندرية في زمن غابر عبر عن هذه الفكرة شعراً حين قال في إحدى قصائده: “لأن الليل قد أقبل ولم يحضر البرابرة / ووصل البعض من الحدود / وقالوا إنه ما عاد للبرابرة وجود /ماذا سنفعل الآن بلا برابرة؟/ لقد كان هؤلاء الناس حلاً من الحلول”. هذا النص مأخوذ عن ترجمة للأستاذ نعيم عطية نشرت في الكويت عام ٣٩٩١ استشهد فيه الباحث المعروف سيد ياسين في دراسةٍ له، مقدماً شرحاً إضافياً فحواه أنه شاعت في المدينة أخبار أن البرابرة قادمون لغزو المدينة، ومنذ الصباح الباكر لبس الحاكم أفضل ثيابه ووضع نياشينه وانطلق على رأس وجهاء المدينة نحو الحدود بانتظار قدوم البرابرة لاستقبالهم والترحيب بهم، لكن حل المساء من دون أن يأتي البرابرة، حينها قال الحاكم بأسى: واسفاه.. لم يأت البرابرة، فلقد كان في مجيئهم نوع من الحل.
وهذا الشرح يفضي إلى فكرة الذريعة الخارجية أو الخطر الخارجي الذي تحت عباءته يمكن تصريف المشاكل وترحيلها.عندما كان الاتحاد السوفياتي ومحيطه الحليف في أوروبا الشرقية موجودين، كانت المهمة في الدوائر الغربية أسهل، فعلى شماعة الخطر الشيوعي شُنَّ كثير من المغامرات والحروب، ودبرت الانقلابات العسكرية التي أطاحت بحكومات شرعية منتخبة من الشعوب ومعبرة عن مصالحها، لكن بنهاية الحرب الباردة توارت هذه الذريعة أو سقطت.
ابتدع الغرب، في ظروف اليوم، ذريعته عن برابرة جدد تحت عنوان الصراعات الحضارية والقومية والثقافية على النحو الذي صاغه صموئيل هانتنغتون في أطروحته عن صراع الحضارات التي حدد فيها بعض الحضارات بمكانة أولى بوصفها خطراً محتملاً قادماً على الحضارة الغربية، لأن الغرب لا يمكن أن يعيش أو يتنفس من دون عدو خارجي، من دون خطر حتى لو كان مفتعلاً.
منذ اليونان القديمة، كرست الحضارة الغربية مبدأ الثنائية الحضارية، حضارة أولى هي الأنموذج والمثال في النهضة والرقي، وأخرى”للبرابرة”الذين يتكلمون بلغات أخرى ويفكرون بطريقة أخرى. هؤلاء هم الخطر الذي يتعين محاصرته وحشد القوى ضده وتجييش الجيوش لاتقائه حتى لو اقتضى الأمر الذهاب إليه في عقر داره للبطش.
صحيفة الايام
7 مايو 2008
اليوم العالمي لحرية الصحافة (4 ــ 4)
لعل ما يُميز احتفال مملكة البحرين باليوم العالمي لحرية الصحافة هذا العام البادرة التي اتخذها صاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء بالالتقاء برؤساء تحرير صحافتنا اليومية المحلية الست ونخبة من الصحفيين وكتّاب الأعمدة فيها عشية الاحتفال بهذه المناسبة. أهمية بادرة سمو رئيس الوزراء لا تكمن فقط فيما أدلى به سموه من حديث مسهب صريح عن وضع الصحافة المحلية وانطباعاته عنها سواء من حيث ايجابياتها أم من حيث سلبياتها كما يراها سموه، بل تكمن أهميتها من حيث ما تمثله من إرساء عرف جديد نرجو أن يتكرس في السنوات المقبلة للاحتفال بهذه المناسبة العالمية البالغة الأهمية ألا هي “اليوم العالمي لحرية الصحافة” من خلال إبداء الاهتمام الرسمي بها على أعلى المستويات الحكومية كما تمثل ذلك في البادرة ذاتها التي أقدم عليها سمو رئيس الوزراء.
فإذا كان التقاء أعلى القيادات الرسمية بالصحافة مطلوبا ومهما في أي ظروف أو أي مناسبات أو أوقات مطلوبة، فإنه بلا شك يكتسب مغزى بالغ الدلالة والأهمية حينما يأتي هذا اللقاء في مناسبة عالمية خاصة بحرية الصحافة، ويتم خلالها تبادل الرؤى ووجهات النظر حول سبل تطوير صحافتنا المحلية ومواجهة وعلاج ما تمر به من مشكلات، وفي مقدمتها بالطبع مستوى الهامش المتاح لحرية الصحافة وآفاق تمديده ومسئولية كلا الجانبين الحكومي والصحفي في المحافظة على ما تحقق من مكتسبات في حرية الصحافة وتعزيزها. وبقدر ما يتجلى دور الصحافة بأن تكون مرآة لهموم المجتمع وقضاياه والأوضاع السياسية المحلية والعالمية بوجه عام، بقدر ما يتجلى هذا الدور أيضاً بأن تكون أمينة إن لم يكن في تعزيز وحدتنا الوطنية وتماسك جبهتنا الداخلية، فعلى الأقل في الابتعاد عن كل ما من شأنه تعكير صفو هذه الوحدة أو تمزيقها.
والمسئولية كما نرى مشتركة متبادلة في بلوغ هذا الهدف بين الطرفين، الرسمي من جهة والصحفي من جهة أخرى. فإذا كان هنالك دور كبير يعوّل عليه دائماً من قبل الحكومة في المحافظة على مكتسبات الحرية الصحفية وتعزيزها، ففي المقابل هنالك دور ومسئولية يعولان عليه في كيفية ممارسة هذه الحرية وعدم استغلالها باسم الحرية من قبل الصحافة لتفتيت وحدتنا الوطنية أو الإساءة إلى أي قيم ومقدسات عليا يؤمن بها الشعب. وبهذا المعنى قلنا إن التقاء سموه بمندوبي صحافتنا المحلية في هذه المناسبة تحديداً يكتسب مغزاه في أن يبادر بنفسه، كقائد لحكومة مملكة البحرين، بالاقتراب مباشرة من الصحافة وجس نبض همومها وهموم المجتمع من خلالها، وفتح صدره لسماع مختلف وجهات النظر الصحفية المختلفة المعبرة عن هذه الهموم، وبضمنها تلك التي تتسم بالمصارحة.
وبطبيعة الحال لم يحالفني الحظ لحضور هذا اللقاء لكن أستطيع أن أؤكد بناء على معطيات ما نشر في صحافتنا الوطنية، ان حديث سمو رئيس الوزراء وما تخلل في حوارات الصحفيين مع سموه من مناقشات جادة ومثمرة تعكس هذه المصارحات من قبل كلا الطرفين على حد سواء، والمتمثلة في حديث سموه وإجاباته عن أسئلة الصحفيين من جهته، وأسئلة وملاحظات عدد من الصحفيين الحاضرين من جهة أخرى، بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع كل أو بعض وجهات النظر المطروحة.
وتقتضي الأمانة الصحفية القول إن سمو رئيس الوزراء لربما يُعد من أكثر رؤساء حكومات دول مجلس التعاون اهتماماً بالصحافة المحلية وبما يُنشر فيها من آراء إن لم يكن أكثر رؤساء حكومات دول المجلس مجتمعة، وأستطيع أن أقول، ككاتب عمود يومي، ان سموه، وعلى الرغم من انشغالاته الجمة المتعددة كقائد حكومة فإنه متابع دقيق يومي لما ينشر في هذه الصحافة من أعمدة رأي وتحقيقات ومقالات صحفية مختلفة في صحافتنا المحلية اليومية الست كلها، هذا فضلا عن حرصه الدائم على الالتقاء بمسئولي وكتاب هذه الصحافة على اختلاف توجهاتهم وآرائهم السياسية والفكرية.
ولا شك ليس هنالك ما يسر أي صحافة وطنية في العالم أكثر من أن تجد صدى لما تنشره من قضايا آنية تمر بها الحياة السياسية لدى أعلى قيادات الدولة فيها فحسب، بل أن تجد اهتماما لدى هذه القيادات في مختلف الدول لسماع مختلف وجهات نظر الصحفيين، والحوار معهم حول الهموم والمشكلات الآنية التي تمر بها الحياتان الصحفية والسياسية معاً.
وإذ نثمن عالياً اهتمام وحرص سمو رئيس الوزراء الدائم بالصحافة وبما ينشر فيها من آراء متعددة حول قضايا الساعة، وإذ نشيد أيضاً بوجه خاص في هذه المناسبة بالبادرة التي أقدم عليها سموه بالالتقاء بالصحافة المحلية من رؤساء تحرير وكتاب صحفيين، فإننا لنرجو أن تكون بادرة سموه خطوة نحو إرساء عرف سنوي لهذا اللقاء بقيادة المملكة، راجين لصحافتنا المحلية المزيد من التطور والنجاح وتعزيز المزيد من مكتسبات حريتها الصحفية.. وكل عام وأنتم بخير.
صحيفة اخبار الخليج
6 مايو 2008
الزوج والزوجة
قد يعود الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون للبيت الأبيض بعد شهورٍ قليلة، ولكن بصفته زوجاً للرئيسة القادمة، وربما يُقدر له أن يحمل للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة لقب السيد الأول، إذا ما تذكرنا أن كل واحدة من زوجات الرؤساء الأمريكيين عرفت باسم السيدة الأُولى. الأمر يتوقف على ما إذا كانت زوجته هيلاري ستتمكن من كسب الرهان في أن تصبح أول رئيسة لبلادها، وهو أمر بينها وبينه برازخ ما زال متعيناً عليها اجتيازها. عليها أن تكسب المعركة مع منافسها على ترشيح الحزب الديمقراطي باراك أوباما، وإذا ما قُيّض لها ذلك، عليها أن تخوض الاختبار الأكبر في المنافسة مع المرشح الجمهوري جون ماكين.
مع ذلك، فإن الذين كتبوا سيرتها يقولون، إنها شخصية عنيدة، وإنها لن تفقد الأمل حتى اللحظة الأخيرة، فهي لا تنسحب من أي سباق إذا لم يكن هناك سبب جوهري يحملها على ذلك. حين التقى غابرييل غارسيا ماركيز زوجها بيل كلينتون عندما كان رئيساً قرأ له الأخير مقاطع من فولكنر، وقال له انه قرأ دون كيشوت لسرفانتس، كما قرأ لجورج أورويل أيضاً. ساعتها لم يفت ماركيز أن يذكر مُضيفه بما كان قد قاله في حملته الانتخابية من أن كتابه المفضل هو “مائة عام من العزلة” رواية ماركيز الشهيرة التي حملته إلى ستوكهولم عاصمة السويد لأخذ جائزة نوبل للآداب ذات شتاء في الثمانينات الماضية. ماركيز أضاف، مخاطباً كلينتون على سبيل المزاح: “لقد استغليت اسمي لكسب أصوات الناخبين ذوي الأصول الأمريكية اللاتينية”، لكن كلينتون رد جازماً بأنه بالفعل مأخوذ بتلك الرواية وبمجمل نتاج ماركيز.
الطريف أن ماركيز بالذات أبدى اعتقاده بأن كلينتون يصلح لأن يكون بطلاً روائياً، فهو من وجهة نظره “عاشق غير ناضج”، ولماركيز حاسة مبهرة في الإمساك بتفاصيل الشخصيات. وبوسع أي إنسان أن يكون بطلاً روائياً إذا ما كان الروائي مبدعاً، لكن ثمة شخصيات جاهزة لأن تكون كذلك كما هو حال كلينتون، الذي تمت كل مغامراته أمام الكاميرات، مذكراً إيانا بالرواية الشهيرة لجورج أورويل التي تدور أحداثها في بيتٍ زجاجي، حيث يراقب الناس كل ما يدور في ذلك البيت، لذا علينا ألا نندهش حين نعلم أن كلينتون معجب بأورويل أيضاً.
لقد غفرت هيلاري لزوجها كل خطاياه، مُظهرة درجة قوية من رباطة الجأش ذهبت بها حد الوقوف إلى جانبه في ما عدته مكيدةً سياسيةً دبرها له خصومه السياسيون في الحزب الجمهوري. لكن حينها قيل أيضاً إنها فعلت ذلك لأن عينيها كانت على موقع الرئاسة الأمريكية، فالطالبة السابقة في كلية الحقوق التي أصبحت محامية وسناتوراً، واليها يعود فضل كبير في الأخذ بيد زوجها لأن يكون رئيساً للولايات المتحدة، كانت تُحضر نفسها بصمت لهذا الموقع الذي ربما لا يفصلها عنه اليوم الكثير.
صحيفة الايام
6 مايو 2008