تبدأ حياة الإنسان بتجربة (صرخة) ريثما يخرج من بطن أمه، متوجلاً من دخول الهواء إلى رئتيه. لكن تلك التجربة لا تتوقف إلا بتوقف القلب والدماغ. يبقى الإنسان رفيق التجارب التي تمنحه القوة والهيبة والشخصية والهوية بجانب لقمة العيش. وما الفعل اليومي إلا تجارب متداخلة ومتراكمة. إذن، أين تكمن النظرية؟. النظرية هي خلاصة تجاربنا الحلوة والمرة. والإنسان هو الوحيد المنتج للنظريات: اذ تبدأ في تسجيل حضورها من صلاحية التربة الزراعية إلى الصاروخ، حيث العد في التراكم المعرفي أو مايسمى بالثقافة أو الحضارة.
وعلى هذا الأساس تبقى الثقافة تراكماً معرفياً اجتماعياً للتجربة. وهي الممارسة الفعلية لمجمل العلاقات الإنسانية في العمل والإنتاج. وتعرف أيضاً بالعادات والتقاليد والتراث، كونها تتضمن عادات الأكل والشرب واللبس والفرح والتقاليد الشعبية في الأفراح والأتراح. كم تشمل تصاميم البناء والديكور وتصاميم القلاع والمتاحف والأنفاق. لهذا سميت الثقافة بتوأم الحضارة. كما أن الثقافة تتجلى في ممارسة الطقوس والعبادات واللغة واللبس. والثقافة كلمة مشتقة من ثقف السيف، أي صقله وسوى اعوجاجه. وأدخل حرف (الثاء) في العصر العباسي وكان بديلاً لحرف (السين). فثقف تنطق سقف كما يسميها الآن شعوب سوريا ولبنان وفلسطين والأردن ويطلقون على كلمة ثقافة (سقافة). الأشياء العملية واليدوية لا تحفر في ذاكرة الإنسان فحسب بل تصبح جزءاً من وجدانه وشعوره.
يقول هيروت HERRIOT: الثقافة ‘هي ما يتبقى لدينا بعد أن ننسى كل شيء’. إن عادات الإنسان وتقاليده مرتبطة بالفن والإبداع. والأصل في الإبداع هو المعاناة، ويلجأ الإنسان إلى الفن كضرورة لكي يتغلب على المصاعب أثناء البحث عن الرزق وليس للسلوة أو لمضيعة الوقت. وكذلك التعامل مع الطبيعة والبشر. والثقافة يتضمنها الأدب والشعر والنثر والمسرح. والفن يساهم في تنظيم حياتنا دون أن نراه وهو جزء من ثقافة الإنسان. وهو من المسائل الصعبة والدقيقة. وإذا لم نضع اللمسة الفنية لأي عمل نقوم به نكون أفقدناه نسقه الداخلي والمنطق الذي وجد من أجله. والفن ضروري في الحياة كالأكسجين الذي نتنفسه. وإدخال الفن على عملنا يحتاج إلى ذكاء ومهارة ودقة وهي من أصعب الأمور. حتى التحية والسلام يحتاجان إلى فن. وحتى البيع والشراء والتعامل مع الزملاء يحتاجان إلى ذوق وفن.
إنك تستطيع أن تضع زمناً معينًا للانتهاء من بناء برج ينطح النجوم لكنك تعجز عن تحديد وقت لتغيير ثقافة إنسان. لأنها تتلبس داخل نسيجه. لهذا فالثقافة ليس لها مدير أو وزير. كونها خارج الخطط الإدارية.
ولا يمكن محاسبة المسؤولين عليها. الثقافة ليست لها جغرافية ولا تاريخ حتى يمكن محاسبة المسؤولين عليها كونه لا ترى بالعين المجردة. فهي كالمادة الهلامية غير المرئية. تذوب مع الحركة لكي تصل إلى كل مفاصل الجسم. نحن نمتلك أدوات الثقافة وليس الثقافة ذاتها.
أدوات الثقافة هي المسرح الذي شيد قبل 600 عام في أثينا ولا زال باقياً لحد الآن لكنه بقي قطعة أثرية. والآن تبعته السينما والمتاحف الوطنية والمنابر الثقافية والمكاتب وغرف الكمبيوتر والإنترنيت.
ولا يخفى على أحد أن الثقافة هي مشروع لكل حكومات العالم الوطنية. وهي حق تقره الدساتير وتفرضه الأمم المتحدة على كل الحكومات.
ولأن الثقافة حق فهو مقر كبند في دستور مملكة البحرين.
صحيفة الوطن
3 مايو 2008
التجربة والثقافة في حيــاة الإنســان
انقسـام جـديـد في الصــف العــربـــي
على إثر الزيارة الإكروباتية التي قام بها الرئيس المصري الراحل أنور السادات إلى القدس المحتلة وإبرامه معاهدة الصلح المنفرد مع إسرائيل، انقسم العالم العربي على نفسه إلى فريقين، فريق مصر بكل ما تمثله من ثقل سياسي في العالم العربي وبجانبها غير القابلين بعزلها من الدول العربية ذات العلاقات الوثيقة مع مصر، وفريق الدول العربية الرافضة للمقاربة الأمريكية الإسرائيلية الخاصة بتسوية الصراع العربي الإسرائيلي التي تتيح لإسرائيل الاحتفاظ بجزء من ‘غنائم’ حروبها مع العرب.
واستمر هذا الانشقاق زهاء عقد كامل قبل أن يتكفل الزمن بتهدئة الخواطر وتطييب النفوس ويعود الوئام النسبي إلى العلاقات العربية البينية.
بيد أنه ما كاد هذا الشمل يلتئم بعد طول ‘سفر’، حتى وقع العرب في محنة أشد وطأة وإيلاماً إثر قيام النظام العراقي السابق برئاسة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بغزو دولة الكويت في الثاني من أغسطس (آب) .1990 فما أن التأمت القمة الطارئة التي عُقدت في القاهرة بعيد وقوع الغزو لاتخاذ موقف عربي موحد من جريمة الغزو حتى ظهر الانقسام بصورة جلية بين الدول العربية المشاركة في تلك القمة، واتخذت غالبية الدول موقفاً شاجباً للغزو ومؤيداً لإرسال قوات عربية للمشاركة في عملية تحرير دولة الكويت، بينما وقف عدد أصغر من الدول العربية موقفاً غير مفهوم من عملية الغزو عُرفت فيما بعد بدول الضد.
واستمر الانقسام في الصف العربي الذي أحدثه ذلك الغزو زهاء عشرة أعوام كانت ضحيته الأكبر القضية الفلسطينية نتيجة للاختيار الخاطئ للرئيس الفلسطيني الراحل أبو عمار إبان تلك الأزمة، قبل أن تهدأ الخواطر ويعود إيقاع العمل العربي المشترك من خلال مؤسساته السيادية للدوران من جديد بصورة طبيعية وتستعيد العلاقات العربية البينية دفء حراكها المعطوب.
اليوم تشهد الساحة العربية انقساماً جديداً تجلت صورته على نحو ساطع في القمة العربية التي استضافتها مؤخراً العاصمة السورية دمشق، التي سجلت أكبر نسبة غياب للقادة العرب تعبيراً عن عدم رضا بعض الدول العربية من مواقف سوريا تجاه ملف الأزمة اللبنانية، وتحديداً إعاقتها لانتخاب رئيس جديد للبنان خلفاً للرئيس إميل لحود الذي انتهت ولايته في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي.
على هذه الخلفية بدأنا نشهد نوعاً من القطيعة الصارمة بين كل من مصر والمملكة العربية السعودية من جهة وبين سوريا من جهة ثانية.
وهذه الأزمة المستجدة تشبه إلى حد ما أزمة الاحتلال العراقي لدولة الكويت. ففي الحالتين تم اختطاف دولتين عربيتين مستقلتين سياديتين هما الكويت ولبنان من قبل دولتين عربيتين جارتين هما العراق وسوريا، مع الفارق ان المختطف (بكسر الطاء) في الحالة الأولى لم يجد في الدولة المختطفة (بفتح الطاء) (الكويت) من هو مستعد للتواطؤ معه في جريمته، بينما يتوفر المختطف (بكسر الطاء) في الحالة الثانية على أعوان وأنصار مستعدين للقيام بدور الوكيل نيابة عنه في تنفيذ أجندته.
علماً بأن ‘المختطف’ (بكسر الطاء) في الحالة الثانية (سوريا) كان ضمن المعسكر العربي الذي وقف بقوة ضد الاحتلال العراقي لدولة الكويت.
؟ فسبحان مبدل المواقع والأحوال!
حاصل القول إن القطيعة الواقعة بين أقطاب أزمة اليوم: المملكة العربية السعودية ومصر وسوريا، هي قطيعة جدية وأصبحت من معطيات الواقع العربي الراهن والمرتهن اليها وإلى مآلها، ذلك لأنها تتعلق بصراع إرادات ونفوذ فيما يخص موضوعها وهو لبنان بطبيعة الحال.
وهذا لعمري اختبار جديد لمدى حضور ونفوذ واقعية وحكمة الدبلوماسية العربية في التعاطي مع الأزمات العربية، الثنائية والمتعددة الأطراف، ومعالجة ذيولها قبل استفحالها وتحولها إلى بؤرة استقطاب حادة على غرار ما فعلت أزمة الغزو العراقي لدولة الكويت .. وعلى مدى مرونة حركتها وقدرتها على ايجاد الحلول الوسط المتوائمة مع الثقافة السياسية والاجتماعية العربية السائدة، من حيث حفظها لماء وجه الجميع عملاً بقاعدة لا غالب ولا مغلوب.
وبهذا الصدد فان هذه الواقعية السياسية والدبلوماسية الثاقبة تفترض عدم ترك مثل هذه القضية ذات الشحنات الاستقطابية العالية لرئيس الجامعة العربية عمرو موسى الذي حاول جاهدا معالجة موضوعها الذي يتخطى في الواقع طاقته وحجم الإمكانيات والصلاحيات التي بحوزته.
كما أن مقاربة الوساطات ليست هي الأخرى المقاربة الموازية لطبيعة النزاع بين أطرافه وكيفية فضه، إلا إذا اقترنت بتحركات حكيمة من طرفي النزاع باتجاه بعضهما بعضاً يقدمان خلالها تنازلات متبادلة وصولاً إلى الحل الوسط المطلوب.
عدا ذلك فإن مساحة الافتراق والاستقطاب ستتسع لتتجاوز بعض تمظهراتها الحادثة هذه الأيام والتي تؤكد حاجة الطرفين الماسة لاعتماد الحكمة والواقعية السياسية والدبلوماسية الهادئة سبيلاً لتخطي أزمتهما.. نعم أزمتهما.
صحيفة الوطن
3 مايو 2008
مع الطبقة العاملة في عيدها
الأول من مايو/آيار عيد من يبني الوطن بعرقه وجهده ويحصل على الفتات مقابل هذا الجهد، عيد السواعد التي تشيد المصانع والمعامل وتشق الطرقات والشوارع وتبني الجسور، عيد من ينتج ويشقى ويعطي زهرة شبابه وقوته وعمره ويسعد الآخرين، بل يتمتع آخرون يكدسون المليارات من جهد هذا العامل.
نهنئ عمالنا ونقدر جهدهم وتضحياتهم ونبارك لجسمهم النقابي انعقاد مؤتمره الأول، ندعوهم للوحدة والتكاتف كي يعبروا مجتمعين عن نسيج هذا الوطن.
وكيل وزارة العمل في اجتماع له مع غرفة تجارة وصناعة البحرين يقول: ‘مستعدون لتسفير العمال المتمردين فوراً (..) تسهيلات كبيرة لجلب العمالة البديلة مهما كانت جنسياتهم (..) البحرين لن تضع حداً أدنى لأجور العمال الأجانب[1]’.
لغة تتعامل مع الإنسان وكأنه سلعة تُباع وتُشترى أو عبد في سوق النخاسة، عمال لهم مطالب يعتقدون أنها حق لهم وهي بالتأكيد حق لهم، سعادة الوكيل لا يُناقش ما إذا كانت تلك المطالب محقة أم لا، بكل بساطة هم عمال متمردون سيتم شحنهم شحناً إلى بلدانهم.
ناطحات السحاب التي تُشيد على قدم وساق، من يقوم بتشييدها ويتعرض لكافة أشكال المخاطر؟ من الذي يعمل في شهور الصيف الحارقة وتحت لهيب الشمس حتى تتجمع الأرباح لدى المضاربين في العقارات؟ من هم الذين يُنقلون في شاحنات مكشوفة وكأنهم أغنام؟ من الذي يشق الطرقات ويبني الجسور؟
لو كلف سعادة الوكيل نفسه وقام بمشاهدة زرافات من هذه العمالة المسكينة المغلوبة على أمرها مساء كل يوم وهي عائدة من عناء عملها اليومي، لو تفحص وجوهها الشاحبة التعبة، لو تفكر قليلاً وأطلق لنفسه شيئا من الإحساس، بالتأكيد سيراجع نفسه فيما يقول، بالتأكيد لو تفكر قليلاً فإنه سيتعاطف ولو جزئياً مع هذه الفئات ولن يقوم بشحنها إلى أوطانها. لماذا لا تقوم العمالة الأجنبية التي تشغل وظائف مريحة وبمرتبات عالية بل خيالية بالتمرد ‘حسب تعبير سعادة الوكيل’؟ يقوم بالإضراب والاحتجاج من يتعرض للظلم والاضطهاد سواء أكانوا مواطنين أو كانوا عمالاً أجانب، أما الفئات المستريحة فلا شأن لها بالإضراب ولن تتمرد على ظروفها المريحة، يتمرد من يعيش ظروفاً غير مريحة بل هي قاسية وظالمة.
نتحدث عن فئات راتبها يقل عن مائة دينار شهرياً، إفطارها خبز ‘الجباتي’ وشاي بالحليب، وجبة الغداء حدث ولا حرج وكذلك وجبة العشاء، محرومة من الفاكهة والسلطة، أما سكنها فهو زريبة، بل الزريبة أفضل حالاً من السكن الذي تحيا فيه.
أمر ما جعلني أدخل أحد البيوت الخربة الآيلة للسقوط في مدينة المحرق، بيت لا يصلح إلا للحشرات والفئران كي تسكنه، لا يصلح أن يكون زريبة للحمير، هذا البيت يقيم فيه قرابة الأربعين من العمال! تدخل هذا البيت وتحتار وتتساءل من أين يخرج لك هذا العدد. حقيقة ذهلت مما رأيته، أتصورهم كالفئران التي تخرج من جحورها. لهؤلاء العمال كل الاحترام والتقدير. كل خمسة أو ستة أو حتى ثمانية منهم يعيشون في غرفة واحدة. اطلعت على بطاقاتهم السكانية، ليس من بينهم من هو مسجل على عنوان المنزل الذي دخلته، يعملون في مهن مختلفة، كفيل كل منهم يختلف عن الكفيل الآخر. بكل بساطة، أصحاب المحلات والمقاولون يجلبون هذه العمالة البسيطة المغلوبة على أمرها من دون توفير الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية لها!
هناك أسئلة كثيرة موجهة للجهات الرسمية والجهات الحقوقية، أول هذه الأسئلة أوجهها لسعادة وزير العمل، واسأله: ما هي الشروط التي تشترطها وزارته الموقرة على من يستقدم هذه العمالة كي تعمل لديه؟ هل لدى الوزارة شروط لمواصفات السكن الذي يجب أن تقيم فيه هذه العمالة بما يحفظ كرامتها؟ هل لدى وزارة العمل فرق تفتيش على الأماكن التي يقيم فيها العمال الأجانب؟
أسال وزير الداخلية عما إذا كانت وزارته الموقرة على علم بأماكن سكن هؤلاء العمال أم لا؟ أليس من المفترض أن يكون عنوان مكان سكن العامل هو نفس العنوان المسجل على البطاقة السكانية؟
أما الجهات الحقوقية المعنية بحقوق الإنسان أياً كان هذا الإنسان فهي مسؤولة عن حماية حقوق هذه الفئات المغلوبة على أمرها، كذلك الاتحاد العمالي تقع عليه مسؤولية أخلاقية في الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة بغض النظر عن جنسيات الفئات المنتمية لهذه الطبقة.
ما دمنا قد قبلنا دخول هذه الفئات إلى وطننا لتأدية خدمات لا يقوم المواطن بتأديتها وهي خدمات يغلب عليها طابع البؤس والشقاء، فنحن مسؤولون أدبياً وأخلاقياً عن حمايتها وعدم انتقاص حقوقها.
نأمل أن يكون نظام إلغاء كفالة العامل الأجنبي المزمع تنفيذه نهاية هذا العام مدخلاً صحيحاً لتحرير هذا العامل من سطوة الظلم والقهر التي قد يتعرض لها من بعض أرباب العمل.
كل عام والطبقة العاملة بخير ومع مزيد من تحقيق المكاسب ونيل الحقوق المشروعة.
صحيفة الوقت
3 مايو 2008
صحافيون ضد الطائفية
يأتي إطلاق جمعية الصحافيين البحرينية شعار “صحافيين ضد الطائفية “ بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة؛ ليحذر من واقع ظلّ وللأسف الشديد لفترة طويلة مسيطراً على الساحة الإعلامية لدينا نتيجة منافسة بعض الصحف لتمثيل طائفة بعينها ولتكون هذه الصحيفة أو تلك هي الممثل الأصدق عن أشد المتعصبين والطائفيين, ولذلك بدل أنْ تحارب صحفنا التوجّه الطائفي أصبح بعض الصحافيين والكتّاب يتنافسون لكسب لقب الأكثر طائفية أو “الصحافي الطائفي الأوّل” في مقابل تسابق بعض الصحف لضم هذه النوعية من الكتّاب.
إنّ الطائفية مرضٌ سياسي واجتماعي لا ينبغي أنْ نتخفى وراءه من خلال المزايدات أو الأوهام فهي قضية واقعية ولا يكفي أنْ نتبرأ من الطائفية ولكن على رؤساء التحرير أنْ يمنعوا الطرح الطائفي في جرائدهم بدل أنْ يشجّعوه لأسباب لا تتعدى زيادة المبيعات.
إنّ جمعية الصحافيين تعرف أكثر من غيرها مَنْ هم الصحافيون الذين يغذون النعرات الطائفية ويشعلون نارها “ويسترزقون من ذلك”, ولذلك فإنّ عليها أنْ تتخذ موقفاً واضحاً منهم “إنْ لم يكن في استطاعتها معاقبتهم” كما أنّ على الجمعية تنبيه الصحف التي تتخذ من هذا الأسلوب الرخيص وسيلة لكسب المزيد من القرّاء.
منذ سنة تقريبا أطلق “ البلوغرز” محمود اليوسف وبجهود فردية تماماً حملة تحت شعار “ لا سني ولا شيعي بس بحريني” من خلال طبع وتوزيع ملصقات و”شارات” توضع على الملابس تحمل هذا الشعار وكان من المفترض أنْ تتلقى مؤسسات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية هذه الدعوة وتحتضنها وتشارك في نشرها والدعوة إليها, لكن ما حصل أنّ هذه المؤسسات تجاهلت هذه الحملة تماماً ولأسباب لا تزال غير معروفة لحد الآن, والأنكى من ذلك ما لقيته هذه الحملة من بعض المتشددين من الطائفتين من تشكيك في دوافع هذه الحملة والغاية منها
و جدواها, في حين وقف “الوطنيون” موقف المتفرج “ ربما بسبب أنّ اليوسف لم يكن منتمياً لأيّ فصيل أو جمعية سياسية وأنه مجرد مواطن شريف هاله ما يحدث لوطنه من تمزق وتشرذم” وبذلك تم إضاعة فرصة فريدة وصادقة كان من الممكن أنْ تكون حركة واسعة لرفض التوجّه الطائفي بسبب عدم مبالاة الجميع بما فيها صحفنا.
كلّ ما نتمناه هو أن لا تلاقي دعوة جمعية الصحفيين البحرينية ما لقيته دعوة اليوسف من تجاهل متعمّد.
صحيفة الوسط
3 مايو 2008
يوم حرية الصحافة العالمي (1-4)
شجاعة امرأة صحفية لا أعتقد ثمة خبر يهم الصحافة والرأي العام على حد سواء كمثل الأخبار التي تتصل بحرية الصحافة أو بوضعها المهني، بما في ذلك أوضاع العاملين فيها وما يتعرضون له من مخاطر جمة لدى اضطلاعهم بواجباتهم المهنية، أي عند القيام بأعمالهم الصحفية كمراسلين إخباريين أو كمحققين في قضايا عامة تشغل المجتمع، بما في ذلك تعرضهم للتهديد والسجن والمضايقات أو التعذيب والفصل الوظيفي، وكل هذه الأشكال التعسفية لعلها تعد أقل المخاطر، أما أكثرها فهي القتل المباشر والاغتيالات حيث كثيرا ما يذهب المراسلون الصحفيون ضحايا لقيامهم بواجباتهم المهنية في ظروف بالغة الخطورة أثناء الحروب الأهلية أو الإقليمية والدولية، أو أثناء تفجر أعمال العنف والإرهاب في أي بقعة من العالم. ولعل أسماء شهداء هذه المهنة أكثر مما تعد أو تحصى كما هو الحال في منطقتنا العربية على وجه الخصوص في العراق وفلسطين ولبنان، ناهيك عن بقاع ومناطق عديدة من العالم.
ورغم هذه الأهمية الاستثنائية التي تمثلها الحوادث التي يروح ضحاياها صحفيون للرأي العام بوجه عام، وللصحافة نفسها بوجه خاص، فإن من المفارقات اللافتة عدم اهتمام الصحافة العربية الكافي بمثل هذه الأنباء والتي في الغالب الأعم نجدها بدلا من أن نجدها تتصدر صفحاتها الأولى أو تحتل صفحات داخلية بأكملها تتناول على نحو مفصل خلفيات الحدث وتحليله فإنه غالبا ما تنشر هذه الأخبار في إحدى الصفحات الإخبارية الداخلية في ركن أو زاوية غير لافتة للنظر، ومن دون أن تكلف الصحافة نفسها عناء البحث عن تفاصيل مسهبة وافية ولو في الأيام التالية، من خلال مصادر الإنترنت مثلا، أو الصحافة العالمية.
راودتني هذه الهواجس مؤخرا وأنا أقرأ متأملا خبر قيام كويشيرو ماتسورا مدير عام “اليونسكو”، وهي أهم منظمة دولية معنية بالتعليم والثقافة في العالم، بتسليم الجائزة العالمية لحرية الصحافة إلى الصحفية المكسيكية المستقلة غيرمو كانو، وذلك بموجب القرار الذي أصدرته لجنة تحكيم تتمتع بسمعة جيدة في النزاهة والحياد والموضوعية، حيث تتكون من 14 محكما من صحفيين كبار محترفين ومديري نشر يمثلون جميع العالم. اللجنة أصدرت قرارها باستحقاق الصحفية كاتشو الجائزة العالمية بناء على حيثيات عديدة أبرزها تحلي هذه الصحفية بالشجاعة المهنية الفائقة في مواصلة التحري عن الفساد السياسي، والإجرام المنظم، وظاهرة العنف المنزلي الذي يذهب ضحاياه بالدرجة الأولى النساء والأطفال والخدم. وقد خاضت الصحفية المكسيكية غمار معارك كل هذه القضايا الحساسة، رغم خطورتها، ورغم تعرضها لتهديدات عديدة بالاغتيال، ورغم ما عانته أيضا من مضايقات في العمل، ومن ثم اضطرارها أيضا إلى خوض معارك قضائية عديدة.
وهكذا فلقد كانت هذه الصحفية ليديا كاتشو تمثل بحق ضمير الصحافة الإنساني في صورته الأبهى المشرفة غير الملوثة، فبفضل تحقيقاتها الصحفية الجريئة فضحت كيف يؤدي جشع رجال الأعمال وحبهم النهم الجنوني للمال إلى عدم التورع عن الاستثمار حتى في أقذر التجارات، كتجارة المخدرات وتجارة الرقيق الأبيض بشتى أنواعها من قوادة وشبكات دعارة لا تقتصر على الفتيات فقط بل تشمل الأطفال والشاذين جنسيا، وكان أشرس هذه المضايقات التي تلقتها قد جاءتها من الشرطة التي لم تتورع في إحدى المرات عن نسف سيارتها الخاصة. وفي مثل هذا اليوم وهو اليوم العالمي لحرية الصحافة ستتسلم ليديا كاتشو جائزتها من مدير عام اليونسكو.
وعدا هذه المعلومات المقتضبة فإننا لا نعرف أي شيء آخر عن هذه المناضلة الصحفية الفذة التي تجاسرت على خوض قضايا يجبن عن خوضها أعتى الرجال الصحفيين الأجلاف. وبطبيعة الحال لا تخلو الساحة الصحفية العالمية من نماذج عديدة مشرفة من هم على شاكلتها، لكن لربما “اليونسكو” اختارتها على اعتبار أنها نموذج من هذه النماذج التي تتوافر لديها معلومات كافية عنها. والسؤال أين صحافتنا العربية ليس من تسليط الضوء على هذا الخبر المتمثل في قصة هذه الصحفية المكسيكية، بل أين صحافة بلداننا العربية من إقامة جائزة مماثلة على مستوى العالم العربي؟ ثم هل حقا تجرؤ منظماتنا الصحفية المعنية على تنظيم مسابقة من هذا النوع؟ ومن يا ترى هذه الصحيفة العربية التي ستقبل أصلا فتح المجال لصحفييها أو بعضهم لخوض غمار مغامرات من قبيل المغامرات التي خاضتها الصحفية المكسيكية وستمحضهم بدعمها وحمايتها؟
لنتذكر أن صحافتنا وصحفيينا العرب حتى الآن يستنكف جلهم الوصول إلى الأماكن الخطرة التي تتفجر فيها أعمال العنف والحروب، كالعراق وفلسطين ولبنان، فيما نجد أن جل من يقوم بهذه المهمة الجسور هم مراسلون أجانب، ولكن تبقى رغم كل ذلك جائزة “اليونسكو” جديرة بأن تسرع المؤسسات الصحفية العربية ونقابات الصحفيين لتدارس تخصيص جائزة تماثلها تستند إلى المعايير الموضوعية الحقة لا المعايير الشكلية وحسابات العلاقات العامة والمحسوبية والواسطة.
صحيفة اخبار الخليج
3 مايو 2008
عُمالٌ من “إليكترون”
استمعت إلى تقريرٍ إذاعي يتـحدث عن العجز الذي تواجهه دولة متطورة مثل اليابان في الأيدي العاملة، حيث ستحتاج حتى العام ٥٢٠٢ إلى نحو أربعة ملايين وظيفة، ليس هناك من يشغرها بين اليابانيين بسبب نقص معدلات الولادة، وميل اليابانيين إلى الاقتصار على طفل واحد أو اثنين. وبسبب حجم الضمانات الاجتماعية والرعاية الصحية التي يوفرها مجتمع غني ومستـقر في تطوره، فان أعداد المتقاعدين وكبار السن آيلةٌ إلى الزيادة. في مواجـهة ذلك لا تفكر اليابان في حث مواطنيها على زيادة الإنجاب، خاصة وأن ثقـافة جديدة بهذا الصدد قد تكرست عبر أجـيال، حيث لم يعد اليابانيون يميلون إلى إنجـاب أكثر من طفل أو طفلين، كما أنها لا تفكر في استقدام عمال من بلدان أخرى تعاني من كثافة سكانية عالية ونقص في فرص العمل، وما أكثر هذه البلدان. إن التوجه ينصرف نحو شغل هذه الـوظائف بعمال روبـوتات، سيـؤدون هذه الوظـائف بمهـارة لا تقل عن تلك التي يؤديها العامل أو الفني المدرب، وربما بصورة أفضل. للعـمال “الروبوتات” الكثير من الميزات التي ستجعل من الشركات وأصحاب الأعمال في وضع مريح بالقياس للحال التي يجري فيها توظيف عمـال من لحم ودم وأدمغة. فالعـامل الروبوت لن يطـالب برفع أجوره بين فترة وأخـرى تماشيـا مع ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم، ولن يلجأ للإضراب ودعوة زملائه للاعتصام أو الانضـمام للنقـابات أو الاتحادات العمالية إذا مـا وجـد أن ظروف عمـله لم تتحسن ولن يطالب بالتأمين الصحي ولا تنظيم نوبات العمل وتقليص ساعاتها. أي أن ما رغبت به الرأسمالية طوال تاريخها، وهو تطويع الطبقة العاملة وإخضاعها للـعمل في ظروف صعبة بغية مضاعفة الأرباح سيتحقق بسهولة من خلال الاعتماد على العـمال”الروبوتات”. وسيتعين سـاعتها التفكير في صياغات مقولات جديدة تواكب المستجدات في مظاهر استغلال الإنسان للإنسان، لأن صاحب العمل سيجد إزاءه عاملاً من معدن وإليكترون، لا يحتج ولا يغضب ولا يشكو قسوة العمل. هل جنحنا كثيراً للخيال؟! لا نحسب ذلك، لأن التفكير المشار إليه في اليـابان يـنصـرف إلى سـنوات قلـيلة قادمة، ويمكن لمثل هذا التفكير أن يتعمم ليشمل قطاعات إنتاجية عديدة، وليغطي بلداناً أخرى متطورة غير اليابان. إن الـعالم والـعلم يتطوران بسرعة مدهشـة، بصرف النـظر ما إذا كـان هذا يـتم في الاتجاه الصحيح أم لا، لكن على ذلك تـترتب مفـاعيل تقـلب الكثير من المسلمات رأساً على عقب.
صحيفة الايام
3 مايو 2008
الاستجواب
ان استجواب الشيخ احمد عطية الله وزير شؤون مجلس الوزراء يعني ان المستجوبين للوزير مارسوا حقهم الدستوري كنواب ولكن نعتقد ان المشكلة ابعد من ذلك اي تكمن في آلية الاستجواب المتبعة طبقاً لما نصت عليه اللائحة الداخلية للمجلس.
في احدى ندوات المحامي يوسف الهاشمي يقول: ان الآلية المستحدثة في الاستجواب المنصوص عليه في الدستور البحريني واللائحة الداخلية لمجلس النواب هي سبب الازمة التي يعاني منها المجلس حالياً عن طريق مراحل تدرج مرور الاستجواب بحيث اصبح الاستجواب يتطلب خمسة نواب على الاقل بدل واحد بالإضافة الى ادراجه على جدول الاعمال بغرض الاحالة الى اللجنة ويعتقد “الهاشمي” ان هذه الآلية في التعاطي مع الاستجوابات لا توجد في اي نظام برلماني او جمهوري في العالم.
وفوق هذا كله نعتقد ان الازمة التي نمر بها ليست في تلك الآلية فقط وانما ايضاً في وعي النواب الذين اصبحت تكتلاتهم وتحالفاتهم على اساس طائفي ولنا مثال على ذلك الاستجواب والامر يعود ومن دون شك الى تركيبة البرلمان الطائفية!!
حقيقة كنا نأمل ان يوفق نواب “الوفاق” في تحقيق اهداف الاستجواب من دون مزايدات سياسية ولكن لماذا لم ينجحوا؟؟ سؤال ينبغي على هذه الكتلة البرلمانية طرحه بامانة واخلاص وخاصة ان اندفاع هذه الكتلة نحو الاستجواب ربما كان تعويضاً عن ازمة سياسية ذاتية تتلخص في خبرتهم السياسية المحدودة او في الاداء البرلماني غير المقنع بالنسبة للجماهير الوفاقية الذين كانوا يتطلعون الى اداء افضل وكذلك الى انجازات لم تخطر على البال!
وبالتالي فإن ما رافق الاستجواب من انفعالات وتحديات شخصية وتجريح ربما له علاقة بتلك الازمة.
وما الفريق الآخر من النواب الذين اعلنوا عن تضامنهم ومساندتهم للوزير فهم منذ البداية شككوا في الاستجواب اعتقاداً منهم بعدم دستوريته وبالتالي لا نستغرب حينما ادانوا واستنكروا على الطريقة العربية اخطاء “الوفاق” تجاه الوزير.
اذن فالأزمة يا سادة هي ازمة آلية الاستجواب واداء وتكتلات طائفية هذا ما اثبتته الممارسة النيابية طيلة الدورتين من الفصل التشريعي الثاني الذي اشرف على الانتهاء وما تزال الرقابة البرلمانية متعثرة وما يزال الاداء البرلماني غير قادر على ملاحقة ومكافحة الفساد وعلى تكريس حقوق المواطنة والارتفاع بمستوى معيشة الفئات الاجتماعية الفقيرة والفئات الوسطى!
نعم هكذا كانت الممارسة النيابية التي وبكل اسف لم تدفع عجلة التنمية نحو الافضل!! ان البحرين التي نريد لها ان تكون نموذجاً للانفتاح السياسي والاصلاح الاقتصادي والتقدم الاجتماعي سوف تزداد ازماتها الداخلية تعقيداً ما لم تتفق الحكومة ومجلس النواب والشورى والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني الاخرى على الارتقاء بالعملية السياسية وعلاج اوضاعنا وازماتنا الاقتصادية والاجتماعية وفقاً للعدالة والمساواة.
ولهذا نقول: ومن دون هذا التوجه كم سيــكون مسـتقبل البحـرين متـعثراً اذا لم نتوجه الى تعزيز مكانتها الاقتصادية والتنموية.. وكم سيكون مستقبل الاصـلاحات الولـيدة متعثرة ايضاً ما لم نضع حداً للتصعيد الطائفي من خلال ترسيخ الوحـدة الوطنية في ظل المساواة في الحقوق والواجبات وكذلك ما لم تكف الجماعات والقوى الدينية المتشددة في مصـادرة الحريات والتكفير والتأثيم والتجريم والتخوين والتهديد بعودة البلاد الى عصور الظلام على النمط الطالباني أو الايراني.
اذن مرة أخرى فالازمة التي يشهدها بيت الشعب.. هي أزمة لها علاقة بلائحة المجلس الداخلية وبالاداء البرلماني وبتركيبة المجلس الطائفية.
صحيفة الايام
3 مايو 2008
أول مايو.. عيد العمال الأممي
تحتفل شعوب العالم قاطبة بيوم الأول من مايو، مثلما تحتفي بهذا اليوم الخالد (طبقة البروليتاريا الكادحة) في كل أصقاع الأرض.. يحتفل بهذا العيد المقدس.. عيد الطبقة العاملة كل طالبي الحرية وناشدي الحياة الحرة الرغيد، المجردة من الحيف والعسف، الخالية من الجور والمظالم.. وفي مقدمتهم أولئك الذين حملوا رسالتهم المقدسة المنوطة بهم، من أجل النهضة الانتاجية والاقتصادية والاجتماعية، وما يتمخض عن مفاهيم تلك الرسالة بماهيتها التي تجسد ركائز العملية التنموية الشاملة ومحاور الادوار البطولية بنسج أصحابها أعظم الملاحم النضالية التي انعكست حقائقها في انتفاضة (عمال بولونيا) عام 1863م، ونضالات (الاممية الاولى) عام 1864م بقيادة المناضلين الفيلسوفين (كارل ماركس وفريدريك أنجلز)..
وتأتي انتفاضة (عمال شيكاغو) المجيدة عام 1886م من بعدهما لتسجل بتضحياتها موقفا مبدئيا في سجل الخالدين، وبين صفحات التاريخ.. وتسطر بدماء مناضليها وأبطالها ملاحم التضحيات البطولية والتاريخية، التي من خلالها انتصرت تلك الطبقات البروليتارية المناضلة على طبقات الرأسمالية الطفيلية والامبريالية، ودحرت رأسمالية الدولة الاحتكارية، المتمثلة في الكارتيلات والتروستات لأصحاب الرساميل القياسية، والمتسمة أطماعهم البشعة في السعي الى تحقيق فائض القيمة الخيالية، من خلال الاستغلال الطبقي الفاحش والمتوحش وعبر القهر السياسي الفاضح والمخجل.. وعلى الرغم من تلك الاوضاع الموجعة، والوقائع المؤلمة، فقد انتزعت طبقات البروليتاريا الاممية مكتسباتها العمالية والنقابية، وانجازاتها التنموية والاقتصادية والمعيشية والاجتماعية، التي تمثلت في توفير مختلف الوظائف والاعمال والمهن على كفتي ميزان العدالة الاجتماعية، وتخفيض ساعات العمل وتحسين الاجور وظروف وأوضاع العمل بمقاييسها النوعية، والنهضة بالعمل النقابي وترسيخ النضال العمالي تحت الراية الاممية الثورية.
ولعل شعب البحرين المناضل هو جزء من شعوب العالم المناضلة، وفي مقدمتها طبقاتها العمالية الكادحة.. ولعل من دواعي القول فخرا: ان شعب البحرين وفي مقدمته طبقته العمالية المناضلة، كان ولايزال يحتفي بعيد العمال في الاول من مايو من كل عام منذ عقود من الزمان.. منذ أيام الجمر وأقسى الأعوام، مثلما تحتفل مؤسسات المجتمع المدني بعيد العمال في عهد الاصلاحات العامة، وعلى رأسها الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين. عبر مختلف الفعاليات والنشاطات، وإحياء اللقاءات وتنظيم المسيرات العمالية والجماهيرية في الاول من مايو في كل عام. إن ما يبعث على فخر الطبقة العاملة البحرينية ومؤسساتها النقابية، هو ما حققته من المكتسبات العمالية والنقابية، وتشكيل تلك النقابات العمالية لدى مختلف شركات القطاع الخاص، وجعل الاول من مايو يوم اجازة وطنية.. ولكن ثمة مطالب عمالية ونقابية، وأهدافا اقتصادية واجتماعية، وأماني وطموحات معيشية وأسرية، يظل بعضها خارجا عن دائرة الضوء، بعيدا عن حيز الواقع والوجود، وبعضها الآخر مصادرا بمزيد من التجاهل والتهميش.. نوردها كالآتي: 1 ــ غياب النقابات العمالية في القطاع الحكومي لقد طفح الكيل بالعاملين لدى القطاع العام، ونفد صبرهم، وأرهقتهم هواجس التفكير بمصادرة حقوقهم العمالية والوظيفية والنقابية، وما تمخض عن تجاهل نقاباتهم العمالية من قبل مختلف الادارات الحكومية بمزيد من الدونية والتهميش، ومن عدم الاعتراف بها وبتشكيلاتها وحقائقها أصلا.. وذلك من خلال استغلال المادة (العاشرة) لتعميم ديوان الخدمة المدنية رقم (1) لسنة 2003م.. التي حرفت حقائقها ومفاهيمها لصالح الحكومة والقطاع العام، بمبررات تسويغية وأسباب تسويفية، جاءت لتمثل عقبة كأداء في عدم السماح بإشهار وتشكيل النقابات في القطاع الحكومي.. ومن هنا يجب على الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، التوجه نحو المطالبة الدائمة والملحة حتى الموافقة على تشكيل هذه النقابات، طبقا لما كفلته المادة (الخامسة) من الدستور.. وذلك من أجل التمكن من الدفاع عن حقوق العاملين لدى القطاع العام، وصون كرامتهم، والذود عن حرياتهم في التعبير عن آرائهم ومواقفهم، وممارسة حقوقهم العمالية والوظيفية وفعالياتهم وأنشطتهم النقابية.. بدلا من اخضاعهم لطائلة سياسة المضايقة و”التطفيش” والمساءلة والتهديد.. مثلما حصل ويحصل لرئيس نقابة البريد جمال عتيق، ونائبة رئيس النقابة نجية عبدالغفار، التي أخضعت للتحقيق من قبل ادارة البريد (16) مرة، لا لشيء سوى بسبب نشاطاتها النقابية المشروعة. 2 ــ تهميش النقابات العمالية في القطاع الخاص إن النقابات العمالية لدى مختلف مؤسسات وشركات القطاع الخاص تعاني صعابا جمة، وتلاقي عثرات قاسية، في تفعيل مهماتها وأنشطتها وفعالياتها، بقدر ما تواجه صعوبة بالغة في الدفاع عن حقوق عمالتها البحرينية.. ويكفي استدلالا تلك الكفة الراجحة من عسف وتعسف ادارات الكثير من الشركات في تبنيها السياسة الاستبدادية والاتوقراطية، التي حصيلتها ونتائجها هي مسلسل الفصل التعسفي للعمالة البحرينية.. كما حدث في شركة (ألبا) من انتهاكات لحقوق العمالة البحرينية، التي مازالت نقابتها العمالية تطالب ادارة الشركة بـ “تقديم حلول عادلة للمفصولين من عملهم البالغ عددهم (52) عاملا”.. أضف الى ذلك اقدام مصانع الملابس وغيرها من المؤسسات على فصل العاملين والعاملات بين فترة وأخرى.. ومازال هناك ثلاثة عشر نقابيا يعانون الفصل التعسفي.. هؤلاء وأولئك ألقي بهم على قارعة الطريق من دون أي سبب سوى انهم أرادوا نيل حقهم الدستوري والنقابي المشروع. 3 ــ أزمة تصدير العمالة البحرينية إلى الخارج لعل ما يبعث على القول أسفا: ان فتح مكاتب لتوظيف البحرينيين في دولة قطر ودولة الامارات لا يتماشى والاصلاحات العامة في مملكة البحرين، بقدر ما هو نقيض للمشروع الوطني للتوظيف، وما يتمخض عن مدى موطن الخلل ومواطن الثغرات التي طرأت على سياسة وزارة العمل ولازمت خططها بازدواجية الحلول لأزمة البطالة، التي اتسمت بخطوات سريعة تجاوزت سلم الاولويات التدريجية لحل مشكلة البطالة بين أوساط العاطلين البحرينيين في الداخل (قطْريا).. بدلا بتصديرها للخارج (اقليميا).. ناهيك عن فتح وزارة العمل الابواب على مصاريعها لـ (300000) ثلاثمائة ألف من العمالة الاجنبية للعمل في مملكة البحرين، هذه العمالة الاجنبية تمثل السبب الرئيسي في نشر البطالة بين المواطنين، بواقعهم المؤلم الذي يخاطب المسئولين في وزارة العمل، لو استغنوا عن 10% فقط من اجمالي العمالة الاجنبية، فان الوزارة ستستطيع القضاء أو الحد من أزمة البطالة.. بدلا من تبني ازدواجية المعايير والحلول.. وبدلا من تصدير العمالة الوطنية خارج الوطن.. بينما العمالة الاجنبية تتمتع بمقدرات الشعب داخل الوطن.
في نهاية المطاف يبقى القول البالغ الأهمية: ان الطبقة العاملة البحرينية بمؤسساتها النقابية، وعلى رأسها الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، وهي تحتفي بعيدها المجيد.. عيد الأول من مايو.. عيد طبقات البروليتاريا في كل مكان.. قد وضعت آمالها في مدى تطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية المحور الآخر للحرية السياسية للإصلاحات العامة، وما يتمخض عن تداعيات مبدأ العدالة الاجتماعية من تعديل قانون النقابات واعطائها حرية تشكيل مؤسساتها العمالية والنقابية في القطاعين العام والخاص، واعطائها المكانة الاعتبارية من الاحترام والتقدير والإيمان بها والاخذ بآرائها ومقترحاتها وادخالها حيز التنفيذ عبر المشاركة الجماعية الفعلية والحقيقية.. ليس هذا فحسب ولكن استوجب التجاوب مع أهداف ومطالب الشعب البحريني وفي مقدمته العمالة البحرينية، وعلى رأس هذه المطالب ابراز قانون العمل الجديد الذي مازال يئن بين أدراج البرلمان منذ أمد بعيد.. وذلك بما ينسجم وحقوق العمالة الوطنية الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية والاسرية، ضمن روافد الحياة الحرة والكريمة، وبما يتجاوب وتضحيات الطبقة العاملة البحرينية الرائعة، ونضالاتها العمالية والنقابية والوطنية الرائدة منذ عقود من الزمان.
صحيفة اخبار الخليج
2 مايو 2008
الفقراء عندما ينهشهم الجوع
يبدو أن الروائي البرازيلي جورج امادو، وقبل ما يقرب من نصف قرن عندما كتب روايته الشهيرة “دروب الجوع” والتي أحداثها التاريخية ابعد من ذلك الزمن، حيث كانت البرازيل بلدا عبوديا وعمل العبيد في مزارعها تحت السياط وعاشوا حالة الهروب من ذلة الضرب والاهانة والتجويع، وكأن جورج امادو كان يتنبأ بالمدن البرازيلية الجديدة وأحياء الصفيح المرشحة للانفجار الشعبي، خاصة بعد أن تحولت وتلوثت مدنهم بكل شيء وكأنما حضارة القرن المنصرم تغلق الأفق مبكرا، فازدادت رقعة الفقر والجوع، وبدلا من حل المعضلات توجهت البرازيل للطاقة الحيوية كنموذج حيوي لازمة الغذاء، التي تواجه العالم اليوم في اغلب البلدان النامية، بل وامتد تأثيرها على البلدان الغنية بهذا القدر أو ذاك.
لكن الأزمة تبقى أكثر تجذرا وتأثيرا على ملايين الفقراء في الدول الأشد فقرا في الدول النامية عن سائر البلدان، نتيجة مستوى التطور الاقتصادي والمعيشي ولواقعها الجغرافي والزراعي، ولكن أزمة الغذاء التي يتحدث عنها الجميع لم تعد حريقا في تلك البلدان وحدها، بل ودفع البلدان المنتجة للحبوب أن تعيد نظرتها الاستراتيجية في مخزونها الغذائي، خاصة بعد أن بدأ المناخ يؤثر على كوكبنا، خالقاً فيضانات وحالة جفاف وتصحر شديد في ذات الوقت، فكان الضحية الأولى من جراء ذلك التدمير البيئي المحاصيل الغذائية، ما أدى في نهاية الأمر إلى التراجع في الكميات المطلوبة للأسواق الخارجية والاستهلاك الداخلي، فهل بإمكان دول كبيرة كالهند والصين بعد أن تحسنت ظروفها المعيشية وتقدمها التنموي التضحية بشعوبها بحثا عن عملات صعبة في الأسواق العالمية بعد أن أصبح لديها بدائل وإمكانيات متنوعة في تنميتها الداخلية؟
بالطبع مثل تلك الدول التي ما تزال تفكر باستقرارها الداخلي وبتحسين وضع شعوبها لا يمكنها أن تدخل في أزمات حادة كالفوضى العارمة الداخلية بين السكان حال تعرضهم إلى ظواهر سيئة، ليس كالفقر وحسب وإنما بلوغ حالة التجويع والبقاء على حافة الهاوية، فمثل تلك الأوضاع التراجيدية لا يمكن أن يقبلها ساسة عقلاء يديرون بلدانهم بحكمة ورؤية استراتيجية وبتوازن دائم في تنميتهم السكانية والغذائية. لهذا فإن البلدان غزيرة الإنتاج والأكثر تصديرا للخارج بدأت تعيد النظر في سياساتها،إذ لا توجد ضمانات اليوم أن تبقى الطبيعة “طيبة وهادئة وصامتة” تغرقنا بحبها الدائم، فقد باتت تلك البلدان على موعد منتظم مع الفيضانات المدمرة للمحاصيل ولحالة التصحر المستمرة، فهل تبقى الأرض والزراعة ضحية وعدوا لقوت الإنسان؟ خاصة لدى شعوب تستهلك الحبوب الغذائية، وفي ظل كثافة سكانية تعد بالملايين ظلت تعيش بفكرة “اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب” إذ الغيب هنا قاتل للبشر وبصورة جماعية تذكرنا بعصور المجاعات التي كانت تجتاح البلدان والحضارات.
ولكي لا تقع الإنسانية في مأزق وأزمات من هذا القبيل، بدأت تفكر بأهمية الحفاظ على المخزون الغذائي استعدادا للازمات الطارئة، فشحت الأسواق المستهلكة وانخفض العرض من تلك المواد أن لم تقبل بالأسعار الجديدة القادمة من تلك البلدان، التي كان عليها كبلدان منتجة أن تستعيد الأموال الطائلة التي تذهب من خزينتها نتيجة استيراد النفط المرتفعة أسعاره بصورة جنونية خالقا حالة عدم استقرار، ما أدى إلى تفاقم الأوضاع الدولية من الجانب الآخر لوجه الأزمة الخفية.
ذلك الاختلال الواضح دوليا بين العملية الإنتاجية والتوزيع في النفط والمواد الغذائية، أعاد ضرب جرس الإنذار وإيقاظ العالم النائم في سبات الرفاهية بين بلدان تنعم برخاء اقتصادي كبير وبلدان تغرق في الحروب والفقر والبؤس الحياتي والاقتصادي، وبلدان أصبحت مديونة وأخرى بسبب الفساد الأخلاقي والمالي أدخلت بلدانها في أوضاع سيئة للغاية، خاصة على مستوى عدم قدرتها بل وفشلها في تأمين الغلال الاستراتيجية التي تهم حياة الغالبية العظمى من شعوبها، فبلدان من نمط العراق والسودان ومصر والمغرب والجزائر وغيرها، كان ينبغي عليها أن تكون دولا مصدرة وغنية بالغلات الزراعية والحبوب، ولكنها للأسف الشديد وجدت نفسها عاجزة أمام هذا الوضع العالمي المتأزم بأوضاع عدة، عن حل معضلة جوهرية تمس غذاء الناس، بل ووجدت نفسها مضطرة أن ترفع أو تفكر بجدية في رفع الدعم عن المواد الأساسية المتعلقة بحياة الناس، ما رفع من حالة التوتر السياسي الداخلي، واحتمال أن يتصاعد السخط في أية لحظة مفاجئة.
أمام هذه الأزمة العالمية وقف العالم مندهشا ومتسائلا ما الذي سيحدث أكثر خلال السنوات القادمة؟ فلم تجد الأمم المتحدة ومنظماته كـ (الفاو) إلا الجلوس والنقاش العاجل بوضع حلول سريعة، مناشدة العالم بالدعم العاجل لتنمية الزراعة في بلدان عدة، ولكن نشطاء أمريكا اللاتينية تحركوا بسرعة فشكلوا كتلة صغيرة بين فنزويلا ونيكاراغوا وبوليفيا وكوبا وبدأوا مشروعهم بمبلغ مائة مليون دولار للصندوق كدعم للمشاريع الزراعية، تحاشيا للازمات والانطلاق نحو المستقبل، وما علينا نحن الدول العربية إلا التحرك بسرعة فلدينا ثلاث مقومات كبيرة للنجاح في مجال الثورة الزراعية، فلدينا الجغرافيا الكبيرة في المساحات والصالحة للزراعة ولدينا أيضا المياه والأراضي الخصبة للزراعة خاصة، العراق ومصر والسودان والمغرب وسوريا وثالثا وهو المهم، دول نفطية غنية بإمكانها أن تستثمر في هذا المجال وتسترد أموالها بأرباح مجزية، خاصة وان الدول النفطية كليبيا والجزائر وبلدان الخليج المساهمة الفاعلة في هذا المشروع الاستراتيجي الهام، بل وستكون البلدان العربية قادرة على التصدير لبلدان بحاجة للمواد الغذائية. حان الوقت للتحرك نحو خطوات عملية وإلا ستضطر شعوب عربية عدة أن تنزل للشارع، فالجوع كافر إذ بإمكان الإنسان أن يعيش مع الفقر، ولكنه لا يستطيع أن يقاوم الجوع.
صحيفة الايام
2 مايو 2008
الذمة المالية..
صار بوسعنا في ظل هذا الحاضر المأزوم من كل جانب أن نشكك من جديد في جدية التعاطي مع مشروع “الكشف عن الذمة المالية”.. واذا كنا لا نجد غضاضة في أن تكون لجهات القرار حسابات واعتبارات وتحفظات وحساسيات حيال هذا المشروع، من بينها تلك الحساسية من عبارة “من أين لك هذا؟” التي ألغيت من المشروع، إلا أننا لا نستوعب اعتراض من اعترض من النواب على هذا المشروع تحت ذرائع حافلة بالرسائل والاشارات السلبية التي حتماً لا نتقبلها برحابة صدر، وتثير لدينا علامات استفهام وتعجب لا حصر لها، خاصة وأن هؤلاء النواب هم أنفسهم الذين جعلوا موضوع محاربة الفساد والحفاظ على المال العام وتفعيل قيم المحاسبة والمساءلة والشفافية في صدارة برامجهم الانتخابية، وهي القيم التي نعلم جيداً أنها لم تنل حتى الآن حظها من الحضور الكافي في ساحة الأداء العام.
نعلم جيداً كذلك أن مشروع قانون الذمة المالية قد مر بولادة متعسرة جداً منذ الفصل التشريعي الأول لمجلس النواب وحتى الآن. ولنا أن نتحفظ بطبيعة الحال، على مسألة تحصين أي كان في السلطة التنفيذية من المساءلة، وهذا يشكل ثغرة في إرساء المملكة الدستورية وفي صيغة الممارسة الديمقراطية، ويجعلنا لا نتقدم على طريق تعزيز الرقابة وتأكيد جدية المساءلة السياسية للمسؤولين في الحكم في قطاعاته التنفيذية والتشريعية والقضائية. وجدنا بأن الشبهة الدستورية إياها سوف تطارد هذا المشروع في مجلس الشورى الذي سيكون حائط صد آخر ضد المشروع. وفي تصريحات لهم، بدت ملامح موقف الشوريين واضحة بحيث وجدنا نفس التحفظ، والذريعة المعرقلة أي الشبهة الدستورية، وحتى لا نقع في فخ التعميم نشير إلى حالة استثنائية أو أكثر عبر عنها أحدهم بالقول بأن القوانين المتعلقة بالكشف عن الذمة المالية هي الشرايين التي تمد قلب الديمقراطية بالدم وتمنع إصابة الديمقراطية بالذبحة الصدرية بصرف النظر عن المشمولين بهذا القانون.
لندع جانباً التباينات في الرؤى والتوجهات والتحفظات التي طرحت حول هذا الموضوع، وردات الفعل التي قد تحاط به من إبانة وإدانة وتأييد وإشادة لأسباب نحسبها معلومة للكافة ولا حاجة لنا للإفاضة فيها، لنتنبه إلى أنه بافتراض أن قانون الذمة المالية قد استطاع تخطي كل الذرائع المضللة وحواجز الصد المفتعلة وخرج الى النور سليماً معافى، فإن ذلك لا يجيز لنا الاعتقاد بأننا قد باشرنا في تفعيل قيم المساءلـة بقدر عالٍ من الكفاءة والهمة المطلوبة، وأن حساب المسؤولين سوف يتم بالصورة التي تحقق الحسم والحزم ناهيك عن الردع، لا نتصور هذا الوضع، فذلك سقف عالٍ من التوقع أو التفاؤل يصعب أن نتبناه أو نروّج له وذلك من واقع المعطيات والتعقيدات والتقاطعات الراهنة، وحتى من واقع ما نلحظه من طبيعة التعاطي مع قضية الفساد في “ألبا” التي يبدو أنها مفتوحة لكثير من الاحتمالات، خاصة بعد أن أعلن وزير المالية قبل أيام بأنه لا يستطيع الإفصاح عن مسار هذه القضية لحين الفصل فيها أمام المحاكم الأمريكية رغم أهمية هذه الخطوة.
إن المسألة المحورية الآن التي يفترض أن تتصدر أولويات الجميع، الحكومة والسلطة التشريعية وحتى مجلس التنمية الاقتصادية باعتباره معنياً بالشأن الاقتصادي، وأيضاً مؤسسات المجتمع المدني كونها هي الأخرى معنية بمحاربة الفساد، وأصبح من واجب الوجوب أن يكون هذا الهدف في قمة أولويات تلك الأطراف، لذلك لا نجد معنى ولا مسوغاً تعطيل قيمة المساءلة، وتحصين أي مسؤول اذا ما انحرف أو اخطأ أو أهمل، ولا مبرر لعرقلة ما يمكن أن يجعل القانون هو الفيصل وفوق الجميع، الكبير قبل الصغير، وإن كنا نعتقد بأن قانون الذمة المالية، أو من أين لك هذا؟ ما هو إلا شكل قانوني يوحي بمكافحة الفساد، ولن يكون فاعلاً ليس بالتطبيق الفعلي فقط، وإنما بتوافر آليات عديدة توقف تغلغل قيم الفساد وممارساته. وإذا كانت هناك جدية في الإصلاح فيجب أن يخلق ذلك حالة رفيعة من المسؤولية التي تفرض دوام المراقبة المحاسبة وإلا سنظل نزرع الحصرم، ولن نجني سوى المر..!!
صحيفة الايام
2 مايو 2008